
فلا يقال : البارى جسم ، ولا يقال : الجسم باري .
وأما بالتحقيق والتفصيل : فينبغي أن يرد إلى النظم الأول بعكس المقدمة النافية 110 .
ولنعدل إلى مثال آخر تصاؤنا عن ترديد لفظ (البارى) فإن قول القائل : (إنه ليس بجسم) كأنه سوء أدب، كما أن قوله : (هو جسم) كفر(21 ، فإن من قال للملك : إنه ليس بحجام ولا بحائك . . فقد أساء الأدب؛ إذ أوهم إمكان ما صرح بنفيه ؛ إذ لا يتعرض إلا لنفى ما له إمكان فى العادة ، والجسمية أشد استحالة في ذاته - تعالى عن قول الزائغين - من الحياكة والحجامة في الملك.
فنقول مثلا : إن الأجسام ليسث أزلية ؛ إذ كل جسم مؤلف ، ولا أزلى واحد مؤلف؛ فيلزم منه : لا جسم واحد أزلى؛ إذ صار المؤلف ثابتا للجسم ، مسلوبا عن الأزلي ، ولا يبقى بين الأزلي والجسم ارتباط الخبر والمخبر عنه .
و تفصيلآه : بأن تعكس المقدمة النافية ؛ فإنها نافية عامة ، وقد قدمنا أن النافية العامة تنعكس مثل نفسها (3) ، فإذا صدق قولنا : (ولا أزلك واحد مؤلف) . . صدق قولنا : (ولا مؤلف واحد أزلي) وهو عكسه ، فنضيف إليه قولنا : (وكل جسم مؤلف)
صفحہ 98

فيعود إلى النظم الأول ، فيكون وجه دلالته ولزوم نتيجته ما سبق
وخاصية هلذا النظم : أنه لا ينتج إلا القضية النافية ، أما الإثبات . . فلا ، وأما النظم الأول . . فهو أكمل ؛ لأنه ينتج القضايا الأربعة ؛ أعنى : المثبتة العامة ، والمثبتة الخاصة ، والنافية العامة ، والنافية الخاصة ، ولم نفرد تفصيل هلذه الآحاد في النظم الأول استثقالا للتطويل .
فإن قلت : فلم لا ينتج هذا النظم الإثبات ؟
فاعلم : أن هلذا لا ينتج إلا النفى ، ومن شرطه : أن تختلف المقدمتان أيضا في النفي والإثبات ، فإن كانتا مثبتتين . . لم ينتجا؛ لأن حاصل هذا النظم يرجع إلى الحكم بشيء واحد على شيئين ، وليس من ضرورة كل شيئين يحكم عليهما بشيء واحد أن يخبر بأحدهيما عن الآخر ، فإنا نحكم على السواد والبياض جميعا باللونية ، ولا يلزم أن يخبر عن السواد بأنه بياض ، ولا عن البياض بأنه سواد .
ونظم القياس فيه : أن يقال : كل سوا لون ، وكل بياض لون ؛ فكل سواد بياض ، أو : كل بياض سواد ! فاللون هو المتكرر ، وقد جعل خبرا في المقدمتين ، ولم ينتج بين المعنيين الآخرين لا اتصالا ولا انفصالا .
صفحہ 99

نعم؛ كل شيئين آخبر عن أحدهما بما يخبر عن الآخر بنفيه . .
~~يجب أن يكون بينهما انفصال ، وهو النفىى ، وبرهانه عكسن المقدمة النافية ؛ ليعود إلى النظم الأول .
النظم الثالث : أن تكون العلة مبتدا في المقدمتين جميعا :
فهذا إذا جمع شروطه .. كان منتجا ، وللكن نتيجة خاصة لا عامة.
مثاله : قولنا : كل سواد عرض ، وكل سوا لون ، فيلزم منه : أن بعض العرض لون .
وكذلك إذا قلت : كل بر مطعوم ، وكل بر ربوي ؛ فيلزم منه بالضرورة : أن بعض المطعوم ربوي.
وبيان وجه دلالته ولزوم النتيجة منه بالإجمال : أن الربوي والمطعوم حكمنا بهما على شىء واحد وهو البر ، فيلزم بالضرورة بينهما التقاء، وأقل درجات الالتقاء : أن يوجب حكما خاصا وإن الم يكن عاما ، فأمكن أن يقال : بعض المطعوم ربوي ، وبعض الربوي مطعوم ، وإن لم يمكن أن يقال بمجرد هذا : كل مطعوم ربوي ، أؤ : كل ربوي مطعوم .
وأما تفصيل تفهيمه : فهو بأن تعكس المقدمة التى ذكرناها أولا ، وهى قولنا : كل بر مطعوم ، وقد ذكرنا أن المثبتة العامة
صفحہ 100

