من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
اصناف
10
ومنهم من انقلب إلى صوفية يؤمنون بالأحوال والمقامات، وبحدود العقل، وبإيمان القلب، وبالعلم اللدني، وهذه هي «نهاية الإقدام».
11 (3) من حيث الأولوية
وإذا كان الشرف من حيث الأولوية والأساس، فإن علم الكلام يضع نفسه في أول العلوم؛ ومن ثم فهو أهمها وأعلاها، وأعمها وأشرفها؛ لأنه العلم النظري الذي يبحث عن أسس العقيدة وقواعد السلوك، ترجع الأهمية هنا إلى أنه علم نظري يبحث في الأمور النظرية، وهو العلم الشامل الذي يضم كل العلوم، والأساس النظري لها جميعا، وهو الذي يحدد لنا تصور العالم، ليس فقط عن طريق معرفة الحق والاطمئنان النظري إليه، بل أيضا من أجل توجيه السلوك، الشرف هنا يعني درجة التجريد في العلم؛ فأول العلوم هو أكثرها تجريدا؛ لأنه يعطي الأساس النظري للسلوك؛ ومن ثم كان علما معياريا بالنسبة لغيره من العلوم النظرية، هو محك للسلوك ولتحقيق الأفعال؛ وبالتالي فهو الأول والأساس؛ فنظرا لهذا الشرف الناتج عن البحث عن الأسس النظرية والمبادئ العامة، كان هو الكلام وما سواه يعتمد عليه، ويكون في تصنيف العلوم أول ما يمكن تعلمه لأنه لا يحتاج إلى أكثر من الكلام، علم الكلام عند القدماء هو أول العلوم؛ لأنه يبحث في الأسس والمبادئ العامة، وهي أوائل العلوم، ومبادئه بينة بذاتها، وغير مستمدة من علم آخر، وإلا لما كان أول العلوم؛ لذلك اتصل علم الكلام عند المتأخرين بمبادئ العلم الطبيعي والعلم الرياضي لأنها أيضا علوم نظرية أولية.
12
والسؤال الآن: هل استطاع علم الكلام بالفعل أن يكون أول العلوم؟ هل استطاع تكوين الأساس النظري للسلوك؟ إن أول العلوم هو علم سابق على علم الكلام، وهو علم المبادئ العامة للوحي
L’Axiomatique de La Révélation
وهو العلم الذي يضع المبادئ العامة في الوحي والتي تحدد الأسس العقلية العامة لكل العلوم.
13
ثم يأتي علم التفسير الذي يضع مناهج تفسير النصوص حتى لا يخضع تفسيرها إلى هوى فردي أو مصلحة شخصية، ثم يأتي علم الإحصاء الاجتماعي الذي يعطي صورة للواقع المراد تنظيره، والذي سيكون مصبا للعقائد، وبعد ذلك يأتي علم التوحيد بعد أن تحددت المبادئ العامة للوحي، وبعد أن اكتملت نظرية التفسير، وبعد أن أدركنا الواقع الذي نعيش فيه، أما إذا قام علم الكلام على أساس من التعصب وليس على التنظير العقلي، وإذا تغلب الهوى على العقل، والانفعال على النظر، والفائدة الشخصية على المصالح العامة، وإذا قصر العلم في التأسيس النظري، ولم يستطع الوصول إلى اليقين فيه واقتصر على الشك والتردد، وإذا انقلب الهدف من العلم وهو تأسيس العقائد إلى إفساد للعقائد والتشويش عليها وضياعها، وإذا تحول البرهان إلى غوامض الكلام وصعوبة المفاهيم وتعذر الوسائل - إذا حدث ذلك كله، فإن علم الكلام لا يكون أشرف العلوم من حيث تأسيسه وتنظيره وأولويته على كل ما عداه. (4) من حيث الغاية
نامعلوم صفحہ