258

قلت: قد علم قطعا أن الشيطان يتوصل إلى إغواء الإنسان والتلبيس عليه بكل ممكن، وإذا كانت وسوسته ثابتة قطعا، وتحريم العمل بها معلوم قطعا فلا بد لنا من طريق إلى معرفتها، وقد أخبر الصادق بأن للوضوء شيطانا، وأمرنا باتقاء وسوسته، وهذا يدل على أن غالب ما يحدث من الوسوسة فهو من ذلك الشيطان، وكذلك في غير الوضوء، وهذا معنى ما ذكره العلماء من أن من كثر منه الشك تركه كما يفيده كلامهم السابق، فقد جعلوا الكثرة دليلا على كون ذلك وسوسة فقط، وجعلوا العارض النادر هو الذي تتعلق به تلك الأحكام من وجوب الإعادة والبناء على الأقل؛ لعدم القطع بكون ذلك من الشيطان.

فإن قلت: لا نسلم أن الكثرة تفيد اليقين بكون ذلك من عمل الشيطان حتى يجب اجتنابه.

قلت: بل تفيده مع الاختبار بل قد تفيد الضرورة كما في سائر التجربيات، والإنسان يعلم ذلك من نفسه ويعلمه منه غيره، وإذا ثبت أنه من عمل الشيطان وجب اجتنابه والإعراض عنه، وعدم العمل به، كما تفيده الأدلة السابقة وكلام القاسم بن إبراهيم عليه السلام وغيره.

قال الإمام (عز الدين) عليه السلام في رسالته: وقد ذكر بعض العلماء أنه ينبغي لذي الشك أن يتجنبه بكل ممكن ويطرحه، ولو خيل إليه أن صلاته باطلة واعتقد بذلك فلا يصرفه هذا الاعتقاد عن تخفيف الوضوء، فإنه بعد كسح النفس ومخالفتها، وعدم التعويل على اعتقادها هذا الفاسد يعود إلى صحة الاعتقاد، وطريق الرشاد، وتحصيل المراد.

وقال الشيخ (محمد الحفني) في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن للوضوء شيطانا ...)) إلخ ودواء الشيطان الإعراض عنه والإكثار من تلاوة: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ...}[إبراهيم:19]الآية.

وشكى بعض الصحابة له صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك، فأمره بأن يطعن أصبعه السبابة في فخذه اليسرى، وأن يقول بسم الله، فإنها سكين الشيطان أو مديته.

صفحہ 258