تنعكس مثبتة خاصة ، فإذا صدق قولنا : (كل بر مطعوم ) ..
~~صدق قولنا : (بعض المطعوم بژ) فتبقى المقدمة الثانية ؛ وهى : أن كل بر ربوي ، ويرجع إلى النظم الأولي ؛ إذ يصير المطعوم - الذي هو المتكرر - مبتدأ في إحدى المقدمتين ، خبرا في الأخرى .
وشرط الإنتاج في هذا النظم : أن تكون المقدمة الأولى التي فيها المحكوم عليه مثبتة ، ولا تكون نافية ، كما شرطنا ذلك في النظم الأول ، فإن كانت نافية . . لم تلزم النتيجة ، ولا يضر أن تكون خاصة .
والذي يشترك فيه كل نظم أمران :
أحدهما : أنه لا بد أن يكون فى جملة المقدمتين قضية عامة ، فلا تلزم نتيجة من خاصتين ألبتة .
والثانى : أن يكون فيهما مثبته ، فلا تلزم نتيجة من نافيتين قعآ.
ولهلذا مزيد شرح ، للكني أظنك تهتدي إلى ذلك بنفسك مهما ساعدك الجد في التأمل ، والمثابرة على الممارسة ؛ إذ عليك وظيفتان :
إحداهما : تأملم هذه الأمور الدقيقة .
والأخرى : الأنس بهلذه الألفاظ الغريبة ؛ فإنى اخترعث أكثرها
صفحہ 101

من تلقاء نفسي ؛ لأن الاصطلاحات فى هذا الفن ثلاثة : اصطلاح المتكلمين ، والفقهاء ، والمنطقيين ، ولم أوثر أن أتبع واحدا منهم فيقصر فهمك عليه ، ولا تفهم اصطلاح الفريقين الآخرين ، وللكن استعملت من الألفاظ ما رأيته كالمتداول بين جميعهم ، واخترعت ألفاظا لم يشتركوا في استعمالها ، حتى إذا فهمت المعاني بهلذه الألفاظ . . فما تصادفه في سائر الكتب يمكنك أن ترده إليها ، وتطلع على مرادهم منها .
صفحہ 102

النمطهالتاني من القياس: نمطالتاانرم
الا يكون فيه علة وحكم ومحكوم عليه كما سبق ، بل تكون فيه مقدمتان ، والمقدمة الأولى تشتمل على قضيتين ، والمقدمة الثانية تشتمل على ذكر إحدى تينك القضيتين الأوليين تسليما إما بالنفي أؤ بالإثبات ، حتى تستنتج منه إحدى تلك القضيتين أؤ نقيضها ، ولنسم هلذا النمط : نمط التلازم (21 .
~~ومثاله : قولنا : إن كان العالم حادثا . . فله محدث ، ومعلوم أنه حادث ؛ فتلزم منه نتيجة وهي : أن له محدثا بالضرورة .
~~فالمقدمة الأولى : قولنا : إن كان العالم حادثا . . فله محدث ، وهما قضيتان إن حذف قولنا : (إن كان) :
إحدالهما : قولنا : (العالم حادث) ولنسته المقدم .
~~والثانية : قولنا : (فله محدث) ولنسمه اللازم أو التابع .
~~والمقدمة الثانية اشتملت على تسليم عين القضية التى سميناها مقدما ، وهو قولنا : (ومعلوم أن العالم حادث) فتلزم منه نتيجة ، وهي : (أن للعالم محدثا) ، وهو عين اللازم .
~~ومثاله في الفقه : قولنا : إن كان الوتر يؤدى على الراحلة بكل
صفحہ 103

