مقدمة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
الرقم التاريخية في مدينة الرملة
مقدمة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
الرقم التاريخية في مدينة الرملة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
تأليف
عبد الله مخلص
مقدمة
أنشأت هذه المقالة - أو قل: جمعتها ولففتها - صيف سنة 1342ه/1923م في بيت المقدس عندما كنت محاسبا عاما في المجلس الإسلامي الأعلى إثر اتفاق كاد يتم بين إدارة الأوقاف الإسلامية وبين دار الآثار الفلسطينية على رم مئذنة الجامع الأبيض في الرملة؛ لادعاء الثانية أنها من الأبراج التي خلفها الصليبيون في الأرض المقدسة؛ فهي من هذه الناحية من الآثار القديمة التي ترى الحكومة من واجبها العناية بعمارتها والقيام على محافظتها؛ وذلك لجهل إدارة الأوقاف حقيقة هذه المئذنة الإسلامية البديعة الصنع، وإهمالها الاحتفاظ بها وبجامعها الأبيض الذي أصبح من الطلول الدوارس.
بيد أن دار الآثار لما اعتقدت فساد ظنها بعد ما علمته من أمر المئذنة تخلت عن الاشتراك بالعمارة، فتولتها إدارة الأوقاف بنفسها وأصلحت منها ما أفسدته أيدي الحدثان.
وقد كنت دعيت لإلقاء هذا البحث بشكل محاضرة في الجمعية الفلسطينية الشرقية في بيت المقدس
The Palestine Oriental Society ، وأعلنت ذلك في قائمة اجتماعها العشريني الذي عقدته في 9 ربيع الثاني 1343ه و6 تشرين الثاني «نوفمبر» 1924، إلا أن اضطراري لمغادرة بيت المقدس إلى حيفا قبل الأجل المضروب حال دون ذلك، واكتفت الجمعية بالتنويه بالمبحث وتلخيصه بكلمات قليلة ألقاها أحد أعضائها.
ولا بد أن تستوقف تسميتنا مسجد الرملة بالجامع الأبيض بعض القراء من العلماء؛ لأن هذه التسمية لم تكن جارية في صدر الإسلام، بل كانوا إذ ذاك يقتصرون على اسم المسجد، ثم صاروا بعده يقولون للمسجد الذي تقام فيه صلوات الجماعة مسجد الجامع والمسجد الجامع، أي مسجد اليوم الجامع والظاهر، ثم إنهم أخذوا بالاختصار، فصاروا يطلقون اسم الجامع على المسجد كما رأيناه في رواية المقدسي عن الجامع الأبيض وجامع دمشق وغيرهما. ولا تزال العامة تتبع هذه التسمية، إلا أن الفصيح هو المسجد، والمسجد على ما حرره علماء اللغة هو بيت الصلاة؛ بنوه على السجود لله تعالى بهيئة مخصوصة، والسجود لغة الخضوع والتطامن والذل، ويقال للانتصاب في لغة طيء سجودا، وسجد البعير خفض رأسه عند ركوبه، وسجد الرجل وضع جبهته بالأرض، وقد استشهد الجوهري صاحب كتاب «تاج اللغة وصحاح العربية» على أن السجود هو الخضوع ببيت لزيد الخيل يصف جيشا:
بجمع تضل البلق في حجراته
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
وآخر لحميد بن ثور يصف النساء:
فضول أزمتها أسجدت
سجود النصارى لأربابها
وقد تناولت في بحثي هذا وصف المدينة والمسجد ثم المئذنة، وعززته بأقوال المؤرخين والجغرافيين، وألحقته بنسخ الكتابات الأثرية الباقية على وجه الدهر فيها، والأشعار التي ورد فيها ذكر الرملة، والله المستعان.
عبد الله مخلص
عضو المجمع العلمي العربي
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
تعمل إدارة الأوقاف الإسلامية بالاشتراك مع إدارة الآثار والعاديات في فلسطين على رم مئذنة الجامع الأبيض التي استرمت خيفة سقوطها واندثار هذا الأثر الرائع الذي يخيل للناظر إليه أنه نصب تاريخي أقيم على مر الليالي والأيام؛ ليشهد للمهندسين الإسلاميين بسلامة الذوق وطول الباع في الإبداع والتفنن.
