من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
وبالنسبة للسمعيات تكفر البراهمة بالرغم من إقرارهم بحدوث العالم وتوحيد صانعه وعدله وحكمته؛ لأنهم أنكروا النبوات والشرائع، وأثبتوا تكليف المعرفة من وجهة خواطر العقول؛ فقد كلف الله العباد بأن يعرفوه بعقولهم، وأن يشكروه على نعمه، وألا يظلم بعضهم بعضا. وحرموا ذبح البهائم وإيلامها بلا ذنب. وإيلام الله لها في الدنيا لأجل عوضها في الآخرة. فأين الكفر في ذلك؟ ألا يتفق ذلك مع اكتمال الوحي وانتهاء النبوة، واكتمال الوعي الإنساني باستقلال العقل والإرادة؟ وما العيب في قانون الاستحقاق، وأنه لا ذنب دون استحقاق إلا بعوض؟ وما المانع من نظرة إنسانية عامة ترفع الحيوان من حيث هو روح إلى مستوى الإنسان؟ أليست البراهمة أولى بالاعتبار من اليهود والنصارى الذين ينكرون خاتم النبوة؟ وهل يكفر أحد في السمعيات أم أنه لا كفر إلا في العقليات؟
29
أما النظر والعمل فيكفر كل من ينتهي إلى الإباحة. وقد تحدث الإباحة نتيجة للقول بالحلول، فيحدث اطمئنان داخلي لتأييد الروح للبدن؛ أو نتيجة للقول بإلهين والصراع بين النور والظلمة، فإذا ما تغلب النور حدثت الإباحة؛ أو نتيجة للقول بالطبائع، فيصبح الشرعي هو الطبيعي. والإباحة رد فعل طبيعي على النفاق في التمسك بالشريعة في الظاهر وعصيانها في الباطن، ورد على قهر الأوامر، ورد اعتبار إلى ميول الطبيعة التي يتم إثباتها في علم أصول الفقه، كما هو الحال في التوحيد بين المباح أو الحلال وبين الطبيعي وهو ما تمليه الفطرة.
30 (2-2) هل هناك كفرة تقبل منهم الجزية؟
وهؤلاء أقل شرا من الكفرة الذين لا تقبل منهم الجزية؛ إذ يمكنهم أن يتعايشوا مع الأمة، وأن تقبلهم الفرقة الناجية بين ظهرانيها، ولديهم خيار ثالث بين الإسلام والقتال، وهو خيار الجزية حفاظا على عقائدهم، وأمانا للأمة من عداوتهم. وهم أربع فرق؛ الصابئة واليهود والنصارى والمجوس. فهل هذه الفرق الأربع على مستوى واحد؟ هل الصابئة والمجوس مثل اليهود والنصارى؛ وبالتالي تتساوى ديانات خارج الوحي مع ديانات الوحي؟ وهل عبادة الكواكب عند الصابئة، والقول بإلهين عند المجوس، مقبول من الفرقة الناجية؟ ولماذا إذن تكفير الدهرية وأصحاب الطبائع والهيولى والفلاسفة والمنجمين، وهم يقولون بقدم العالم والأفلاك، وهي تشارك الصابئة في عبادة الكواكب؟ ولماذا تكفير من يقول بإلهين والمجوس تقول به؟ وهل الصابئة عبدة أوثان أم عبدة طبيعة؟
31
تقول الصابئة بحدوث العالم وإثبات الصانع، وأنه لا يشبه شيئا، ولكن الصانع خلق الفلك حيا ناطقا سميعا بصيرا مريدا مدبرا العالم، والكواكب ملائكة. وهو قول مشابه للتوحيد باستثناء حياة الأفلاك. وما دام الأمر كله تشبيها، قياسا للغائب على الشاهد، فلا فرق بين إسقاط الحياة والسمع والبصر على الوعي الخالص أو على الطبيعة. وهو مشابه لقول الفلاسفة. فلم لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتال دون الجزية ويقبل من الصابئة الجزية؟ وإن عدم الوصف بصفات الإثبات أفضل من الوقوع في التشبيه، كما أن نفي صفات النقص عنه أقرب إلى التنزيه؛ فلا يقال حي عالم قادر، ولا يقال ليس بميت ولا جاهل ولا عاجز. وإن الزيادة في عدد الأنبياء لا يخرج عن النبوة؛ وذلك لأن الوحي قص بعض الأنبياء ولم يقصص البعض الآخر. كما أن ممارسة الشعائر مثل الصلاة والصيام كيفا لا تستلزم كما معينا، ولا تتطلب الالتزام بقوانين الطعام أو قواعد الطهارة شكلا خاصا ما دام الاتفاق قد تم على الجوهر والقصد. وقد تكون الأحوال الشخصية أكثر إحكاما، فلا طلاق إلا بحكم ولا جمعا بين امرأتين. إن لم تكن الصابئة قد وجدت في الماضي، فإنها ستوجد في المستقبل برسول من العجم ينزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة ينسخ به الشرائع السابقة، ويعلن الاتفاق بين دين الوحي ودين الطبيعة ودين الأخلاق.
32
والسؤال: هل ما زالت الفرق القديمة موجودة حتى يمكن التعامل معها؟ وإن لم تكن موجودة ولم توجد بعد، فكيف يتم إصدار حكم عليها؟ وهل توجد فرق حاليا ليس لها حكم شرعي حتى يمكن التعامل معها؟ وهل تشير الصابئة إلى فرق تاريخية معينة، أم أنها اختيار نظري من طبيعة العقل لدين الطبيعة؟
أما اليهود فهم أهل كتاب بالرغم من اختلافهم فيما بينهم، وتعدد فرقهم واختلافهم حول توراتهم وشرائعهم وعدد أنبيائهم، وحول النسخ وإثبات اكتمال الوحي ونهاية النبوة. وهناك فرق أخرى أقرب إلى توحيد المسلمين قديما وحديثا، وتشاركهم في أصلي التوحيد والعدل؛ وبالتالي يصعب تكفيرهم في العقليات.
نامعلوم صفحہ