حالي . . فهو نفل ، ومعلوم أنه يؤدى على الراحلة بكل حال ؛ فثبت أنه نفل .
وهذا النمط يتطرق إليه أربع تسليماتي؛ ينتج منها اثنان ، ولا ينتج اثنان .
أما المنتج . . فتسليم عين القضية التي سميناها مقدما ؛ فإنه ينتج عين اللازم .
مثاله : قولنا : إن كانت هلذه الصلاة صحيحة . . فالمصلى متطهژ، ومعلوم أن هذه الصلاة صحيحة ، فيلزم أن يكون المصلي متطهرا .
ومثاله من الحس : قولنا : إن كان هلذا سوادا . . فهو لون ، ومعلوم أنه سواد؛ فهو إذا لون .
وأما المنتج الآخر . . فهو تسليم نقيض اللازم ؛ فإنه ينتج نقيض المقدم .
ومثاله : قولنا : إن كانت هلذه الصلاة صحيحة . . فالمصلي متطهر ، ومعلوم أن المصلي غير متطهر ؛ فينتج : أن الصلاة ليسث صحيحة.
فانظر كيف أنتج تسليم نقيض اللازم نقيض المقدم .
ومثاله أيضا : قولنا : إن كان بيع الغائب صحيحا . . فهو يلزم بصريح الإلزام ، ومعلوم أن هذا اللازم باطل ؛ فإنه ليس يلزم بصريح
صفحہ 104

الإلزام ؛ فيلزم منه نقيض المقدم ؛ وهو أن البيع غير صحيح .
ومثاله أيضا : قولنا : إن كان الباري تعالى على العرش . . فهو مقدر ؛ لأنه إما مساو للعرش أؤ أصغر أو أكبر، ومعلوم أن اللازم محال ، وهو كونه مقدرا ؛ فيكون المقدم محالا .
ووجه دلالة هذا : أن المؤدي إلى المحال محال ، وقول الخصم : (إنه على العرش) مؤد إلى المحال ؛ فهو محال ، وقوله : (إن بيع الغائب صحيخ) مؤد إلى المحال ، وهو أن يلزم بصريح الإلزام على خلاف الإجماع ، والمؤدي إلى المحالي محال.
فأما الذي لا ينتج . . فهو تسليم عين اللازم ؛ فإنا إذا قلنا : إن كانث هلذه الصلاة صحيحة . . فالمصلى متطهر، ومعلوم أن المصلي متطهر ؛ فيلزم أن الصلاة صحيحة ! وهو غير صحيح ؛ إذ ربما تكون الصلاة باطلة بعلة أخرى سوى الطهارة .
وكذالك تسليم نقيض المقدم لا ينتج لا عين اللازم ولا نقيضه ؛ فإنك لؤ قلت : ومعلوم أن الصلاة ليسث بصحيحة ؛ فلا يلزم من هذا أن المصلي متطهر ولا أنه غير متطهر .
والفرق بين هلذا النمط والنمط الأول : أن الأول ترتيبه خبر عن شيء ، ثم حكم على الخبر بشيء ، فيلزم منه نتيجة ، وهر
صفحہ 105

الالتقاء بين المبتدأ الأول والخبر الأخير ، وكل واحد من الأجزاء الثلاثة يصلح أن يجعل وصفا وخبرا وحكما للآخر في نظم هلذا الكلام .
وأما هلذا .. فإنه إظهار تلازم بين قضيتين غير متداخلتين ؛ فإن قولنا : ( إن كانت الصلاة صحيحة . . فالمصلى متطهڑآ) بيان أن كون المصلى متطهرا لازم لكون الصلاة صحيحة ، فلا يمكن أن يجعل كون المصلي متطهرا لا وصفا للصلاة ، ولا وصفا اللصحة.
والفرق من حيث الترتيب والنظم .. ظاهر .
وأما وجه الدلالة : فهو أنه مهما جعل شىء لازما لشىء..
~~فينبغي ألا يكون الملزوم أعم من اللازم ، بل إما أخص ، وإما مساويا .
ومهما كان أخص . . فبثبوت الأخص يلزم منه بالضرورة ثبوث الأعم ؛ إذ يلزم من ثبوت السواد ووجوده وجود اللون ، وهو الذي عنيناه بتسليم عين المقدم ، وانتفاء الأعم يوجب انتفاء الأخص بالضرورة ؛ إذ يلزم من انتفاء اللون انتفاء السواد ، وهو الذي عنيناه بتسليم نقيض اللازم .
فأما ثبوث الأعم . . فلا يوجب ثبوت الأخص ؛ فإن ثبوت اللون لا يدل على ثبوت السواد ، فلذلك قلنا : تسليم عين اللازم لا ينتجج لا نفي المقدم ولا ثبوته .
صفحہ 106