إن هذه المئذنة هي البقية الباقية التي لم تنل يد الزمان منها منالا في الرملة البيضاء مدينة فلسطين ذات التاريخ المجيد، فأحببنا أن نأتي على شيء من تاريخها ووصف جامعها، ثم وصف مئذنته البديعة فنقول: (1) الرملة قبل الحروب الصليبية
أول من جاء على ذكر الرملة من المؤرخين والجغرافيين الإسلاميين أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبي المتوفى بعد سنة 278ه/981م، فقد قال في كتاب «البلدان»
1
ما يأتي: «ومدينة فلسطين القديمة كانت مدينة يقال لها: «لد». فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة
2
ابتنى مدينة الرملة، وخرب مدينة لد، ونقل أهل لد إلى الرملة، وهي مدينة فلسطين، ولها نهر صغير منه شرب أهلها ونهر أبي فطرس منها على اثني عشر ميلا، وشرب أهل الرملة من ماء الآبار ومن صهاريج يجري فيها ماء المطر، وأهل المدينة أخلاط من الناس من العرب والعجم وذمتها سامرة.» ا.ه.
وقال أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي الكاتب المشهور بالبلاذري المتوفى سنة 279ه/892م في كتابه «فتوح البلدان»
3
ما يلي: «ولى الوليد بن عبد الملك
4
سليمان بن عبد الملك جند فلسطين، فنزل لدا ثم أحدث مدينة الرملة، ومصرها، وكان أول ما بنى فيها قصره،
5
والدار التي تعرف بدار الصباغين، وجعل في الدار صهريجا متوسطا لها، ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا، واحتفر لأهل الرملة قناتهم التي تدعى يردة
6
وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبا له نصرانيا من أهل لد يقال له البطريق بن النكا، ولم تكن مدينة الرملة قبل سليمان وكان موضعها رملة.
قالوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله بن العباس؛ لأنها قبضت مع أموال بني أمية.
قالوا: وكان بنو أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان بن عبد الملك، فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها، وكان الأمر في تلك النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة، فلما استخلف أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله
7
أسجل بتلك النفقة سجلا، فانقطع الاستئمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فيحسب لهم.» ا.ه.
وذكر مؤلف كتاب «العيون والحدائق في أخبار الحقائق» في الجزء الثالث أن سليمان بن عبد الملك بدأ ببناء الرملة سنة 98ه/716م،
8
ثم جاء أبو عبد الله محمد بن البشاري المعروف بالمقدسي الذي أتم كتابه المسمى «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» سنة 375ه/985م.
فوصفها وصفا مسهبا ننقله بنصه:
9 «الرملة قصبة فلسطين، بهية حسنة البناء خفيفة الماء مرية، واسعة الفواكه جامعة الأضداد بين رساتيق جليلة ومدن سرية، ومشاهد فاضلة وقرى نفيسة، والتجارة بها مفيدة والمعايش حسنة، ليس في الإسلام أبهى من جامعها، ولا أحسن وأطيب من حواريها، ولا أبرك من كوارتها، ولا ألذ من فواكهها، موضوعة بين رساتيق زكية، ومدن محيطة، ورباعات فاضلة ذات فنادق رشيقة، وحمامات أنيقة، وأطعمة نظيفة، وإدامات كثيرة، ومنازل فسيحة، ومساجد حسنة وشوارع واسعة، وأمور جامعة، قد خطت في السهل، وقربت من الجبل والبحر، وجمعت التين والنخل، وأنبتت الزروع على البعل، وحوت الخيرات والفضل، غير أنها في الشتاء جزيرة من الوحل، وفي الصيف ذريرة من الرمل، لا ماء يجري فيها ولا خضر، ولا طين جيد ولا ثلج، كثيرة البراغيث عميقة الآبار مالحة، وماء المطر في جباب مقفلة، فالفقير عطشان، والغريب حيران، وفي الحمام ديوان، ويدور في الدولاب خدام، وهي ميل راجح في ميل بنيانهم حجارة منحوتة حسنة وطوب، الذي أعرف من دروبها: درب بئر العسكر،
10
درب مسجد عنابة،
11
درب بيت المقدس، درب بلعين،
12
درب لد،
13
درب يافا،
14
درب مصر،
15
درب داجون،
16
يتصل بها مدينة تسمى داجون فيها جامع.» ا.ه.
