من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
والحقيقة أن جواز الإمامة يكون بالنص عند جمهور الأمة بصرف النظر عن فريقها، ولكن الخلاف هو هل تعقد بالاختيار أيضا أم بالنص وحده.
5
وفي هذه الحالة يكون النص جليا واضحا ظاهرا على إمامة شخص بعينه، هو الإمام الرابع، وإنكار ذلك يرتقي إلى مرتبة الكفر. وإن لم يكن النص جليا واضحا على اسمه وشخصه فإنه يشير إلى صفته ورسمه. والنص من الله إلى الرسول، ثم من الرسول إلى الإمام. وقد يشفع ذلك الوصية من الإمام على من بعده، فالوصية استمرار للنص في التاريخ. وكل إمام يأتي دون الإمام المنصوص عليه يكون إماما ظالما مغتصبا للسلطة، ويضل من بايعوه، ويصل هذا وهؤلاء إلى حد الكفر.
6
ويثبت النص بحجتين؛ الأولى: أن الاجتهاد باطل لأنه يعرض للخطأ، والإمامة لا تحتمل الخطأ، فهي أصل من أصول الدين. والحقيقة أن هذا إبطال لأصل من أصول التشريع في علم أصول الفقه، ولا يمكن إثبات أصل في علم أصول الدين بإنكار أصل من علم أصول الفقه، فكلاهما علم الأصول، وإلا لتنافت الأصول، وأبطل بعضها بعضا. والثانية: أن العصمة لا تعرف اجتهادا، بل تعرف بالنص. والحقيقة أيضا أن هذا إثبات للعصمة وليس إثباتا للإمامة، إثبات للصفة وليس إثباتا للموصوف، كما أن العصمة متنازع عليها، وليست صفة مقبولة بإجماع الأمة، ولا يمكن إثبات الإمامة اعتمادا على شيء لم يثبت بعد. كما لا يمكن إثبات أصل، وهو الإمامة، على فرع لها، وهو العصمة، وإلا لثبت الكل بإثبات الجزء.
7
وقد يقال إن الإمامة لما كانت واجبة بالنص فإن النص قد حصل ووقع، ولكنه لم ينقل. ومع ذلك تثبت الإمامة بثلاث حجج؛ الأولى: أنه إذا كان الإمام معصوما، ولم تثبت العصمة في أحد من الصحابة، كان الإمام الرابع لأنه هو المعصوم. وهي حجة تقوم على أن العصمة هي الأصل، وأنها أمر قد تم من قبل، كما أنها تقوم على برهان الخلف، وهو يثبت الشيء عن طريق نفي نقيضه، وهو برهان ضعيف. والثانية: أنه إذا ثبت أن الإمام هو الأفضل، وثبت أن الإمام الرابع هو الأفضل، كان هو الإمام وإن لم ينقل النص. وهي حجة شرطية تتوقف على صحة المشروط، وحتى لو كان صحيحا فإنها تعتمد على إثبات في الواقع أن إماما بعينه هو أفضل من غيره. وكثير من الصحابة فضلاء، ويشاركون في الفضل. وقد يكون الإمام هو المفضول لاعتبارات عملية، حقنا للدماء، ودرءا للفتنة. والثالثة: أنه إذا صح القدح في غير الإمام الرابع فإنه يكون هو الإمام، وإن لم ينقل ذلك نصا. والحقيقة أن القدح في أحد ليس حجة ضده؛ لأنه يأتي من الخصوم، ولأن المقدوح فيه معروف له بالفضل والتقوى والصلاح، ويشهد له بذلك كما يشهد للإمام.
8
لا يمكن أن يكون طريق إثبات الإمامة هو النص الجلي، وإلا لكان رده كفرا؛ وبالتالي أدى إلى تكفير الصحابة وجمهور الأمة. ولا يجوز أن يكون أمر مهم في الدين، مثل الإمامة، له نص خفي ولم يعلم ضرورة، وإلا لجاز ورود نص في صلاة سادسة أو سابعة، أو جازت زيادة أصل فيه. ولو كان هناك نص ثابت لعلمت صحة ثبوته كالعلم بالشرع ضرورة دون إلهام أو اكتساب؛ لأن معرفة الشرع بالتواتر . والتكليف علم في الشرع، لا يعرف البعض دون البعض. كما أن شروط التواتر تمنع من التعصب والهوى والكتمان، مثل تجانس انتشار الرواية في الزمان بين أولها ووسطها وآخرها درءا لمؤامرات الصمت. ولا يعقل أن موضوعا مثل الإمامة به صلاح الأمة، وتحقيق وحدتها، والدفاع عن أرضها، وتحقيق المصالحة فيما بين أفرادها، وأخذ حقوق المظلومين، وهو أهم من الاستنجاء والمسح على الخفين والتيمم والغائط، ولا ينقله الكافة عن الكافة. لو ثبت نص لنقله الناس، ولما سكتوا عن روايته. وإن النص على الخلافة واقعة عظيمة، مثلها يجب اشتهارها بحيث يعرفها الموافق والمخالف. وقد اشتد النزاع حولها وتطايرت الرقاب؛ مما ينفي احتمال السكوت وعدم النقل. وكيف يمسك الصحابة، وهم المعروفون بالتقوى والصلاح، عن نقل نص ظاهر، ويبدلونه إلى الاختيار، وهم الصفوة الأولى، والقدوة في العلم والعمل؟ ولا يمكن ثبوت الإمامة بنص خفي، فلم يخف شيء على الصحابة وهم المشهود لهم بالعلم وفهم المقاصد والغايات. وكيف يمسك الرسول ذاته عن أهم الأبواب ولا ينطق فيها بنص ولا يشير إلى شخص معين حتى وصلت الأمور إلى هذا الحد من الاختلاف وضياع الحق مع الباطل، وهو الذي لم يترك شيئا في الدين إلا وبينه، حتى كمل الدين وتركه على الواضحة، ليله كنهاره؟
9
نامعلوم صفحہ