من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
هل الإمامة واجبة، أي ضرورية، لا يرسل الله وحيا إلا ذكرها، ولا تقوم حياة الناس إلا بها، أم أنها غير ضرورية يصلح حال الناس دونها؟ وهو موضوع نظري صرف كما هو الحال في النبوة، إثبات وجوبها أو استحالتها أو إمكانها.
1
وهناك احتمالات عدة؛ ألا تكون الإمامة واجبة أصلا؛ إما لعدم حاجة الناس إليها والاستغناء بفطرتهم عنها، أو لأنها تثير الفتنة والشقاق، أو لأنه يصعب تحقيق شروطها. وقد تكون واجبة على الله قبل وجوبها على العباد؛ لأنه لطيف بهم يرعى الصلاح ويبغي الأصلح. وقد تكون واجبة على العباد إما سمعا أو عقلا. وهو سؤال عام في الفلسفة السياسية عن ضرورة السلطة في المجتمع.
2 (1) هل الإمامة غير واجبة أصلا؟
قد تكون الإمامة غير واجبة أصلا، لا على الله ولا على العباد، لا سمعا ولا عقلا، لا نظرا ولا عملا. وقد يصاغ السؤال بطريقة أخرى، فيكون: هل يجوز أن تخلو الأرض من إمام؟ فإذا كان السؤال الأول يتوجه نحو النظر والمبدأ، فإن السؤال الثاني يتوجه نحو الواقع والمشاهدة واستقراء التاريخ؛ فإذا تطابق الرأيان تصبح الإمامة غير واجبة أصلا بحجة العقل وحجة الواقع.
ويرفض الوجوب النظري بعلتين متضادتين؛ الأولى: أن الناس وقت السلم أخيار، وليسوا في حاجة إلى إمام. والثانية: أن الناس في وقت الفتنة يمتنع عليهم وجود الإمام. وهما حجتان متعارضتان متقابلتان لنفي وجوب الإمامة وإثبات استحالتها. حجة مثال، وحجة واقع. الأولى ترسم صورة مثالية للعالم؛ ومن ثم فلا حاجة إلى إمام، الثانية ترسم صورة سوداوية للعالم؛ وبالتالي فترك الإمامة أفضل. تبين الحجة الأولى أن الناس لو كفوا عن التظالم لاستغنوا عن الإمام، فالناس أخيار بالطبع، يكفي اتباع الفطرة والعقد الاجتماعي الطبيعي دونما حاجة إلى سلطة تأخذ بزمامهم، وتوجههم نحو الخير. الإنسان سيد نفسه، والجماعة ترعى مصالحها، والسلطة شر ومفسدة لا حاجة للناس بها.
3
والحقيقة أنه لا يمكن رد هذه الحجة بالحجة العكسية، وهو تصور الناس أشرارا يأكل بعضهم بعضا؛ وبالتالي لا بد من إمام يحفظ أموال اليتامى وتوجيه السرايا والذب عن البيضة وتنفيذ الحدود، وكأن مصالح الناس تظل معطلة دون إمام، وكأن الناس بطباعهم ليست لهم أخلاق اجتماعية يحفظون بها الحقوق ويدافعون بها عن النفس؛ وبالتالي إنكار الحق الطبيعي، مثل حق الآخر، وحقوق الدفاع عن النفس.
4
وتبين الحجة الثانية أن الأمة إذا اجتمعت كلمتها على الحق احتاجت حينئذ إلى الإمام. أما إذا عصت وفجرت وقتلت الإمام لم يجب على أهل الحق منهم إقامة إمام؛ فالشعب الغاضب الرافض هنا أقوى من الإمام، والإمام أضعف منه، والسلطة لا تقوى على تثبيت نفسها. ولما كانت السلطة تعبيرا عن الشعب، والشعب رافض لها، فإن أية محاولة لتثبيت سلطة شعب رافض لها ستكون بالضرورة سلطة قاهرة لا تعبر عنه.
نامعلوم صفحہ