ولم يقتصر المقدسي على هذا الوصف الحافل، بل نوه بها، وأشاد بذكرها كلما لاحت له لائحة أو سنحت سانحة مثل قوله: واشتهرت الرملة بتينها الدمشقي وهو غاية في الجودة.
17
وقوله: والرملة لذيذة الثمار.
18 «لو كان للرملة ماء جار لما استثنينا أنها أطيب بلد في الإسلام؛ لأنها ظريفة خفيفة بين قدس وثغور وغور وبحور، معتدلة الهواء لذيذة الماء سرية الأهل، غير أن فيهم جهلا، خزانة مصر ومطرح البحرين، رخية.»
19
وقوله: وبالشام الرملة البهية وخبزها الحواري.
20
وقوله: وميازر الرملة وحواريها لا نظير لهما.
21
وقوله: وماء الرملة مري.
22
وقوله: وجلت قرى الرملة بلا نهر بزيتون وأتيان.
23
وقوله: وعند كل من لم يدخل الرملة أنه ليس في الدنيا مثل خبز مرو بتركستان، ولكن لا نظير له في بلاد الأعاجم.
24
وقوله:
25
ولا جلة البزازين بالرملة حمر «مصرية بسروج».
إلى غير ذلك من الأقوال التي تنم على أن للمؤلف صلة بالرملة غير الصلة الأدبية، فوصفه لها وافتتانه بكل ما تحويه من جماد ونبات يدلان على أنه ممن أنجب هذا البلد الطيب، ولسوء الحظ أن كتب التراجم التي بين أيدينا لم تأت على ترجمته لنتحقق ذلك.
ولا يعارض ذلك قوله في كتابه أنه أقام في بيت المقدس من السنين ما عدته كذا، بل هذا يؤيد أنه أتى إليها، وأقام فيها، ولعله كان يطلب العلم في مدارسها.
وقد تبسطت الرملة في الحضارة، واستجرت في العمران حتى عدت من المدن الجليلة،
26
والأمصار الكبرى، وكانت من كور الشام ،
27
وكان يتبعها بيت المقدس، وبيت جبرين وغزة وعسقلان ويافا وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان، وهي أمهات فلسطين في القرن الرابع،
28
وكانت يافا فرضتها وإليها ينفر أهل الرملة.
29
وذكرها بعد المقدسي ناصر خسرو القبادياني المروزي الفارسي في رحلته التي قام بها في بلاد الشام في أواسط القرن الخامس للهجرة والقرن الحادي عشر للميلاد، حيث بدأ فيها سنة 427ه/1035م وانتهى منها سنة 434ه/1042م، فقال في كتاب رحلته الذي أسماه سفرنامه:
30 «والرملة مدينة عظمى يحيط بها سور عال متين عمل من الحجر والملاط، وهي على ثلاثة فراسخ من البحر، وشرب أهلها من مياه الأمطار يجمعونه في كل موسم في حوض، وعندهم منه ما يحتاجون إليه على الدوام، وفي وسط الجامع الكبير صهاريج واسعة إذا ملئت يستطيع الإنسان أن يستقي منها بحسب حاجته، ومساحة الجامع الأعظم ثلاثمائة قدم في مائتين، وقد نقش في أعلى الصفة أن الأرض زلزلت زلزالا عظيما يوم 15 المحرم سنة 425ه/11 كانون أول سنة 1033م فهدمت عدة أبنية، ولم يجرح أحد من السكان.
والرخام كثير جدا في الرملة، وجدران معظم الأبنية والدور مغشاة بصفائح من الرخام مرصعة بإتقان، ومغشاة بنقوش ورسوم، ويقطع الرخام بمنشار لا أسنان له وبرمل تلك البلاد وبالمنشار تقطع قطع من الرخام بقدر طول السواري والعمد، كما تقطع الدفوف من شجرة إلا من حيث العرض.
ولقد رأيت في الرملة رخاما من كل جنس ومنه المجزع «المبقع» والأخضر والأحمر والأسود والأبيض وبالجملة من مختلف الألوان، وفي الرملة يخرج نوع من التين اللذيذ، ولا يوجد مثله في بلد آخر ومنها تحمل إلى سائر البلدان، وتعرف هذه المدينة في الشام والمغرب باسم فلسطين.»