وأما انتفاء الأخص . . فلا يوجثب انتفاء الأعم لا انتفاء ولا تبوتا ؛ فإن انتفاء السواد لا يوجب انتفاء اللون ولا ثبوته ، وهو الذي عنيناه بقولنا : إن تسليم نقيض المقدم لا ينتج لا عي ولا نقيضه أصلا .
وإن جعل الأخص لازما للأعم . . فهو خطأ؛ كمن يقول : إن كان هذا لونا . . فهو سواد .
وإن كان اللازم مساويا للمقدم . . أنتج منه أربع تسليماتي ؛ كقولنا : إن كان زنا المحصن موجودا .. فالرجم واجث ، و أنه موجود؛ فإذا الرجم واجث، أؤ : ومعلوم أنه غير موجود ؛ فإذا الرجم غير واجب ، أؤ : معلوم أن الرجم واجب ؛ فإذا زنا المحصن موجود ، أو : معلوم أن الرجم غير واجب ؛ فإذا زنا المحصن غير موجود.
وكذلك كن معلول له علة واحدة وهو مساو لعلته، ويلزم أحدهما الآخر.. فينتج فيه التسليمات الأربع .
ومثاله من المحسوس : إن كانت الشمس طالعة .. فالنهار مثال نمطالتلازم موجود، ولكنها طالعة ؛ فهو موجود ، ولكنها غير طالعة؛ فه غير موجود ، ولككن النهار موجود ؛ فالشمس طالعة ، وللكن النهار غير موجويد؛ فالشمس غير طالعة .
صفحہ 107

النرطدالتان : نمطه التعانه
وهو على ضد نمط التلازم ، والمتكلمون يسمونه : السبر والتقسيم ، والمنطقيون يسمونه : الشرطي المنفصل ، ونحن سميناهآ : التعاند (1) .
ومثاله : (العالم : إما قديم، وإما حادث) فهذه مقدمة (2) ، وهما قضيتان .
الثانية (3) : أن تسلم إحدى القضيتين أؤ نقيضها ، فيلزم منه - لا محالة - نتيجة ، وينتج فيه أربع تسليمات ، فإنا نقول : (ومعلوم أنه حادث) فيلزم نقيض المقدمة الأخرى ؛ وهو أنه ليس بقديم ، أؤ نقول : (ومعلوم أنه ليس بحادثي) فيلزم منه عين المقدمة الأخرى ، أؤ نقول : (ومعلوم أنه قديم) فيلزم منه نقيض الأخرى؛ وهو أنه ليس بحادث ، أؤ نقول : (ومعلوم أنه ليس بقديم) فيلزم منه عين الأخرى .
فبالجملة : كل قسمين متناقضين متقابلين إذا ؤجد فيهما
صفحہ 108

شرائط التناقض كما سبق . . فينتج إثبات أحدهما نفي الآخر ، ونفي أحدهما إثبات الآخر.
ولا يشترط أن تنحصر المقدمة فى قسمين ، بل شرطه أن تستوفى أقسامه وإن كان ثلاث (1).
فإنا نقول : (هذا الشىء : إما مساو، وإما أقل، وإما أكثز) فهذه ثلاثة ، وللكنها حاصرة ، فإثبات واحد ينتج نفى الآخرين ، وإبطال اثنين ينتج إثبات الثالث ، وإبطال واحل ينتج انحصار الحق في الآخرين أحدهما لا بعينه.
والذي لا ينتج هو ألا يكون محصورا ؛ كقوليك : (زيد : إما بالعراق ، وإما بالحجاز) وهلذا مما يوجث إثباث واحل منهما نفي الآخر ، فإنه إن ثبت أنه بالعراق . . انتفى عن الحجاز وغيره ، وأما إبطال واح . . فلا ينتج إثبات الآخر ؛ إذ ربما يكون في صقع ثالثي .
ويكاد يكون كلام من يستدل على إثبات رؤية الباري بإحالة تصحيح الرؤية على الوجود . . غير محصور ، إلا أن نتكلف لحصره وجها بأن نقول : مصجح الرؤية لا يخلو : إما أن يكون كونه جوهرا فيبطل بالعرض ، أؤ كونه عرضا فيبطل بالجوهر ،
صفحہ 109

أو كونه سوادا أؤ لونا فيبطل بالحركة ، فلا تبقى شزكة لهذه المختلفات إلا فى الوجود، فهو المصيح ؛ إذ يمكن أن يكون قد بقى أمژ آخر مشترك لم يعثر عليه الباحث سوى الوجود ؛ مثل كونه بجهة من الرائي مثلا ، فإن أبطل هذا أيضا . . فلعل ثم معنى آخر ، إلا أن نتكلف حصر المعانى ونتكلف نفى جميعها ، ونبين أن طلب مصحح الرؤية لا بد منه ، فعند ذالك تحصل النتيجة .
فهذه ضروب الأقيسة ، فكل استدلالي لا يمكن رده إلى هذه الضروب . . فهو غير منتج ، وسنزيده شرحا في حق اللواحق 31 .
صفحہ 110

