من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
اصناف
فعقائد الإيمان هي التي حافظت على هوية الجماهير وعلى الشخصية الوطنية للبلاد إبان نضالها ضد الاستعمار، وعبارات الإيمان هي التي تخرج على اللسان في لحظات الحسم، مثل: «الله أكبر» أو «سبحان الله» أو «لا إله إلا الله» عند المصابين أو «الله، الله» في لحظات العجب والاستحسان، أو «لك يوم يا ظالم» في لحظات الإحساس بالقهر والعجز عن الظلم. فما سماه القدماء «أرفع العلوم وأعلاها» أو «أشرف العلوم وأسماها» هو عندنا أكثر العلوم فاعلية وأثرا في تصورات الناس وسلوكهم، فالشرف ليس من الموضوع كما قال القدماء، بل من الأثر والقدرة على تحريك الناس، وتجنيد الجماهير والدخول في حركة التاريخ.
42
وإذا كان القدماء قد وضعوا عقائدهم بناء على سؤال الأمراء والسلاطين، أو بعد رؤية صالحة للولي أو للنبي، أو بعد استخارة لله، فإننا وضعنا «من العقيدة إلى الثورة» دون سؤال من أحد أو رؤية أو استخارة، بل تحقيقا لمصلحة الأمة وحرصا على وحدتها الوطنية بعد أن أصبحت شيعا وفرقا في نضالها الوطني وتغيرها الاجتماعي، خاصة بين أنصار التراث وأنصار التجديد، بين الحركة السلفية والحركة العلمانية، وهما الاتجاهان الرئيسيان في جسد الأمة، بدلا من التكفير المتبادل، والصراع على السلطة، واستبعاد كل منهما الآخر؛ فعقائدنا هي حركة الوصل بين جناحي الأمة، والتي من خلالها يستطيع التراث السلفي أن يواجه قضايا العصر الرئيسية، كما يستطيع العلماني التقدمي (الليبرالي أو الاشتراكي أو القومي) أن يحقق أهدافه ابتداء من تراث الأمة وروحها، فيأمن الأول المحافظة والرجعية، ويأمن الثاني الوقوع في التغريب والعزلة عن الناس، يأمن الأول الخروج على المجتمع سرا أو علنا ومعاداة الأهل والوطن، ويأمن الثاني الانتهاء إلى الردة والوقوع في الثورة المضادة، وهذا ما يبرهن عليه واقعنا المعاصر، سواء في موقف الحركة الإسلامية منه أو في انتكاسة الثورة العربية وردتها.
43
والغالب على أسماء مؤلفات العقائد التقليدية إما أسماء العلم والتبيين أو أسماء الجدل والإرشاد، أو أسماء تدل على القدرة الشخصية الفائقة أو التواضع الشديد أو أسماء محايدة لتأصيل الدين وشرح أصوله أو أسماء تبين العقائد الناجية طبقا لتصور أصحابها، أو بعض الأسماء التي لا تدل على مسمياتها.
44
أما اسمنا فهو: «من العقيدة إلى الثورة»؛ فالعقيدة هي التراث والثورة هي التجديد، العقيدة هي إيمان الناس وروحهم، والثورة مطلب عصرهم، والسؤال هو: كيف يتم نقل الأمة على نحو طبيعي من الماضي إلى الحاضر؟ كيف تعود إلى التوحيد فاعليته في قلوب الناس ليعود نظاما سياسيا لمجتمعاتهم؟ كيف تصبح العقيدة باعثا ثوريا عند الجماهير وأساسا نظريا لفهمهم للعالم؟ كيف يتحول مسلمو اليوم إلى ثوار الغد بعد أن بدءوا ثوراتهم الوطنية العلمانية المحدثة والتي حققت أقل قدر ممكن من الاستقلال، وهو جلاء القوات الأجنبية، ولكن ما زالت الأرض محتلة، والثروات ضائعة، والاقتصاد تابعا، والأبنية متخلفة، والهوية مغتربة، والحريات مقهورة، والأمة مجزأة، والجماهير عاجزة؟ كيف يصبح التوحيد، وهو اسم فعل، تحريرا للوجدان البشري، وتحررا للمجتمعات البشرية وللإنسانية جمعاء؟
45
أما من حيث الألقاب التي تبارى فيها القدماء مدحا لأنفسهم أو تعظيما من الآخرين لهم، فلست الإمام، ولا القطب، ولا الشيخ، ولا القاضي، ولا الرئيس، ولا العالم العلامة، الحبر الفهامة، ولا الصاحب، ولا الحافظ، ولا المحدث، ولا المحقق، ولا العالم، ولا الأستاذ، ولا المرجع، ولا سيدنا ومولانا! كما أني لست إمام العالمين، ولا قدوة علماء المسلمين، ولا سيف الحق والدين، ولا نجم الملة والدين، ولا فخر الدين، ولا عضد الدين، ولا سيف الدين، ولا أفضل المتقدمين والمتأخرين، ولا سيف السنة، ولا لسان الأمة، ولا حجة الإسلام، ولا صدر الإسلام، ولا شيخ الإسلام، ولا لسان المتكلمين، حجة الناظرين مع فرق المبتدعين، ولا صاحب الفضيلة، ولست العبد الفقير إلى رحمة ربه، الحقير الراجي من الله غفران الوزر.
46
نامعلوم صفحہ