وذكرها محمود بن عمر بن محمد الزمخشري المتوفى سنة 538ه/1143م بقوله الموجز:
31 «الرملة مدينة من مدائن الشام.»
وقال عنها عبد الكريم بن أبي بكر التميمي السمعاني المتوفى سنة 562ه/1166م:
32 «الرملة قصبة فلسطين كان بها جماعة من العلماء والصلحاء، وكان بها الرباط للمسلمين ، وكان يسكنها جماعة من العلماء الصالحين للمرابطة فيها، وذكر فيمن ذكره من المنتسبين إلى الرملة يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي قال إن أصله من الكوفة، وإنما قام بالرملة يجهز الزيت إلى الكوفة وإلى غيرها.» (2) الزيوت الفلسطينية وتصديرها إلى العراق
قلنا وهذا يدلنا على وفرة محاصيل الزيت في فلسطين عامة والرملة خاصة، وأن فلسطين كانت تمون بلاد العراق بزيوتها النقية الجيدة الطعم، بينا كانت وسائط النقل مقتصرة على الخيل والجمال والبغال. (3) القبائل العربية في الرملة وما إليها
ومع أن اليعقوبي يقول بأن أهلها أخلاط من العرب والعجم، كما مر بك، فإن أبا محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمذاني المعروف بابن الحائك المتوفى سنة 334ه/945م يقول في كتابه «صفة جزيرة العرب»:
33
إن ما حول الرملة إلى نابلس كانت مساكن لخم
34
وما يخالطها من كنانة،
35
كما أن بين الرملة ومصر في الجفار
36
كانت مساكنهم.
37
وكانت ملتقى الطرق بين مصر والشام والبادية كما ذكره أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة المتوفى في أواسط القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد في كتابه «المسالك والممالك»،
38
واليعقوبي في كتابه «البلدان»،
39
وأبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي المتوفى سنة 310ه/922م في كتابه «الخراج وصنعة الكتابة»،
40
والمقدسي في «أحسن التقاسيم».
41 (4) الرملة بعد الحروب الصليبية
هذه حالة الرملة في عهد حضارتها، أما بعد ذلك فيقول عنها شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة 626ه/1228م في كتابه معجم البلدان ما نقتطفه:
42 «الرملة مدينة عظيمة بفلسطين، وكانت قصبتها قد خربت الآن، وكانت رباطا للمسلمين وبينها وبين البيت المقدس ثمانية عشر ميلا وهي كورة من فلسطين، «وكانت دار ملك داود وسليمان ورحبعام بن سليمان»،
43
وذكر البشاري:
44 «أن السبب في عمارة سليمان بن عبد الملك للرملة أنه كان له كاتب يقال له ابن بطريق سأل أهل لد جارا كان للكنيسة أن يعطوه إياه ويبني فيه منزلا له فأبوا عليه، فقال: والله لأخربنها، يعني الكنيسة »، ثم قال لسليمان:
45 «إن أمير المؤمنين - يعني عبد الملك - بنى في مسجد بيت المقدس على هذه الصخرة قبة فعرف له ذلك، وإن الوليد بنى مسجد دمشق فعرف له ذلك، فلو بنيت مسجدا ومدينة، ونقلت الناس إلى المدينة. فبنى مدينة الرملة ومسجدها وكان ذلك خراب لد.» وشرب أهل الرملة من الآبار الملحة، والمترفون لهم بها صهاريج مقفلة، وكانت أكثر البلاد صهاريج مع كثرة الفواكه وصحة الهواء واستنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 583ه/1187م من الإفرنج
46
وخربها؛ خوفا من استيلاء الإفرنج عليها مرة أخرى في سنة 587ه/1191م وبقيت على ذلك الخراب إلى الآن.»
وذكرها ياقوت المذكور في كتابه «المشترك وضعا والمفترق صقعا»
47
بما يقارب وصفه لها في «معجم البلدان» إلا أنه زاد على سبب تخريبها بقوله: «ثم كثر الفرنج وأخذوا عكا؛ فخاف أن يرجعوا فيتغلبوا عليها فخربها في سنة 587 وخرب عسقلان، وهما على الخراب إلى الآن، إلا أن بالرملة قوما من الإفرنج وهي بأيديهم إلى الآن.»
