لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١ - ٢)
مفتاح طريق الأولياء
تأليف
الإمام الزاهد أحمد بن إبراهيم الواسطي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن شيخ الحزاميين (٦٥٧ - ٧١١ هـ)
ويليه
نبذة لطيفة ونصيحة شريفة
تأليف
الشيخ حسن بن أحمد سبط الدسوقي الدمشقي (١٢٤١ - ١٣٠٦ هـ)
اعتنى بهما
محمد بن ناصر العجمي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
نامعلوم صفحہ
مفتاح طريق الأولياء
1 / 3
حُقوُق الطبع محفُوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
الحمدُ للهِ الذي جعل الكعبةَ البيتَ الحرامَ قيامًا للناس وأَمْنًا، وجعل أَفْئِدَةَ النَّاسِ تهوي إليه والمؤمنين يَؤُمُّونَهُ أَمًّا.
والصلاةُ والسَّلام على خير من مشى، بين الحطيم وزَمْزَمَ وطافَ وسعى، ونال في هذه البقاع الشريفة ما تمنَّى.
وعلى آله الطيِّبين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، ما هَبَّت الصبا وما سَاجِعٌ غنَّى.
أمَّا بعدُ:
فممَّا لا يخفى على طلبة العلم وأهله، ما لمكةَ المكرَّمة -شرَّفها الله- من المكانةِ والمنزلةِ في قُلوبِ المؤمنين، فهي مغناطيسُ القلوب، وعند البيت الحرام فيها تسكب العَبَرات طَلَبًا لِمَحْو الخطايا والذنوب. ومِنْ مِننِ الله العظيمة علينا في موسم العشر الأواخر من شهر رمضان -في كل عام- اجتماعُ شمل من الأحبَّة في الله، من أهل العلم وطلبته ومحبيهم والدعاةِ إلى الله ﷿ في صحن الحرم المكِّيّ الشريف، تُجاه الكعبة المشرَّفة،
1 / 5
لمدارسة العِلْم، ومذاكرته، وتَعَلُّمِهِ وتعليمه (١).
وقد استمر ذلك -بفضل الله تعالى- سنوات عديدة، ومُدَّة مديدة، نسأل الله تعالى المزيد من فضله، وتوفيقه، وتأييده.
وقد كانَتْ مكَّة المكرَّمة -ولا زالت بحمد الله (٢) - مَوْئل العلماء، ومجمع الفضلاء، وملتقى الأتقياء: يلتقي فيها أهل المشرق بأهل المغرب، والعجم بالعرب -والعكس- يأخذ بعضهم العلم عن بعض، وتتصل أسانيدهم، ويُلْحَقُ الخلف بالسلف:
فكم من حَلْقَةٍ عُقِدَت في صحن هذا المسجد المبارك!
وكم من دروس أُلقيت!
وكم من روايات اتَّصلت وتسلسلت!
وكم من قراءات ضُبطت وتواترت!
وكم من فتاوى أُفتيت، لحل عويصة أو فك معضلة!
وكم من مخطوطة نفيسة نُسخت وخُدمت!
_________
(١) من أهل الحرمين الشريفين، ومن البحرين، والكويت، ولبنان، وأمريكا، والمغرب .. وغيرها من البلدان إخوة متحابِّين، وأخلَّاء متآلفين.
(٢) وخاصةً بعد أن قام أولياء الأُمور في بلاد الحرمين الشريفين بتهيئة جميع وسائل الراحة والأمن التام للطائفين والعاكفين والرُّكَّع السّجود، جزاهم الله خيرًا، ووفّقهم للمزيد من الأعمال الصالحة، والخدمات الجليلة لحجاج بيت الله الحرام.