الطرف التاني منالقاصه
في بان المنقدمات انجارببد من نفيا
جري الثوب من انفميص، واخشب من الشرييه
فإن ما ذكرناه جرى مجرى الخياطة من القميص ، وشكل السرير من السرير ، وكما لا يمكن أن يتخذ من كل جسم سيف وسرير وقميصن ؛ إذ لا يتأتى من الخشب قميص ، ولا من الثوب سيفة ، ولا من السيف سريرآ . . فكذلك لا يمكن أن يتخذ من كل مقدمة وقضية قياس منتج ، بل القياس المنتج لا ينصاغ إلا من مقدمات يقينية إن كان المطلوب يقينيا ، أو ظنية إن كان المطلوب فقهيا (1).
فلنذكر معنى اليقين فى نفسه ليفهم ذاته ، ولنذكر مداركه الشفهم الآلة التي بها يقتنص اليقين .
وهذا وإن كان القول يطول فيه ، وللكنا نحرص على الإيجاز بقذر الإمكان .
صفحہ 111

(لفصل الزاول1؛ في مراتباللودراك
أما اليقين . . فلا تعرفه إلا بما أقوله ؛ وهو أن النفس إذا أذعنث للتصديق بقضية من القضايا وسكنت إليها . . فلها ثلاثة أحوالي :
أحدها : أن تتيقن وتقطع به ، وينضاف إليه قطع ثاني ؛ وهو أن يقطع بأن قطعه به صحيخ ، ويتيقن بأن يقينه لا يمكن أن يكون فيه سهؤ ولا غلط ولا التباس ، ولا يجوز الغلط لا في يقينه بالقضية ، ولا فى يقينه الثاني بصحة يقينه ، ويكون فيه آمنا مطمئنا ، قاطعا بأنه لا يتصور أن يتغير فيه رأئه ، ولا أن يطلع على دليل غاب عنه ، فيغير اعتقاده .
ولؤ حكي نقيض اعتقاده عن أفضل الناس . . فلا يتوقف في تجهيله وتكذيبه وخطئه، بل لؤحكي له أن نبيا مع معجزة قد ادعى أن ما يتيقنه خطأ ، ودليل خطئه معجزته . . فلا يكون له تأثيرآ بهذا السماع إلا أن يضحك منه ومن المحكي عنه (2).
صفحہ 112

فإن خطر بباله أنه يمكن أن يكون الله تعالى قد أطلع نبيه على سر به انكشف له نقيض اعتقاده . . فليس اعتقاده يقينا .
ومثال هذا العلم : قولنا : إن الثلاثة أقل من الستة، وإن شخصا واحدا لا يكون في مكانين ، وإن شخصين لا يجتمعان في موضع ، ونظائر ذالك .
الحالة الثانية : أن يصدق به تصديقا جزما ، لا يتمارى فيه ، ولا يشعر بنقيضه ألبتة ، ولؤ أشعر بنقيضيه . . عسر عليه إذعان نفسه للإصغاء إليه ، وللكنه لؤ ثبت وأصغى وحكى له نقيض معتقده عمن هو أعلم الناس وأعدلهم عنده ، وقد نقله مثلا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. أورث ذالك في نفسه توقفا ما .
ولنسم هذا الجنس : اعتقادا جزما ، وهو أكثر اعتقادات عواة المسلمين واليهود والنصارى في معتقداتهم وأديانهم ومذاهبهم ، بل أكثر اعتقادات المتكلمين في نصرة مذاهبهم بطرق الأدلة ، فإنهم قبلوا المذاهب والأدلة جميعا بحسن الظن والتصديق من أرباب مذاهبهم الذين حسن فيهم اعتقادهم بكثرة سماعهم الثناء عليهم ، وتقبيح مخالفيهم ، ونشوئهم على سماع ذلك منذ الصبا؛ فإن المستقل بالنظر الذي يستوي ميله في أول نظره إلى الكفر والإسلام وسائر المذاهب . . عزيز .
صفحہ 113

