الدّين من ذَلِك أَمر عَظِيم وَمَا كَانَ بُد لَهُ من الْعود إِلَى بِلَاد طرابلس لأجل مَا سَمعه عَن إِبْرَاهِيم فَعَاد مظفرا قد كسر الْمُوَحِّدين وغنم هُوَ وَأَصْحَابه الْغَنِيمَة الْعَظِيمَة وَاتفقَ فِي طَرِيقه بزغب الَّذين كَانُوا يكونُونَ مَعَ إِبْرَاهِيم فتراسل وإياهم وَحضر إِلَيْهِ أمراؤهم وَقد تقدّمت أَسمَاؤُهُم فتحالف مَعَهم وَكَانَ حميد فَارقه عِنْدَمَا نزل بالجهة وَسَار إِلَى قبيلته وَكَانُوا بنواحي هراره وَكَانَت رعب على مَوضِع يُقَال لَهُ رَدِيف وَهُوَ مَوضِع مليح من عمل قابس وَاقع فِيمَا بَينهَا وَبَين جبلي مطماطة وقلعة حسن فَلَمَّا اتّفق مَا بَين شرف الدّين وَبَين زغب فرج عَنْهُم لِأَن ذُبَاب عِنْدهَا عذر عَظِيم ومكر وخداع وزغب عِنْدهَا عذر وَفَاء ومحبة فِي الأتراك لِأَن ذبابا أعداؤهم وهم خلق كثير يكون فِي خَمْسَة ألف فَارس وزغب مَا تزيدعلى ألف ومائتي فَارس إِلَّا أَن زغب عِنْدهم شجاعة وفروسية وَإِن كَانَ فِي ذُبَاب كَذَلِك إِلَّا أَن زغب إِذا كَانَت مَعَ الغز لَا يقابلها أحد وَسَار شرف الدّين وهم مَعَه إِلَى بِلَاد طرابلس فوصلها وَسمع بِهِ إِبْرَاهِيم وَتحقّق رُجُوعه فَقَامَتْ قِيَامَته وَلم يكن شرف الدّين عَاجِزا وَلَا متوانيا فِي أمره إِذْ سارع إِلَى الْجَبَل جبل نفوسه وطلع إِلَى إِبْرَاهِيم من عقبَة يُقَال لَهَا مكردمين وَسَار إِلَى جادوا فَمَا اسْتَطَاعَ إِبْرَاهِيم أَن يقاتله فَترك الْبِلَاد وَنزل إِلَى قلعته تنزلت وتحصن بهَا وَنزل عَلَيْهِ شرف الدّين وَهِي قلعة لَا تقَاتل لِأَنَّهَا نائية فِي وسط وَاد عَظِيم لَا يقدر أحد على الطُّلُوع إِلَيْهَا وَلَا الْقِتَال إِلَّا أَن بعض الْجبَال الَّتِي حولهَا تشرف عَلَيْهَا فجَاء شرف الدّين إِلَى ذَلِك الْجَبَل وَنصب عَلَيْهِ منجنيقا وَرمى بِهِ فَمَا وصل إِلَيْهَا فطول سَهْمه وَرمى بِهِ فَلم يصل إِلَيْهَا بل زَاد على الأول فتحيل فِي سهم طَوِيل وَضرب بِهِ فَوَقع حجره فِي وسط القلعة فَمَا قدر إِبْرَاهِيم أَن يُقيم وَطلب الْأمان وَخرج حَاجِبه جمال الدّين وَطلب أَمَانًا لإِبْرَاهِيم فَشرط عَلَيْهِ أَن يتَوَجَّه إِلَى طرابلس ينزل فِيهَا فِي مركب إِلَى الديار المصرية فتوقف شرف الدّين عَلَيْهِ فِي الْأمان وَقَالَ مَا آخذه إِلَّا أَسِيرًا هَذَا الغادر الماكر فَلم يزل الأتراك يسْأَلُون فِيهِ إِلَى أَن أعطَاهُ
1 / 71