1 / 6
وفي هذا العام المبارك -أعني عام ١٤١٩ هـ- أشار علينا الأخ المحبُّ في الله فضيلة الشَّيخ المحقِّق والبحَّاثة المدقِّق -تُفَّاحةُ الكُوَيْت وَدُرَّتُها- محمَّد بن ناصر العجمي، لا زالت إفاداته تترى كالمطر الوسمي -وهو من أوائل روَّاد هذه المجالس المباركة، بل قطب رحاها- بأن نقوم بإحياء سُنَّةِ العَرْض والمقابلة مع قراءة الكتب النافعة، والمخطوطات النادرة، بُغية إعدادها للطبع والنشر -بعد ذلك- لدى دار البشائر الإِسلامية ببيروت، ليعمَّ نفعها، وينتشر خيرها.
ولمَّا كان الأخُ الكريم الأستاذ المتفنِّن رمزي دمشقية، صاحب هذه الدار، من روَّاد هذه المجالس المباركة أيضًا والمشاركين فيها، فقد رَحَّب بهذه الفكرة، وبادر بالموافقة على إصدارها في سلسلة تحمل عنوان:
(لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام)
وقد يَسَّرَ الله تعالى -في هذا العام- قراءة ومعارضة وإعداد الرسائل التالية:
١ - مفتاح طريق الأَوْلياء: تأليف الإِمام الزاهد أحمد بن إبراهيم الواسطي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن شيخ الحزاميين (٦٥٧ - ٧١١ هـ)، بعناية وتحقيق الشَّيخ محمَّد بن ناصر العجمي.
1 / 7
٢ - نبذة لطيفة ونصيحة شريفة: تأليف الشَّيخ حسن بن أحمد، سِبْط الدسوقي الدمشقي الشَّافعي (١٢٤١ - ١٣٠٦ هـ)، بعناية وتحقيق الشَّيخ محمَّد بن ناصر العجمي.
٣ - الفانيد في حلاوة الأسانيد: للإِمام جلال الدِّين السيوطي (ت ٩١١ هـ)، بعناية وتحقيق الشَّيخ رمزي دمشقية.
٤ - مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع الجَهَلة العوام: للإِمام أبي البقاء أحمد بن الضياء القُرشي العدوي الحنفي (ت ٨٥٤ هـ)، بعناية وتحقيق كاتب هذه السطور.
٥ - تعليق لطيف على آخر حديث في رياض الصالحين: تأليف الشَّيخ قاسم القاسمي (١٢٨٤ هـ)، بعناية وتحقيق الشَّيخ محمَّد بن ناصر العجمي.
٦ - الإِنصاف في حكم الاعتكاف: للإِمام أبي الحسنات محمَّد عبد الحي اللكنوي الهندي (١٢٦٤ - ١٣٠٤ هـ)، بعناية وتحقيق الشَّيخ مجد بن أحمد مكي.
٧ - ردع الإِخوان عن مُحدثات آخر جُمعة رمضان: للإِمام اللكنوي أيضًا، بتحقيق وتعليق الشَّيخ مجد بن أحمد مكي.
هذا، ونسأل الله تعالى المزيد من فضله، وأن يجمع شملنا -وإخواننا وأحبابنا- دائمًا على خير، وأَنْ يُوَفِّقنا لما يحبه
1 / 8
ويرضاه. كما لا يفوتنا أن نتَقَدَّم بالشكر الجزيل، والثناء العاطر إلى أهل الخير والفضل من التُجَّار وأبنائهم الذين بادروا للمساهمة في هذا المشروع وتيسير طباعة كتبه. بارك الله لهم في أموالهم وذُرِّيَّاتهم، ووفَّقنا وإيَّاهم للمزيد من فضله، إنَّه جوَّاد كريم بَرٌّ رحيم. ونسأله تعالى أن يجعل ذلك في موازين حسناتهم يوم القيامة. آمين.