وذكرها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي المعروف بشيخ الربوة المتوفى سنة 727ه/1326م في كتابه
48 «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» بقوله: «الرملة بناها سليمان بن عبد الملك بن مروان، وجعلها القصبة، ثم توالت عليها الزلازل، فانتقل منها أهلها إلى بيت المقدس، ثم بنيت بعدها مدينة لد على أثر بنائها القديم.»
وذكرها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنحي المعروف بابن بطوطة
49
المتوفى سنة 779ه/1377م بقوله: «ثم سافرت منها إلى مدينة الرملة؛ وهي فلسطين، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات، حسنة الأسواق، وبها الجامع الأبيض، ويقال: إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين عليهم السلام.»
وذكرها شهاب الدين أبو العباس أحمد القلقشندي المتوفى سنة 821ه/1418م في كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»
50
بقوله: «هي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك.»
قال في «الروض المعطار»: «وسميت الرملة؛ لغلبة الرمل عليها.»
وقال في «مسالك الأمصار»: «سميت باسم امرأة اسمها رملة وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها، فأكرمته وأحسنت نزله، فسألها عن اسمها، فقالت: رملة. فبنى البلد وسماها باسمها.»
قال في «العزيزي»: «وهي قصبة فلسطين ، وهي في سهل من الأرض، وبينها وبين بيت المقدس مسيرة يوم.»
قال في «الروض المعطار»: «وبينها وبين نابلس يوم، وبينها وبين قيسارية مرحلة، وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها.»
وذكرها غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفى سنة 872ه/1467م في كتابه «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك»
51
بقوله: «الرملة مدينة حسنة بها جوامع ومدارس ومزارات، ومن جملتها الجامع الأبيض عجيب من العجائب، قيل: إن بمغارته من قبور الصحابة أربعين قبرا، وبها من الأماكن المباركة ما يطول شرحه، وقبران من إخوة يوسف عليه السلام، وقبر أبي هريرة وقبر سلمان الفارسي.»
قلنا: ولعله يعني بأخوي يوسف راءوبين الذي سيأتي ذكره، وبأبي هريرة الذي يزعم وجود قبر له في قرية «بني» بالقرب من الرملة، في حين أن أبا هريرة مات بالمدينة «يثرب»، أما سلمان الفارسي فهو بالعراق.
وذكرها أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد مجير الدين العليمي الفخري الحنبلي المتوفى سنة 927ه/1520م في كتابه «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل»
52
بقوله: «وأما مدينة الرملة وهي واسطة بلد فلسطين، فإنها في أرض سهلة، وهي كثيرة الأشجار والنخيل، وحولها كثير من المزارع والمغارس وفيها أنواع الفواكه، وظاهرها حسن المنظر، وهي من جملة الثغور؛ فإن البحر المالح قريب منها مسافته عنها نحو نصف بريد من جهة الغرب، وكانت في الزمن السالف في عهد بني إسرائيل مدينة عظيمة البناء متسعة، وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجانب فلسطين - كما تقدم عند ذكر سيدنا داود عليه السلام
53 - وتقدم أن سيدنا يونس عليه السلام
54
أقام بالرملة ثم توجه إلى بيت المقدس يعبد الله تعالى.
