من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
اصناف
وكما يرتكز العلم بالمطابقة على أساس نظري في العقل، فإنه يقوم أيضا على أساس شعوري في النفس؛ وبالتالي تظهر الصفات أو المعاني العقلية في النفس حتى تتمايز وتتضح؛ وفي هذه الحالة يكون العلم «صفة توجب لمحلها التمييز بين المعاني لا يحتمل النقيض.»
34
العلم موضوع أي صفة ومعنى متميز عن غيره، العلم هو المعنى القائم بالنفس والقادر على التمييز بين المعاني المتناقلة، العلم علم للمعاني ومنهجه الإيضاح، وكل نقيض له هو نقص في التمييز.
35
ترتبط الصفة بالنفس، ويصبح العلم هو ما يحدث في النفس من الواقع من خلال التجربة. ومن ثم لا يمكن إخراج الحواس من المعاني؛ فالحواس طريق الحصول على المعاني، والتجارب موطن لها. العقل هو الرصيد النهائي للمعاني ولكن المعاني تنشأ من التجارب الحية في العالم. لا تتحقق المعاني الكلية إلا في تجارب جزئية. التقابل بين الكل والجزء تقابل في المنطق الصوري لا وجود له في تحليل التجارب الحية لإدراك معانيها المستقلة. لا يظهر المعنى إلا في موقف، والموقف لا يمكن إلا أن يكون موقفا إنسانيا خاصا قد يتكرر بعد ذلك في الزمان والمكان. وعلى هذا النحو يكون العلم هو الذي يوجب كون من قام به عالما.
36
فرغما من قيام هذا التعريف على الدور، تعريف العلم بالعالم الآن يظهر الموضوع من خلال الذات؛ نظرا لأنه لا وجود لعلم بلا عالم. فإذا غاب العالم غاب العلم. مما يشير إلى أهمية العلم في الصدور وأهمية موقف العالم. صحيح أن العلم بناء نظري، لكنه موجود في شعور العالم، ويتحدد ببنائه، ويتحقق ببواعثه. فالبناء النظري للعلم لا ينفصل عن تحققه العملي، لذلك ارتبط العلم بالعلماء؛ إذا حضر العلماء حضر العلم، وإذا غاب العلماء غاب العلم، إذا فسد العلماء انهار العلم، وإذا صلح العلماء قام العلم. ترتبط إذن الصفة أو الحال بالإنسان، هل هما نفسه أم غيره أم لا هما نفسه ولا غيره بصرف النظر عن ارتباطهما بالصفات والأحوال «الإلهية»؟ فإنها تعبر عن البناء الإنساني والاجتماعي لنظرية العلم، دور العلماء في تأسيس العلم.
37
وبالإضافة إلى وجود العلم كحالة للشعور، كما يركز المعتزلة، إلا أنه أيضا صفة ومعنى كما يركز الأشاعرة.
38
نامعلوم صفحہ