وصلى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
قاله وكتبه
الفقير إلى الله تعالى
نظام محمّد صالح يعقوبي
بالمسجد الحرام تُجاه الكعبة المشرَّفة
٢٣ رمضان المبارك ١٤١٩ هـ
1 / 9
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١)
مفتاح طريق الأولياء
تأليف
الإمام الزاهد أحمد بن إبراهيم الواسطي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن شيخ الحزاميين (٦٥٧ - ٧١١ هـ)
اعتنى به
محمد بن ناصر العجمي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:
فهاتان رسالتان في الوعظ والأخلاق والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها السائر إلى الله ﷿ أولاهما: للإِمام الزَّاهد العابد أحمد بن إبراهيم الحزَّامي، قصد بها مؤلفها الوعظ والتذكير لمن أراد سلوك الطريق إلى الله ﷿، ولمن أراد النجاة من هول يوم القيامة مُذكرًا له بالطريقة المثلى من حفظ الجوارح عن جميع المحرمات، والقيام بجميع ما أمر الله به من الحلال واجتناب الحرام، والحدود، والأحكام بعبارة وعظية زاجرة مختصرة.
وأما الرسالة الثانية: فهي للشيخ الفقيه المُشَارك حسن بن أحمد سِبْط الدسوقي الدمشقي، أراد بها مؤلفها ذكر الأخلاق التي ينبغي للإِنسان أن يكون عليها، مُقتبسًا ذلك من بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ قاصدًا بها النصح لطالب العلم ولكل
1 / 13
مُحِبٍّ للخير وسالك لطريقه، كُلُّ ذلك بكلمات وجيزة قصيرة جامعة لخيري الدُّنيا والآخرة.
ويأتي نشر هذه الرسالة والتي قبلها بمناسبة لقاء الأحبة من أهل العلم ومُحبي الخير في العشر الأواخر من رمضان المبارك في المسجد الحرام تجاه الكعبة المشرفة وذلك سنة ١٤١٩ هـ سائلًا الله جلت قدرته أن يجمعنا في مستقر رحمته ورضوانه إنه ولي ذلك والقادر عليه، آمين.
وصف النسخ المعتمدة في التحقيق:
* أما الرسالة الأولى: مفتاح طريق الأولياء للحزامي، فقد اعتمدت في نشرها على نسخة مكتبة الموسوعة الفقهية، بوزارة الأوقاف الكويتية حرسها الله تحت رقم (٣١٠/ ٢)، وتقع في ثلاث ورقات، وعدد الأسطر فيها ٢٧ سطرًا، وهي بخط فارسي نير وقد نسخها العلامة الجليل شيخ الكويت عبد الله بن خلف الدحيان الحنبلي رحمه الله تعالى، وانتهى من نسخها في سنة ١٣٢٠ هـ، إلَّا أن السطر الأخير وجزء من الذي قبله قد ذهبت معالمهما بسبب قطع أطراف المخطوطة.
* وأما الرسالة الثانية: وهي نبذة لطيفة ونصيحة شريفة للشيخ حسن بن أحمد سبط الدسوقي، فقد اعتمدت في نشرها على نسخة من مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض المعمور بالعلم وأهله، وهي مشتراة من أحد الوراقين الدمشقيين ولم ترقم بعد،
1 / 14
وتقع في أربع ورقات، وعدد الأسطر فيها ٢٣ سطرًا، وهي في ضمن مجموع كله بخط فارسي مشرق وناسخها هو: العلامة الكبير جمال الدِّين القاسمي الدِّمشقي علامة الشام المشهور، وقد انتهى من نسخها سنة ١٣٠٠ هـ، وفي أواخر الرسالة إجازة من المؤلف بخطه للشيخ جمال الدِّين القاسمي.
هذا، وأسأل الله القبول والتوفيق لما يحب ويرضى، وصلَّى الله على نبيه محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
محمد العجمي بن ناصر
الكويت - الجهراءُ المحروسة
تحريرًا في منتصف ليلة الاثنين
العاشر من رمضان المبارك ١٤١٩ هـ
1 / 15
ترجمة مؤلف "مفتاح طريق الأولياء"
هو الإِمام الزاهد عماد الدِّين أحمد بن إبراهيم الواسطي، الدِّمشقي، الحزامي الحنبليّ.