وأما صفة مدينة الرملة قديما قبل الإسلام وبعده إلى حدود الخمسمائة، فكان بها سور محيط بها، وكان لها قلعة واثنا عشر بابا منها: باب القدس، وباب عسقلان، وباب يافا، وباب نابلس،
55
ولها أربعة أسواق متصلة من أربعة أبواب إلى وسطها، وهناك مسجد جامعها، فمن باب يافا يدخل في سوق القماحين، وهو متصل بسوق البصالين حتى يتصل بمسجد جامعها، وهي أسواق كانت حسنة يباع فيها أنواع السلع، ويتصل بباب القدس سوق القطانين إلى سوق المشاطين للكتان إلى سوق العطارين إلى المسجد الجامع، ويتصل بسوق الحبالين
56
من باب يازور، ثم سوق الجزارين ثم البقالين إلى المسجد الجامع، ويتصل بباب آخر من أبوابها سوق الصياقلة، ثم سوق السراجين إلى المسجد الجامع، ويقال: إن الرملة كانت أربعة آلاف ضيعة، وتقدم أن السلطان صلاح الدين هدم قلعتها،
57
وهدم مدينة لد في شهر رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وأما في عصرنا فلم يبق أثر لتلك الأوصاف التي بالرملة، وقد زالت أسوارها وأسواقها القديمة؛ لاستيلاء الإفرنج عليها نحو مائة سنة، ولم يبق من المدينة ثلثها، بل ولا ربعها وبني فيها مساجد ومنابر مستجدة
58
من زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعده، والموجود الآن من الأبنية في المدينة معظمه خراب مستهدم.»
وذكرها أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالفرماني المتوفى سنة 1019ه/1610م في تاريخه، فقال عنها:
59 «مدينة الرملة ماؤها من المطر، وأشجارها قليلة حسنة البقاع، بناها سليمان بن عبد الملك وسكنها، ثم توالت عليها الزلازل إلى أن خربت وصارت قرية بعد أن كانت مصرا من الأمصار، ولما توجه السلطان الأعظم سليم خان العثماني في سنة 923ه/1517م إلى الديار المصرية تأخر من جماعته بعض أناس بها، فشاع الخبر أن أهل المدينة قتلوهم، فلما بلغ ذلك السلطان المذكور أمر بقتل عامة أهل البلد فقتلوهم عن آخرهم ولم يبق فيها ديار ولا نافخ نار، ثم اجتمع بعض جماعة من الغرباء وسكنها.»
وذكرها عبد الغني بن إسماعيل النابلسي المتوفى 1143ه/1730م في رحلته الكبرى التي قام بها سنة 1105ه/1693م في مصر والشام والحجاز، فقال عنها:
60 «الرملة سقيت وابل الغمام، والرملة واحدة الرمل وبها سميت أم حبيبة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم
وغيرها، كما في «القاموس» وفي «الصحاح»: «الرمل واحد الرمال، والرملة أخص منه، ورملة مدينة بالشام.» انتهى. وهي المراد هنا فإنها من جملة أرض الشام، وذكر فيما ذكره أنه وقف فيها على مجموع لطيف بخط الشيخ حسن بن محمد المعروف بابن الجاموس نقل فيه ما ذكره القلقشندي في «صبح الأعشى» عن الرملة، وأن بانيها هو سليمان بن عبد الملك.»
قال: «وقوله: بناها. أي جدد بناءها وعمر ما خرب منها، وإلا فهي بلدة قديمة، واستشهد على ذلك بقول مجير الدين العليمي الحنبلي، وتقدم جميع ذلك.»
وذكرها محمد العطار الشامي المتوفى بعد سنة 1179ه/1765م في رحلته:
61 «وخرجت من القدس الشريف نهار السبت ثاني شهر صفر الخير المبارك الذي هو ثاني شهور سنة تسع وسبعين ومائة وألف، فدخلنا رملة فلسطين، وهي بلدة كبيرة أخربتها الأيام والدهور، وبقي جزء يسير معمور فنزلنا بها.»
وهي واقعة في الإقليم الثالث كما ذكر ذلك أبو علي أحمد بن عمر بن رسته المتوفى بعد سنة 290ه/902م،
62
وابن الحائك،
63
والمقدسي،
64
ووافقهم عليه الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الصقلي المعروف بالإدريسي المتوفى بعد سنة 548ه/1153م،
65
وكذلك ياقوت
66
إلا أنه قال: إن المهلبي يقول عنها: إنها في الإقليم الرابع.
وقال ابن الحائك:
67 «إنها على عرض أربع وثلاثين درجة وثماني أضلع وخمسين من الظل.»
ويقول ياقوت إن طولها خمس وخمسون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلثان وهو الأصح والمعول عليه اليوم من جهة العرض.
