من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
27
والحقيقة أن إثبات المنزلة بين المنزلتين إنما يجد مبررا له في صعوبة قبول الموقفين الأولين، وهو اعتبار مرتكب الكبيرة مؤمنا أو كافرا. ونظرا لبساطة هذا الموقف الثالث فإن أية محاولة لتنظيره تكون إضافية مجانية زائدة. وقد تكون مسألة شرعية لا مجال لتنظير العقل فيها، ومع ذلك فإنه يمكن على الأقل تعقيلها وتحديد مستوى معرفتها؛ فهي مسألة ليست مرتبطة بالثواب والعقاب والإحباط والتكفير، حتى لا تكون أدخل في أمور المعاد، وليست مسألة متعلقة بالأحكام الشرعية وحدها؛ لأنها تتعلق بأمور الدنيا وبسلوك الأفراد، كما أنها لا تتعلق بموضوع المدح والذم؛ لأن الأحكام الخلقية هو فعل إنساني، وما دام فعلا إنسانيا فإنه فعل حر يتراوح بين العظمة والإقلال، بين عظم الثواب وقليله إن كان طاعة، وعظم العقاب وقليله إن كان معصية. فالمنزلة بين المنزلتين تعبير عن حرية الفعل نظرا لوجود الفعل بين قطبين؛ الثواب والعقاب، أو الطاعة والمعصية.
28 (2) هل الإيمان يزيد وينقض؟
لما كانت الأعمال مقترنة بالإيمان، وكان العمل لا ينفصل عن النظر، ظهر سؤال ثان عن الإيمان: هل يزيد وينقص؟ هل هو كل أم بعض؟ هل يتفاضل فيه الناس؟ فإذا كان أبعاد الشعور الأربعة، المعرفة والتصديق والإقرار والعمل، قد وضعت مسألة وحدة الشعور من حيث الكم، فإن سؤال الزيادة والنقصان في الإيمان يضع الشعور من حيث الكيف، ولو أن اللغة هي لغة الكم. وقد ركز القدماء على الشعور الكمي بأبعاده الأربعة أكثر مما ركزوا على الشعور الكيفي بأسئلته الثلاثة: هل الإيمان يزيد وينقص؛ أي هل له أجزاء، أي خصال يمكن تجزئتها، أم أن الإيمان كل واحد لا يتجزأ؟ هل الإيمان يتفاضل فيه الناس كما تتفاوت مراتبه عند الشخص الواحد؟ هل تأتي قوة الإيمان وضعفه من الإيمان أم من البواعث والغايات؟ هل هناك فروق فردية طبيعية أو مكتسبة، جبلية أم تربوية، وراء التفاوت في الإيمان والأعمال؟ وفي أي مظهر من الإيمان يقع التفاوت في المعرفة أو التصديق أو الإقرار أو العمل؟ وهل يؤدي التفاوت في المعارف إلى تفاوت في الأعمال؟ هل يؤدي التفاضل في التصديق إلى تفاضل في الأعمال؟ هل هناك تفاضل في الإقرار مثل تفاضل المعرفة والتصديق؟ وكل هذا الأسئلة التي تثار في الإيمان تثار أيضا في الكفر، وكأن المسألة ليست في الإيمان أو الكفر، بل في الشعور ذاته يوجبه الإيمان والكفر، الإيجاب والسلب.
والخلاف ليس لفظيا فقط، وإن كان يمكن ضبطه عن طريق تحليل اللغة، ولكنه ناتج عن اختيار مسبق لأحد الاحتمالات المتعلقة بأبعاد الشعور؛ فإنكار الزيادة والنقصان في الإيمان نتيجة التوحيد بين الإيمان والأعمال، في حين أن إثبات الزيادة والنقصان في الإيمان نتيجة لاعتبار الأعمال زائدة عن الإيمان ومنفصلة عنه. وإنكار التبعض في الإيمان هو أيضا نتيجة للتوحيد بين الإيمان والعمل، في حين أن إثباته يكون نتيجة للفصل بينهما. وإن جعل الإيمان هو المعرفة أو التصديق أو الإقرار ينكر الزيادة أو النقصان في الإيمان؛ لأن الأعمال ليست منه. فالمعرفة بالذهان، والتصديق بالقلب، والإقرار باللسان، مرة واحدة وإلى الأبد، لا زيادة في كل منهما ولا نقصان.
29
فالقول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إنما يعني بالإيمان التصديق بالقلب الذي أصبح عنوانا للمعرفة والإقرار دون الأعمال؛ فالتصديق لا يقع فيه زيادة أو نقص، كما أن ليس به كل أو جميع؛ أي إنه لا يتبعض، ولا يتفاضل فيه الناس أو الملائكة؛ فإيمان الناس مثل إيمان الملائكة والمقربين والأنبياء وأهل الجنة، مساواة مطلقة بين الجميع. لا تزيد الأعمال من الإيمان ولا ينقص غيابه منه، وكأن العمل لا يقوي الإيمان، وكأن الممارسة لا تزيد من أحكام النظر. قد تتزايد الأعمال في نفسها، ولكنها لا تزيد ولا تنقص من الإيمان شيئا.
30
ولا يثبت الإيمان، ولا تتنوع خصاله، فهو خصلة واحدة أو الخصل جميعا. أما الأعمال فهي التي تتجزأ وتتبعض. وكذلك لا يتفاضل الإيمان من فرد لآخر وإن تفاضلت الأعمال.
31
نامعلوم صفحہ