يقول الحافظ زين الدِّين ابن رجب الحنبلي في ترجمته له:
"أحمد بن إبرهيم بن عبد الرحمن بن مسعود بن عمر الواسطي الحزامي، الزاهد القدوة العارف، عماد الدِّين أبو العباس، ابن شيخ الحزاميين.
وُلد في حادي عشر -أو ثاني عشر- ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط.
وكان أبوه شيخ الطائفة الأحمدية.
ونشأ الشَّيخ عماد الدِّين بينهم، وألهمه الله من صغره طلب الحق ومحبته، والنفور عن البدع وأهلها، فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشَّيخ عز الدِّين الفاروتي وغيره، وقرأ شيئًا من الفقه على مذهب
1 / 17
الشَّافعي. ثُمَّ دخل بغداد، وصَحِب بها طوائف من الفقهاء، وحجَّ واجتمع بمكة بجماعة منهم. وأقام بالقاهرة مدة ببعض خوانقها، وخالط طوائف الفقهاء، ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطوائف المُحدثة.
ثُمَّ قدم دمشق، فرأى الشَّيخ تقي الدِّين ابن تيمية وصاحبه، فدلّه على مطالعة السيرة النبوية، فأقبل على "سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام"، فلخصها واختصرها، وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسُّنة والآثار، وتخلى من جميع طرائقه وأحواله، وأذواقه وسلوكه، واقتفى آثار الرسول ﷺ وهديه، وطرائقه المأثورة عنه في كتب السُّنن والآثار، واعتنى بأمر السُّنَّة أُصولًا وفروعًا، وشرع في الرد على طوائف المُبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم، وبين عوراتهم، وكشف أستارهم، وانتقل إلى مذهب الإِمام أحمد. وبلغني: أنه كان يقرأ في "الكافي" على الشَّيخ مجد الدِّين الحراني، واختصره في مجلد سماه "البُلغة" وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية، والسلوك الأثري والفقر المُحمدي، وهي من أنفع كتب الصوفية للمريدين، انتفع بها خلق من متصوفة أهل الحديث ومتعبديها.
وكان الشَّيخ تقي الدِّين ابن تيمية يعظمه ويجله، ويقول عنه: هو جُنيد وقته. وكتب إليه كتابًا من مصر أوله: "إِلى شيخنا الإِمام العارف القدوة السالك".
1 / 18
قال البرزالي عنه في "معجمه": رَجُلٌ صالحٌ عارفٌ، صاحب نُسُكٍ وعبادةٍ، وانقطاع وعزوفٍ عن الدُّنيا، وله كلام متين في التَّصوف الصحيح. وهو داعية إلى طريق الله تعالى، وقلمه أبسط من عبارته. واختصر السيرة النبوية.
وكان يتقوت من النسخ، ولا يكتب إلَّا مقدار ما يدفع به الضرورة. وكان مُحبًّا لأهل الحديث، مُعظمًا لهم. وأوقاته محفوظة.
وقال الذهبي: كان سيدًا عارفًا كبير الشأن، منقطعًا إلى الله تعالى، وكان ينسخُ بالأُجرة ويتقوت، ولا يكاد يقبل من أحد شيئًا إلَّا في النادر.
صَنَّفَ أجزاء عديد في السلوك والسير إلى الله تعالى، وفي الرد على الاتحادية والمبتدعة. وكان داعية إلى السُّنة، ومذهبه مذهب السلف الصالح في الصفات، يُمِرُّها كما جاءت. وقد انتفع به جماعة صحبوه، ولا أعلم خلف بدمشق في طريقته مثله.
قلت: ومن تصانيفه "شرح منازل السائرين" ولم يتمه، وله نظم حسن في السلوك.
