من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
بعد التاريخ العام الذي يظهر في النبوة وفي المعاد؛ أي في ماضي الإنسانية وفي مستقبلها، يظهر التاريخ الخاص أو التاريخ المتعين في النظر والعمل أولا، وهو ما سماه القدماء «الأسماء والأحكام»، ثم في الحكم والدولة ثانيا، وهو ما سماه القدماء «الإمامة»؛ فإذا كان التاريخ العام من صنع الله، إذ إنه هو الذي يرسل الأنبياء، وهو الذي يبعث الناس إليه في اليوم الآخر، فإن التاريخ المتعين من صنع الإنسان؛ فالنظر والعمل مقولتان إنسانيتان فرديتان، كما أن الحكم والدولة نظامان إنسانيان اجتماعيان من اختيار الإنسان؛ فالتاريخ العام لا يتحقق إلا في التاريخ الخاص، وكأن المشروع الإلهي كما تم عرضه في الوحي كعلم إلهي لا يتحقق إلا بنظر الإنسان وعمله، وحكم الجماعة ونظامها. وفي التاريخ المتعين ينتهي علم أصول الدين، ويتحقق القصد الإلهي من الوحي، وتتأسس العقائد، ويكتمل النسق. (1) وضع المشكلة وأهميتها
تدخل مسألة النظر والعمل في باب «الأسماء والأحكام»، أي في تحديد معاني الألفاظ؛ فهي ليست مسألة نظرية بقدر ما هي مسألة لغوية. ليست قضية تفتيش في ضمائر البشر أيهم المؤمن وأيهم الكافر كما يحدث في هذه الأيام، بل هي مسألة البحث عن معاني الكلمات، وكأن النظر والعمل مجرد أسماء وألفاظ وتحديد معان، وليسا منطق سلوك وأفعال وممارسة النظر والتحقيق.
1
وهل يمكن معرفة النظر والعمل لغويا فحسب؟ وعلى فرض أنها مبحث لغوي، فهل هي أسماء شرعية فحسب ليس للعقل فيها دور في الفهم أو التحليل؟ لذلك نشأ رد الفعل على هذا الوضع الهامشي للمشكلة، وأصبحت أصلا من أصول الدين، الأصل الرابع منه «المنزلة بين المنزلتين» بعد الأصول الثلاثة؛ التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد.
2
وتعني مسألة الأسماء والأحكام أن مسألة النظر والعمل من حيث التطابق أو عدمه مجرد أسماء لغوية تشير إلى أحكام شرعية، وليس لها أي مدلول نظري أو واقعي؛ فمحل بحثها هو قواميس اللغة وكتب الفقه؛ وبالتالي إخراج موضوع النظر والعمل من نطاق تحليل العقل والواقع. وإذا كان الأمر سهلا في حالة التطابق، فإن الأمر يكون صعبا في حالة الاختلاف؛ فالإتيان بالكبيرة إنما يشكك في مدى فاعلية النظر، ويسبب أضرارا بالغة في الواقع الاجتماعي. وإذا استطاع الإنسان التوقف في تحديد بعض المسائل النظرية مثل الإيمان والكفر والشرك، أو تحديد بعض الأحكام الفقهية حول الفسق والنفاق والعصيان، فإنه لا يستطيع أن يتوقف أمام الإتيان بالكبائر؛ لأنها أفعال عامة يقوم بها الفرد في المجتمع، وتدخل تحت طائلة القانون.
وقد يشار إلى مسألة النظر والعمل كجزء من المقدمات العامة في علم أصول الدين، فيما يجب على المكلف الإيمان به، مثل نظرية العلم ونظرية التكليف، وكأنها مدخل وليست موضوعا نظريا مستقلا،
3
وكأنها مقدمات نظرية خالصة، مقدمات في مفاهيم العلم. وقد ظهر أيضا في الشروح المتأخرة عندما انهار بناء العلم وتحول إلى منظومة عقائدية نثرا أو شعرا، وبالتالي ضاع موضوع النظر والعمل من المستوى البرهاني إلى المقدمة الخطابية العامة، وكأنه مبحث فقهي أو صوفي. وقد تبدو مسألة النظر والعمل في نهاية العقائد المتأخرة كمقدمة للأخلاقيات التي ينتهي بها التوحيد كنوع من الخطابة العامة في الدين بعد انهيار البناء العقلي للعلم.
4
نامعلوم صفحہ