وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ اقْتَضَت حكمته خلق آدم وَذريته من تركيب مُسْتَلْزم لداعي الشَّهْوَة والفتنة وداعي الْعقل وَالْعلم فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خلق فِيهِ الْعقل والشهوة ونصبهما داعيين بمقتضياتهما ليتم مُرَاده وَيظْهر لِعِبَادِهِ عزته فِي حكمته وجبروته وَرَحمته وبره ولطفه فِي سُلْطَانه وَملكه فاقتضت حكمته وَرَحمته ان أذاق أباهم وبيل مُخَالفَته وعرفه مَا يجنى عواقب إِجَابَة الشَّهْوَة والهوى ليَكُون اعظم حذرا فِيهَا واشد هروبا وَهَذَا كَحال رجل سَائِر على طَرِيق قد كمنت الاعداء فِي جنباته وَخَلفه وأمامه وَهُوَ لَا يشْعر فَإِذا اصيب مِنْهَا مرّة بمصيبة استعد فِي سيره وَأخذ اهبة عدوه وَأعد لَهُ مَا يَدْفَعهُ وَلَوْلَا انه ذاق ألم اغارة عدوه عَلَيْهِ وتبييته لَهُ لما سمحت نَفسه بالاستعداد والحذر واخذ الْعدة فَمن تَمام نعْمَة الله على آدم وَذريته ان اراهم مَا فعل الْعَدو بهم فَاسْتَعدوا لَهُ واخذوا اهبته فَإِن قيل كَانَ من الْمُمكن ان لَا يُسَلط عَلَيْهِم الْعَدو قيل قد تقدم انه سُبْحَانَهُ خلق آدم وَذريته على بنية وتركيب مُسْتَلْزم لمخالطتهم لعدوهم وابتلائهم بِهِ وَلَو شَاءَ لخلقهم كالملائكة الَّذين هم عقول بِلَا شهوات فَلم يكن لعدوهم طَرِيق اليهم وَلَكِن لَو خلقُوا هَكَذَا لكانوا خلقا آخر غير بني آدم فَإِن بنى آدم قد ركبُوا على الْعقل والشهوة وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لما كَانَت محبَّة الله وَحده هِيَ غَايَة كَمَال العَبْد وسعادته الَّتِي لَا كَمَال لَهُ وَلَا سَعَادَة بِدُونِهَا اصلا وَكَانَت الْمحبَّة الصادقة إِنَّمَا تتَحَقَّق بغيثار المحبوب على غَيره من محبوبات النُّفُوس وَاحْتِمَال اعظم المشاق فِي طَاعَته ومرضاته فَبِهَذَا تتَحَقَّق الْمحبَّة وَيعلم ثُبُوتهَا فِي الْقلب اقْتَضَت حكمته سُبْحَانَهُ اخراجهم الى هَذِه الدَّار المحفوفة بالشهوات ومحاب النُّفُوس الَّتِي بإيثار الْحق عَلَيْهَا والاعراض عَنْهَا يتَحَقَّق حبهم لَهُ وإيثارهم إِيَّاه على غَيره وَلذَلِك يتَحَمَّل المشاق الشَّدِيدَة وركوب الاخطار وَاحْتِمَال الْمَلَامَة وَالصَّبْر على دواعي الغي والضلال ومجاهدتها يقوى سُلْطَان الْمحبَّة وَتثبت شجرتها فِي الْقلب وَتطعم ثَمَرَتهَا على الْجَوَارِح فَإِن الْمحبَّة الثَّابِتَة اللَّازِمَة على كَثْرَة الْمَوَانِع والعوارض والصوارف هِيَ الْمحبَّة الْحَقِيقِيَّة النافعة واما الْمحبَّة الْمَشْرُوطَة بالعافية وَالنَّعِيم واللذة وَحُصُول مُرَاد الْمُحب من محبوبه فَلَيْسَتْ محبَّة صَادِقَة وَلَا ثبات لَهَا عِنْد المعارضات والموانع فَإِن الْمُعَلق على الشَّرْط عدم عِنْد عَدمه وَمن ودك لأمر ولي عِنْد انقضائه وَفرق بَين من يعبد الله على السَّرَّاء والرخاء والعافية فَقَط وَبَين من يعبده على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والشدة والرخاء والعافية وَالْبَلَاء وايضا فَإِن الله سُبْحَانَهُ لَهُ الْحَمد الْمُطلق الْكَامِل الَّذِي لَا نِهَايَة بعده وَكَانَ ظُهُور الاسباب الَّتِي يحمد عَلَيْهَا من مُقْتَضى كَونه مَحْمُودًا وَهِي من لَوَازِم حَمده تَعَالَى وَهِي نَوْعَانِ فضل وَعدل إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ الْمَحْمُود على هَذَا وعَلى هَذَا فَلَا بُد من ظُهُور أَسبَاب الْعدْل واقتضائها لمسمياتها ليترتب عَلَيْهَا كَمَال الْحَمد الَّذِي هُوَ أَهله فَكَمَا انه سُبْحَانَهُ مَحْمُود على إحسانه وبره وفضله وثوابه فَهُوَ مَحْمُود على عدله وانتقامه وعقابه إِذْ يصدر ذَلِك كُله عَن عزته وحكمته وَلِهَذَا نبه سُبْحَانَهُ على هَذَا كثيرا كَمَا فِي سُورَة الشُّعَرَاء حَيْثُ يذكر فِي آخر كل قصَّة من قصَص الرُّسُل وأممهم إِن فِي ذَلِك لاية
1 / 6