كتب عنه الذهبي والبِرْزَالي، وسَمِعَ منه جماعة من شيوخنا وغيرهم، وكان له مشاركة جيدة في العلوم، وعبارة حسنة قوية، وفهم جيد، وخط حسن في غاية الحسن. وكان معمور الأوقات
1 / 19
بالأوراد والعبادات، والتصنيف، والمطالعة، والذكر والفكر، مصروف العناية إلى المراقبة والمحبة، والأنس بالله، وقطع الشواغل والعوائق عنه، منزويًا عن الناس، لا يجتمع، إلَّا بمن يحبه، ويحصل له باجتماعه به منفعة دينية.
ولم يزل على ذلك إلى أن توفي آخر نهار السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة إحدى عشر وسبعمائة. بالمارستان الصغير بدمشق، وصُلِّي عليه من الغد بالجامع، ودُفِنَ بسفح قاسيون، قبالة زاوية السيوفي، ﵁". انتهى بتصرف يسير من "ذيل طبقات الحنابلة" (٢/ ٣٥٨).
وله ترجمة في:
١ - تذكرة الحفاظ، للذهبي (٤/ ١٤٩٥).
٢ - ومعجم الشيوخ، له (١/ ٢٩).
٣ - والوافي بالوفيات، للصفدي (٦/ ٢٢١).
٤ - والدرر الكامنة، لابن حجر (١/ ٩١).
٥ - والمقصد الأرشد، لابن مفلح (١/ ٧٣).
* * *
1 / 20
ترجمة مؤلف "نبذة لطيفة ونصيحة شريفة"
هو العلامة الفقيه، المشارك، الشَّيخ حسن بن أحمد آغا بن عبد القادر الشهير بجبينة، سِبْط الدسوقي الشَّافعي.
ترجم له تلميذه وحفيد شيخه العلامة جمال الدِّين القاسمي فقال:
"الشَّيخُ حسن بن أحمد آغا بن عبد القادر آغا الشهير بجُبَينة الحلبي الأصل سِبْط العلامة الشَّيخ السيد محمَّد الدسوقي المتقدم ذكره وخال والدي الشَّافعيّ.
الفاضلُ الشهير، والفقيه النِّحرير، كان إمامًا بارعًا، مُشاركًا في عدة فنون، له استحضارٌ حسنٌ للفروع الفقهية وتضَلّعٌ من مسائله وأبحاثه.
وُلد بدمشق سنة ١٢٤١ هـ وسرى سيرة آل والدته السَّادة الدُّسوقيين في أخذ العلوم عن الأجلاء الأعلام، فقرأ على الشَّيخ
1 / 21
هاشم التَّاجي بعض كتب في النحو والفرائض، وعلى الشَّيخ محمَّد بن عبد الله الخاني حصَّةً من الفقه الشَّافعي، وكذا عند الشَّيخ أحمد البغال، وحضر في النحو أيضًا عند الشَّيخ عبد الرحمن بايزيد، ولازم الملازمة التَّامة ليلًا ونهارًا دروس سيِّدي وجَدِّي العلامة الشَّيخ قاسم الشهير بالحلَّاق، فقرأ عليه معظم كتب الفقه والحديث وغيره، وأعاد له دروسه بين العشائين في جامع السِّنانية قبل سيدي الوالد. ثُمَّ بعد وفاة سيدي الجد المنوه به لازم شيخنا فريد عصره الشَّيخ سليم العطَّار، فَسَمِعَ منه مجالس من "الإِحياء" و"البيضاوي"، و"القسطلاني" و"نوادر الأصول"، وغير ذلك.
واستجاز من مشاهير فضلاء عصره دمشقيين وغيرهم وجمع ذلك في "ثبته"، فممن أجازه بجميع مروياته سيدي الجد المتقدم ذكره -والعلَّامة الشَّيخ إبراهيم الباجوري، والشَّيخ إبراهيم السقا، والشَّيخ أحمد زيني دحلان مُفتِي مكة المكرمة، والعارف بالله تعالى الأمير عبد القادر الحسني الجزائري، والمولى محمود أفندي الحمزاوي مفتي دمشق، وشيخنا المُحَدِّث الشَّيخ سليم العطَّار، وغيرهم ممن يطول المقام بذكرهم.