الحالة الثالثة : أن يكون له سكون نفس إلى الشيء والتصديق به وهو يشعر بنقيضه ، أو لا يشعر ولكنه إن أشعر به . . لم ينفز طبعه عن قبوله، وهلذا يسمى : ظنا ، وله درجاث في الميل إلى الزيادة والنقصان لا تحصى .
فمن سمع من عذل شيئا . . سكنت إليه نفسه ، فإن انضاف إليه ثاني . . زاد السكون وقوي الظن ، فإن انضاف إليه ثالث . .
~~زادت القوة ، فإن انضافث إليه تجربة بصدقهم على الخصوص ..
~~زادت القوة ، فإن انضافث إليه قرينة حال ؛ كما إذا أخبروا عن أمر مخوفي وهم على صورة مذعورين صفر الوجوه مضطربي الأحوال . . زاد الظن ، وهكذا لا يزال يترقى قليلا قليلا في القوة إلى أن ينقلب الظن على التدريج يقينا إذا انتهى الخبر إلى حد التواتر .
والمحدثون يسمون أكثر هذه الأحوال علما ويقينا ، حتى يطلقون بأن الأخبار التي تشتمل عليها الصحاح توجب العلم والعمل(
وكافة الخلق - إلا آحاد المحققين - يسمون الحالة الثانية
صفحہ 114

يقينا ، ولا يميزون بين الحالة الثانية والأولىى ، والحق : أن اليقين هو الأول ، والثانى مظان الغلط .
فمهما ألفت القياس من مقدماتي يقينية حقيقية ، وراعيت في صورة تأليفه الشروط التي قدمناها . . كانت النتيجة الحاصلة يقينية ضرورية بحسب ذوق المقدمات .
صفحہ 115

الفصل التماني : في مدارك اليفين واراعقار
لعلك تقول : قد استقصيت في شروط اليقين استقصاء مؤيسا عن نيله والظفر به ، فين أين يقتنص مثل هذا اليقين ؟ وما آلثه ومدركه ؟
فاعلم : أن مدارك الظنون لشث أذكرها ؛ فإنها واضحة للفقهاء والناس كافة ، وللكن أذكر مدارك اليقين والاعتقادات التي يظن بها اليقين .
ومجامعها فيما حضرني الآن ينحصر في سبعة أقسام ، ولنخترغ لكل واحد منها اسما مشتقا من سببه.
الأول : الأوليات : وأعنى بها : العقليات المحضة التى اقتضى ذات العقل المجرد حصولها من غير استعانة بحس وتخيل (11 ؟
~~مثل علم الإنسان بوجود ذاته، وبأن الواحد لا يكون قديما حادثا ، وأن النقيضين إذا صدق أحدهما . . كذب الآخر، وأن الاثنين أكثر من الواحد ، ونظائره .
وبالجملة : هذه القضايا تصادف مرتسمة في العقل منذ وجوده، حتى يظن العاقل أنه لم يزل عالما به ولا يدري متى حصل 110 ،
صفحہ 116

ولا يقف حصوله على وجود أمر سوى العقل ؛ إذ يرتسم فيه الوجود مفردا ، والقديم مفردا ، والحادث مفردا ، والقوة المفكرة تجمع هذه المفردات ، وتنسب بعضها إلى بعض ؛ مثل أن تحضر في الذهن أن القديم حادث ، فيكذب العقل به ، أو أن القديم ليس بحادرثي ، فيصدق العقل به .
ولا نحتاج إلا إلى ذهن ترتسم فيه المفردات ، وإلى قوة مفكرة تنسب بعض هلذه المفردات إلى بعض ، فينتهض العقل على البديهة إلى التصديق أو التكذيب .
الثانى : المشاهداث الباطنة : وذالك كعلم الإنسان بجوع نفسه وعطشه ، وخوفه وفرچه وسروره ، وجميع أحواله الباطنة التى يدركها من ليس له الحواس الخمسن ، فهلذه ليسث مدركة بالحواس الخمس ، ومجرد العقل لا يكفي في إدراكها ، بل البهيمة تدرك هذه الأحوال من نفسها بغير عقل ، والأوليات لا تكون للبهائم ولا للصبيان .
فإذا ؛ يحصل من هذا المدرك يقينياث كثيرة وقضايا قطعية ، مثل قطعه بأنه جائع ومسرور وخائفث ، فقد عرف نفسه ، وعرف السرور ، وعرف حلول السرور فيه، فانتظم من هلذه المعارفي قضية تحكم على نفسه بأنها مسرورة ، فكانت القضية المنظومة منه عند العقل يقينية حقيقية .
صفحہ 117