من العقیدہ إلی الثورہ (٤): النبوۃ – المعاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
اصناف
28
فإذا كان علم الله تابعا لتغير الواقع يكون السؤال: هل علم الله على شرط؟ والإجابة نفيا تثبت العلم المطلق وتنفي التغير منه، وتضع الشرط في المعلوم لا في العالم، ويكون العلم هنا صفة أزلية، علما مطلقا يحتوي على كل شيء، الماضي والحاضر والمستقبل، لا يتغير بتغير الحوادث، يحتوي على جميع المعلومات؛ وقائع وممكنات، الظاهر منها والباطن.
29
والإجابة إثباتا تثبت تغير العلم تبعا لتغير الواقع، أو يكون العلم أوسع نطاقا من الواقع حتى يستطيع أن يتقبل كل احتمالاته؛ ومن ثم تكون الأولوية للواقع ولفعل الإنسان؛ وبالتالي يكون العلم الإلهي والفعل الإلهي تابعين لفعل الإنسان؛ فالإنسان هو الذي يحدد بفعله نتيجة العلم والفعل الإلهيين. الفعل الإنساني هو الشارط والفعل الإلهي هو المشروط. والشرط هنا لا يعني شرط الوجود، بل يعني أولوية الفعل؛ لا يعني الشرط هنا شرطا منطقيا، بل يعني مجرد أولوية الفعل من حيث العمل.
30
والحقيقة أنه لا توجد بداوات، بل تحقق أولا حتى تتم المعرفة التجريبية وتتحقق الغاية من البداء؛ فلا يعني البداء الجهل، أو نفي الحسن والقبح العقليين، أو قلب الحق باطلا والباطل حقا. ليس البداء مجرد تغيير الرأي بلا سبب تعبيرا عن مطلق القدرة وعظمة المشيئة، بل هو درس تعليمي في العلم التجريبي، وقدرة الفكر حسب الواقع بعد نداء الواقع للفكر في «أسباب النزول»، ولا يحدث خارج الوقت، أو في أي وقت اتفق في تطور الزمن والتغير في التاريخ من السابق إلى اللاحق. يشير البداء إلى مشكلة التغير في الزمان، وأن العلم يتغير بتغير الواقع ؛ كلما تغير الواقع تغير العلم طبقا له، وهو معنى النسخ عند الأصوليين. إثبات البداء وجهة نظر إنسانية خالصة تعطي الأولوية للإنسان، وإلى تغير العلم حسب الواقع ودرجة تطوره. فالوحي تجريبي بمعنى أنه لا يكون وحيا نهائيا إلا إذا تطابق مع الواقع. الواقع هو وسيلة تحقيق صدق الوحي؛ ضيقه أو اتساعه. كان الوحي قديما متسعا بالنسبة للواقع، كان يحتاج إلى تطوير وإلى دفعة خارجية له، ثم ترك الواقع لتطوره الطبيعي ومساره التاريخي، وأصبح الوحي بعد ذلك متحدا مع التطور الطبيعي للواقع. والواقع هنا ليس هو الواقع المصمت الخالص، بل هو الواقع التاريخي الذي يشمل البشر وممارسة الشعوب وإرادة الجماعات. وقد تصور البعض أن إثبات البداء فيه خطورة على الفعل الإنساني الذي تحقق بالرأي الأول، ثم عليه الآن أن يتغير طبقا للرأي الجديد؛ لذلك يمكن إثبات البداء فيما لم يعلمه الإنسان، ونفيه عما يعلمه ويطلع عليه؛ خشية أن يفعل الإنسان طبقا للعلم الأول، فيفشل فعله، فيرفض العلم كله. وهي تفرقة أقرب إلى نفي البداء منها إلى إثباته؛ لأن ما لم يطلع عليه الإنسان لا يعلمه، وما دام لا يعلمه فلا يحدد سلوكه بالنسبة إليه.
31
وكما يمكن إنكار البداء لإطلاقية العلم وثبوته وقدمه، يمكن إنكاره أيضا بالتمييز بين صفة العلم وصفة الإرادة، التمييز بين النظر الثابت الذي لا يتغير وبين العمل الذي يتغير من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، إثباتا للتنزيه وللعلم المطلق الذي لا يتغير.
32
يشير البداء إذن إلى الفرق بين العلم والإرادة؛ فقد يكون هناك علم لا تتبعه إرادة، وقد تكون هناك إرادة تابعة لعلم جديد. وقد عبر القدماء عن هذه الصلة في سؤال: هل يجوز على الله الترك؟ فالإجابة نفيا إثبات لعدم تغير العلم والإرادة معا؛ وبالتالي إثبات قوانين عامة في الطبيعة وفي الحياة الإنسانية، والإجابة إثباتا تعني أن التغير ممكن في العلم والسلوك، إما مما أخبر عنه من ثواب وعقاب قد لا يحدث، ما دامت الغاية منه، التأثير على النفوس وإقامة حياة خلفية كاملة، قد تحققت، وإما أن الرحمة قد تفرض العفو دون العدل، وكلاهما من الصفات.
نامعلوم صفحہ