من العقيدة إلى الثورة
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
اصناف
أليس هذا هو الخلق والإبداع؟ ومم تأتي المعرفة إن لم تتولد من النظر؛ أي من طبيعة العقل ومن التركيز على المعارف الضرورية؟ يبدو أن الباعث أيضا هو إبعاد الذهن عن التفكير، وجعله مجرد حصيلة لمعارف خارجة تأتي من السلطتين الدينية والسياسية، وهما بيدهما توجيه المعرفة ووسائل التلقين. ولماذا يكفر القول بأن المعرفة واجبة بالعقل قبل الشرع؟
4
أليس ذلك احتراما لعقل الإنسان وتأسيسا للشرع على العقل؟ ولماذا جعل العقل خاويا من أية معارف، وأن المعرفة لا تجب إلا بالشرع؟ فإذا كان المتحدث باسم الشرع هو السلطة السياسية، وهو في الوقت نفسه السلطة الدينية، لزم على الإنسان طاعة أولي الأمر دون إعمال للعقل. ولماذا يكفر القول بأن التواتر لا يحتمل الكذب، وأن الإجماع والقياس ليسا بحجة؟
5
وما العيب في جعل التواتر يفيد الصدق ولا يحتمل الكذب؟ هل القصد من ذلك الطعن في التواتر وتجويز الكذب عليه بحجة الإجماع أو القياس؟ وإذا كان الإجماع يحدث من فقهاء السلطان وليس من علماء الأمة، فإنه لا يكون مصدرا للعلم. وإذا كان القياس أيضا إنما يقع لتبرير حكم السلطان الجائر، فإنه لا يكون حجة. إن الدفاع عن الإجماع والقياس في مواجهة النص المتواتر ترجيح للسلطة البشرية على سلطة النص؛ وبالتالي احتكار التأويل. إن الإجماع يتغير من عصر إلى عصر، والإجماع السابق لا يلزم الإجماع اللاحق. والقياس في نهاية الأمر اجتهاد فرد واحد، مجرد رأي وظن. وإذا كان الحال كذلك فيقين التواتر أولى. فهل هذا ضلال يستحق التكفير؟ وما العيب في التشدد في الروايات وقد تطايرت الرقاب اعتمادا على روايات تروجها السلطة ضد الخصوم؟
6
وإن تحديد عدد الرواة بعشرين، وأن يكون من بينهم من لا يتطرق إليه الكذب مثل واحد من المبشرين بالجنة، لا يستدعي التكفير، وإنما يستوجب نقد شروط يصعب تحقيقها. والحقيقة أن تكفير هذه الاتجاهات في نظرية العلم إنما يتعارض مع نظرية العلم لدى الفرقة الناجية ذاتها؛ مما يدل على أن للتكفير هدف إبعاد الخصوم السياسيين، ولكنه تحت ستار العقائد وباسمها؛ فالأدلة النقلية دون أدلة عقلية ظنية؛
7
وبالتالي لا استحالة في القول بالمعارف الضرورية، أو توليد المعارف بالنظر، أو وجوبها قبل الشرع؛ بل إن بدايات نظرية العلم كنظرية في المنطق، في التصورات والتصديقات، وفي أنواع الحقائق بسيطة أو مركبة، وأنواع التعريفات بالمثل أو بالمشابهة أو باللفظ، إنما يعتمد على تحليل العقل الخالص، وأن اللفظ نفسه تكون دلالته واضحة وظاهرة على المقصود.
8
نامعلوم صفحہ