ولما وظِّف سيدي الجد إمامًا بجامع السِّنانية صار المترجم إمامًا بجامع حسان، مكان سيدي الجد.
1 / 22
وأقرأ به وفي جامع السِّنانية دروسًا خاصّةً وعامَّةً وانتفع به كثير من المتفقهة الشَّافعية، وكنت حضرت عليه حصةً من "شرح الحضرمية"، وسمعت منه "الشمائل"، و"الأربعين النووية" وغيرها، وأجاز لي إجازة عامَّة، وقد انتفعت بصحبته كثيرًا جزاه الله خيرًا.
وكان ﵀ عالمًا لطيفًا، وفاضلًا ظريفًا متواضع النفس، سخي الكف، له لطف طبع ومنادمة مقبوله، واطلاع على أخبار المُتقدمين وله رسالة في الأخلاق التي ينبغي للإِنسان أن يكون عليها، أخذها من الآيات والأحاديث الشريفة، وله شعر متوسط مقبول، منه قوله في شروط السيران (١):
يا أيُّها الجمع على السِّيران ... فاجمعوا دراهم الإِخْوان
وبعدُ سيروا بالسّرور والهَنَاء ... وأَرسلوا أكلًا لنا يُشبعُنَا
وهيئوا هذا الذي ذكَرْتُه ... ونوع حَلوى ليس يخفي نعتُه
واصطحبوا صَوْتًا جميلًا حسَنًا ... ومن يكون مُطْرِبًا يُضْحِكُنا
وأبعدوا عمن إِلينا يَرْقُبُ ... وإِن تشاؤوا في الرِّياض فالعبوا
وانتخبوا لنا مكانًا مُعتبر ... وأَجْلسُونا حول زَهر ونَهر
لنجتلي ثلاثة تجلو الحَزَن ... الماء والخُضْرَة والشَّكْل الحَسَنُ
ولم يزل على سيرة حميدةٍ، وطريقه سديدةٍ، إلى أن أصابه
_________
(١) السيران عند أهل دمشق: هو النُّزهة مع الأصحاب أو الأهل.
1 / 23
مرض الاستسقاء، بقي معه نحو سنتين، وفيه توفي يوم الثُّلاثاء، قُبيل العصر في ١٢ محرم سنة (١٣٠٦ هـ).
وحضر مشهده جملة من علماء العصر، منهم: العلامة الشَّيخ سليم العطَّار، وحضر الصلاة عليه أيضًا بجامع السِّنانية، وأم الوالد الماجد بالصلاة عليه إمامًا، ودُفِنَ في مقبرة الباب الصغير في جوار مقام سيدنا بلال ﵁.
وجُبَينة -بضم الجيم أوله وفتح الموحدة بعده ثم ياء تحتية ساكنة- لعلها تصغير جُبنة لقب لعائلة فخيمة في حلب الشهباء، وكان جده عبد القادر آغا قدم منها إلى الشام، وكان تاجرًا كبيرًا واتصل ابنه أحمد آغا والد المترجم ببنت العلَّامة السيد الشَّيخ محمَّد الدسوقي الحسيني رحمهم الله تعالى". انتهى بتصرف يسير من كتاب "تعطير المشام" للعلامة جمال الدِّين القاسمي (٣/ ٦ - ٨ مخطوط بخط مصنفه في مكتبة آل القاسمي بدمشق).
وله ترجمة أيضًا في:
١ - حلية البشر، للبيطار (١/ ٤٩٧).
٢ - وأعيان دمشق، للشطي (ص ٣٣٤، ٣٣٥).
٣ - ومعجم المؤلفين، لكحالة (٣/ ٢٠١).
* * *
1 / 24