من العقیدہ إلی الثورہ (٤): النبوۃ – المعاد
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
اصناف
9
وهو تصور أقرب إلى التصور العلمي القائم على التوحيد بين الروح والمادة؛ فإذا كان التصور الأول يقوم على ثنائية الروح والبدن والتمييز بينهما ومفارقة أحدهما للآخر، فإن التصور الثاني يقوم على التوحيد بين الروح والبدن، وعلى أحادية النظرة للإنسان. وما الروح والبدن أو الحياة والموت إلا حالتان يتبدل عليهما الإنسان، وينتقل من إحداهما إلى الأخرى. وفي مقابل هذين التصورين الميتافيزيقيين تركز إحدى الحركات الإصلاحية الحديثة على تحريم زيارة قبور الصالحين والأولياء دون الدخول في المتاهات القديمة؛ إما لقصورها الفكري، أو لتركيزها على السلوك العملي للمسلمين؛ فالموت ظاهرة اجتماعية، والتبرك بالقبور وزيارتها تخل عن الاعتماد على النفس، وشرك بالتوحيد، وإنكار للعدل؛ أي لقدرة الإنسان النظرية والعملية.
10 (3) هل هناك سؤال للملكين؟
وسؤال الملكين أو جوابهما نيابة عن الإنسان نتيجة عودة الروح إلى الجسد؛ فلا حساب ولا سؤال أو جواب بدون حياة. وقد يكون الهدف من إعادة الروح إلى الجسد هو سؤال الملكين للميت في قبره، وامتحانه فيه، واستنطاقه مكنون نفسه قبل يوم الحساب. وقد يكون الهدف من السؤال هو إعادة الروح إلى الجسد، وإثبات حياة القبر؛ وبالتالي يتردد الإنسان؛ أيهما علة وأيهما معلول؟ هل إعادة الحياة إلى الجسد من أجل السؤال، أم إن السؤال من أجل إعادة الحياة إلى الجسد؟ وقد تعود الروح إلى الجسد دون أن يحيا الإنسان من جديد حياة اليقظة، بل يكون أشبه بحلم النائم؛ فإذا ما تيقظ الإنسان كلية فقد يعارض، وقد يفعل، وقد يختار. والنوم موتة صغرى، والموت نومة كبرى. وإذا ما عادت الروح إلى أجزاء الجسد وليس إلى جله، فكيف تتكلم أجزاء الجسد التي دفع الله بالحياة فيها؟ كيف يتكلم القلب وحده بلا لسان وشفتين؟ هل هناك لغة غير منطوقة بلا لسان وصوت وفم ، وبلا عقل وذهن وإدراك؟ وقد ترد الحياة إلى النصف الأعلى؛ لأن بها الرأس والفهم ومعظم الحواس، دون النصف الأسفل. وكيف يمكن إحياء جزء وترك الباقي؟ أليس الوعي كيفا خالصا دون كم؟ وهل يتجزأ الوعي الخالص أو يوجد في مكان؟ فإن استعصى السؤال للبدن، فإنه يكون للروح. فالسؤال في هذه الحالة لا يتطلب عودة الروح إلى الجسد، بل مجرد عودة الروح. والسؤال للروح الخالص أفضل من سؤال الجسد الميت. والأمثل هو سؤال الروح في البدن بشرط عودة الروح وحضور البدن. ومن أين تأتي الروح؟ وإلى أين تعود؟ هل تأتي من البرزخ، وتعود إلى القبر؟ وأين مستقر الأرواح؟
11
والآن، لماذا يسأل الملكان والميت الحي يجيب؟ وهل يقتصر دور الإنسان وهو في هذه الظروف غير العادية على الإجابة؟ إن السؤال أقوى من الجواب، والجواب مشروط بالسؤال. السؤال يدل على قوة السائل، في حين أن الإجابة تدل على ضعف المجيب؛ لذلك كان السؤال والجواب أقرب إلى الاستجواب، كما يتم في أقسام الشرطة لتحرير المحاضر، أو في أجهزة المخابرات للتعرف على الجناة. وهل هناك اعتراضات وشهود؟ هل هناك تسجيل وتدوين؟ هل هناك تسجيل للحساب؛ مناقشة وردود واعتراضات؟ وما الهدف من السؤال وكل الإجابات معروفة سلفا، قد تم تدوينها في صحائف الأعمال في الدنيا، وتعرض على الإنسان في الآخرة، فيأتيها المؤمن بيمينه والكافر بشماله؟ فإذا كان حساب المناقشة وطلب العلية أهم من حساب العرض الإخباري الخالص، يكون سؤال الملكين في القبر أهم من الحساب الختامي. ولماذا حساب المناقشة المبدئي والله وملائكته يعلمون الرد، وكل شيء لديهم في لوح محفوظ؟ لماذا السؤال والإجابة عليه معروفة سلفا، ومدونة في صحائف الأعمال؟ ألا يعرف الملكان الإجابة قبل السؤال؟ إذن يكون السؤال في هذه الحالة أقرب إلى الامتحان الكاذب أو الاختبار الخادع؛ لأنه لا توجد فرصة للمراجعة أو التعلم أو التوبة. وإذا كانت الحكمة من السؤال إظهار المؤمنين من بين العصاة، أليس ذلك معروفا من قبل؟ وهل يحتاج الله إلى أن يتباهى أمام الملائكة بالمؤمنين؟ وهل من صفات الله أن يفضح الكافرين أمام الملائكة أم ستر عيوبهم؟ وكيف يفضح الله الكافرين أو يشمت فيهم أمام الملائكة والزمان ما زال، والميت في القبر، والصلاة على الميت والدعاء له مستمر من الآخر، ويوم البعث لم يحن بعد؟ ألا يصيب ذلك المؤمن بالغرور والكافر بالحسرة؟ وماذا عن دفاع الكافر بأنه ما زال في القوس منزع؟ وكيف يصدر الحكم عليه قبل الدفاع، ويدان قبل المرافعة؟ إن هذا لأشبه بالحساب قبل يوم الحساب أو بحساب صغير قبل الحساب الكبيبر، بتدريب على الحساب وتمرين عليه، بتمثيل حساب قبل الحساب النهائي الفاصل، وإلا فكيف يبدأ الحساب قبل قيام الساعة؟ هذا هو هم الساعة قبل الأوان. يتراءى المستقبل في الحاضر كما يتراءى الحاضر في الماضي. والعجيب أنها كلها أسئلة نظرية خالصة عن التصورات والمعارف، وليس أسئلة عملية عن النظم والأفعال، وكأن الإيمان له أولوية على الأفعال، وكأن النظر له وجود مستقل عن العمل؛ فالأسئلة كلها عقائدية حول الله والرسول والدين، وليست أسئلة عملية حول تطبيق الشريعة أو حقوق الإيمان وواجبات المكلف. والأعجب من ذلك كله عدم تساوي الأسئلة من حيث الصعوبة بين المؤمن والكافر. فتعطى الأسئلة السهلة للمؤمنين والصعبة للكافرين؛ حتى تسهل إجابة الفريق الأول، وتصعب إجابة الفريق الثاني محاباة وتحيزا، وهو ما يناقض أبسط قواعد العدل وتكافؤ الفرص. وكيف تختلف أحوال السائلين في الضعف والشدة، في الرفق أو الغلظة، في المساعدة وعدم المساعدة، في السهولة والصعوبة، في طول المدة أو قصرها، في وضوح الموضوع وغموضه، في تكرار السؤال وعدم تكراره، وفي عدد السائلين؟ وهل من العدل أن يعطى المؤمنون أسهلة سهلة في موضوعات واضحة في مدة طويلة مع مساعدة الملكين لهم ومعاملتهم الرقيقة معهم، في حين يعطى الكافرون أسئلة صعبة في موضوعات غامضة وفي مدة قصيرة ودون مساعدة وفي معاملة غليظة؟ وكيف لا تكون الأسئلة واحدة لكل من الفريقين، المؤمنين والكافرين، فيسأل البعض في أجزاء، بينما يسأل الآخر في الكل؟ كما تكون الأسئلة عامة للبعض وخاصة للبعض الآخر. وتكون الأسئلة عن الأشخاص بلا تعظيم لهم؛ حتى يكون للإنسان جرأة على الحكم بلا خوف من العظماء، وبلا تبجيل لهم، كما هو الحال في الدنيا. ويدل ذلك على إسقاط أمور الدنيا على بدايات الآخرة عن طريق النفي والسلب، وكأن قياس الغائب على الشاهد ليس فقط هو أساس العقليات في أصلي التوحيد والعدل؛ مما يؤدي إلى التجسيم والتشبيه، بل والتنزيه، بل أيضا هو أساس السمعيات في أمور المعاد. والأعجب من ذلك كله هو حدوث غش في الامتحان عندما يساعد الملكان المؤمن في الإجابة، ولا يساعدان الكافر، بل إن الأمر يصل بالملكين إلى حد التدليس على الكافر؛ حتى يوقعاه في الخطأ عنوة، ثم بعد ذلك يعذب في القبر وفي الآخرة بعد الحساب النهائي؛ جزاء له على خطئه! وكيف يكون الملكان معصومين من الخطأ طبقا لعصمة الملائكة، ثم بعد ذلك يقومان بالتدليس على الكافر، فيزيدا شقاءه شقاء، وعذابه عذابا، وهو ما يناقض الرحمة الإلهية، خاصة إذا كان الغرض من سؤال الملكين هو إعطاء فرصة للعصاة من أجل النجاة؟ وهل لا بد أن ينجح المؤمن بالضرورة وأن يرسب الكافر بالضرورة؟ وقد يكون لدى الكافر جواب سديد صريح، ولا يكون لدى المؤمن إلا النفاق والرياء. قد يكون عند الكافر إبداع أصيل، ويكون عند المؤمن تقليد مميت. يبدو أن ظروف السؤال كامتحان تناقض العدل؛ وبالتالي تناقض السمعيات العقليات. وفي هذه الحالة تبقى العقليات، ويعاد تأويل السمعيات؛ حتى تتفق مع العقليات، وتفهم أمور المعاد طبقا لأصل العدل.
12
ويتجاوز الأمر الامتحان إلى توقيع العقاب، فيضرب الكافر بالمرزبة عقابا له على جهله أو خطئه، وكأن الإجابة بعدم المعرفة خطأ، في حين أنه يخطئ من يفتي بغير علم. والحقيقة أن الإنسان ما دام عقله معه فهو قادر على الإجابة، بل قادر على أن يتحول من المسئول إلى السائل، وأن يأخذ بتلابيب الملكين ويسألهما بدوره عن ربهما ودينهما ورسولهما، فتنقلب الآية، ويصبح المسئول سائلا والسائل مسئولا. هذا السؤال هو فتنة القبرة، والملكان السائلان هما فتانا القبر، وكأن الإنسان لم تكفه فتن الحياة حتى تلاحقه الفتن حتى القبر! ولماذا يكون في القبر فتنة وهو مظلم، والميت قد انتقل من الدنيا إليه، وهو عالم جديد لم يألفه؟ ولماذا لا يكون هناك نوع من تخفيف العقاب، عذاب الوحدة والوحشة والظلمة والقبضة والضغطة والصمت؟
ولمن يكون سؤال الملكين في القبر؟ أللجن والملائكة؟ وهل عاشت الجن والملائكة في الدنيا وماتت ثم دفنت أجسادها وواراها التراب؟ وهل هي مكلفة ومحاسبة في الدنيا، وفي حاجة إلى فتنة في الآخرة؟ قد يكون السؤال للجميع باستثناء الملائكة والجن. وفي هذه الحالة، لماذا لا يسأل الملائكة؟ هل لأنهم غير مكلفين؟ ولماذا لا يسأل الجن؟ هل هم مكلفون مثل الإنس ما دامت لهم رسل مثلنا، وما داموا أمما مثلنا؟ وهل للملائكة والجن قبور يتم السؤال فيها؟ وهل تموت الملائكة والجن كما نموت نحن؟ وكيف يمنع الجن طاعة الإنسان في شهر رمضان؟ أيكون هو المسئول عن معاصي الإنسان فيه؛ وبالتالي يصطدم عمل الجن مع أصل العدل وخلق الإنسان لأفعاله؟ وكيف يسجن الجن في شهر رمضان؟ ومن الذي يطلق سراحه فيما بعد؟ ومن هم سجانوه؟ وكيف؟ وأين؟ وقد يستثنى الأنبياء من السؤال وأطفال المسلمين والصبية والعشرة المبشرون بالجنة والصديقون والشهداء وقراء القرآن، وقد تتوالى الاستثناءات حسب الاختصاص والإعجاب! فما الفرق بين قراء القرآن وحملة العلم؟ وما الفرق بين الأطفال وبسطاء الناس وحسني النية وأصفياء القلوب؟ ألا يكون ذلك ضد قانون الاستحقاق، والحكم سلفا قبل أن يصدر الحكم طبقا للأعمال؟ أم إن هؤلاء جميعا أحكامهم بديهية معروفة مسبقا، ليست في حاجة إلى إصدار بعد مداولة؟ وماذا عن معاصي الأنبياء وذنوبهم في حالة عدم العصمة؟ هل لأن الحسنة الكبيرة تحجب السيئة الصغيرة طبقا لقانون الإحباط والتكفير؟ وفي حالة عدم السؤال، كيف يسأل الأنبياء عن عقائد نظرية هم رسلها وحملتها والمبلغون بها والمؤتمنون عليها؟ وكيف يسأل الأنبياء عن جبريل والوحي، خاصة وكأن هناك شكا في علمهم أو إيمانهم بها؟ وكيف يسأل الصبية والأطفال عن عقائد نظرية وهم قبل سن التكليف؟ وكيف يساوى في السؤال أو عدم السؤال الأنبياء والأطفال أو الصبية والرسل؟ وكيف يسأل محمد خاتم الأنبياء والمرسلين والشاهد على الرسل والأمم؟ ولماذا لا يسأل ملازم سورة تبارك، أو من قرأ سورة الإخلاص في مرضه ثلاثا، أو من مات يوم الجمعة أو ليلتها؟ هل في القرآن إنقاذ؟ وهل تتفاضل سور القرآن؟ وهل يتفاضل الموت في أيام الأسبوع والإنسان لا حيلة له في تحديده، فلكل أجل كتاب؟ أليس من يقرأ القرآن في مرضه أخوف ممن يقرؤه في صحته؟ وهل هناك تفاضل في أسباب الموت؟ ومن مات بالطاعون فقد مات غيلة، ولم تعط له فرصة النجاة والتوبة. والطاعون هنا أشبه بحوادث الطريق، والسكتات القلبية، والموت الفجائي دون إعداد. قد يكون كل ذلك أقرب إلى الخيال الشعبي الذي يعبر عن تقديس الأبطال والقديسين واحترام العلماء وتقديس القرآن ويوم الجمعة، وتفضيل سورة على أخرى نظرا للسهولة العملية والمقتضيات الإجرائية، أو الموضوعات المطابقة للمواقف، مثل قراءة سورة «يس» على المقابر.
وإذا كان السؤال للكفار دون المؤمنين، فكيف يتم ذلك والإجابة معروفة سلفا؟ وهل الكفر نظري أم عملي؟ وإذا كان السؤال للمؤمنين أيضا مع الكافرين، فالجواب أيضا معروف سلفا، وإلا لما كانوا مؤمنين، ولما أمكن تمييزهم عن الكافرين. وكيف يلهم المؤمن الجواب وكأنه لا يعرفه، وكأن إيمانه أعمى، بالإضافة إلى أنه غش في الامتحان؟ وهل المؤمن عاجز عن الاعتماد على النفس والإجابة من علمه وإيمانه وتصديقه؟ ولماذا يضرب الكافر ولا يساعد مثل المؤمن في شيء، ويسرع إليه العذاب وكأن وقته قد حان، وساعة الحساب قد حلت؟ وإذا كان السؤال للمسلمين وحدهم، فهل يكون على المسائل النظرية، والحساب ليس على النظريات، بل على الأفعال؟ وما فائدة السؤال عنها والإجابة يعرفها المسلم مسبقا وإلا لما كان مسلما؟ وإذا كان السؤال للأمة كلها، فمن المسئول في الأمة؟ وإذا كان السؤال للأمم كلها، فالناس كلهم مسلمون مكلفون، حتى الذين لم تصلهم رسالة الأنبياء. وكيف يسأل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، لنا منهم أعمالهم دون تصوراتهم؟ وهل يكون السؤال عن عقائدهم الخاصة ورسلهم، أم عن أعمالهم التي يتساوى فيها الجميع؟ وكيف يحاسب الملكان كل الأموات، ولدى كل الأمم في كل أطراف الأرض؟
نامعلوم صفحہ