ويقول القلقشندي
68
إنها في الإقليم الثالث، وإن صاحب «الأطوال» ذكر: أن طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق. وقال في «القانون»: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة. (5) الرملة مدينة إسلامية
وبالرغم من أن مدينة الرملة هي المدينة الرابعة من المدن العظيمة التي أحدثت في الإسلام، كما نقله علي بن الحسين بن علي من ذرية عبد الله بن مسعود المشهور بالمسعودي المتوفى سنة 346ه/957م،
69
بل كما اعترف به الغربيون أنفسهم، وهذا «بيدكر» صاحب «دليل الأرض المقدسة» الموسوم باسمه يقول إن اسمها عنوان عربيتها،
70
وإن حجاج بيت المقدس من النصارى لم يذكروها قبل سنة 870م/257ه، ولما ذكروها قالوا عنها رامولة.
وهذا بركهوس
Brockhous
مؤلف «دائرة المعارف الألمانية»
71
يقول إن التقليد الكنسي يعتبر الرملة «أريماثيا» المذكورة في التوراة على أن الفضل في تأسيس الرملة، وبنائها يرجع للخلفاء الأمويين سنة 716م/98ه كما جاء في التواريخ العربية.
وهذا فرونمير
Frohnnmeyer
صاحب «جغرافية التوراة»
72
يقول: «إن الرملة التي اعتبرها تقليد متأخر لا قيمة له أنها أريماثيا التي ورد ذكرها في التوراة بناها الخلفاء في القرن الثامن للميلاد، وكانت وقتئذ من أمهات مدن فلسطين، كما كانت بلدة لد القريبة منها في أيام الرومانيين.»
ثم عاد فقال:
73 «قد ذكرنا عدة قرى إلى جانبي الطريق بين يافا والقدس، منها الرملة التي أراد كثيرون أن يروا فيها إحدى القرى العديدة المذكورة في التوراة باسم «الرامة» وهي ليست أريماثيا، ولكنها مدينة لم تبن إلا في السنة 716م/98ه.»
بالرغم من هذا جميعه، فإن بعض المعاصرين مثل المرحوم شمس الدين سامي الألباني في «قاموس أعلامه»،
74
وصديقنا العلامة أحمد زكي باشا في «قاموسه»،
75
والمرحوم أمين واصف في «فهرسته»
76
يقولون: إنها من المدن القديمة، وإن اسمها أريماثيا وأرام ورامة، وإنها كانت آهلة بالسكان إبان الفتح الإسلامي كما سبق. وقال مثل هذا القول مجير الدين العليمي الحنبلي صاحب «تاريخ القدس والخليل»، وجاراه على ذلك الشيخ عبد الغني النابلسي في «رحلته الكبرى» - كما مر بك - ولعل مجير الدين وشمس الدين ومن جاراهما على شيء من الحق فيما ادعوه، وهم قد رأوا مثل ما رأينا في كتب التاريخ ذكرا للرملة أثناء فتوح عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للأرض المقدسة؛ أي قبل بناء المدينة بسبعين عاما، وقد كان الروم وضعوا جندا عظيما في الرملة، فأرسل عمرو بن العاص أبا أيوب المالكي إليها وعليها التذارق،
77
ثم لما قيض الله فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب الذي جاءه قاصدا إليه من المدينة فرق فلسطين على رجلين: فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله الرملة، وعلقمة بن مجزز وأنزله إيلياء
78
فأذاقا البلاد حلاوة حكم المسلمين.
قلنا لعلهم على شيء من الحق، فقد اطلعنا في مستند شرعي على ما يبعث على الظن بأن لمدينة الرملة صلة بالقدم، وهذا المستند هو حجة شرعية تتضمن مبيع بستان وحمام وحانوتين إلى السيد الشريف أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق سلطان المغرب من قبل مالكها الحاج برهان الدين إبراهيم ابن الحاج حسين بن محمد التاجر بمدينة الرملة، تاريخها اليوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة هجرية 1352م؛ إذ جاء في الحجة عبارتا البناء الإسلامي وبئر الماء المعين الرومية البناء، ولو لم يكن هناك مبان رومية لما مست الحاجة إلى التفريق بين البنائين الإسلامي والرومي على أن وجود البئر الرومية لا يقتضي حتما وجود العمارة، فقد تكون هناك حدائق وأعناب قديمة العهد بجوار مدينة لد القديمة، كما أن نسبتها إلى الروم قد تنصرف إلى أنها من بناء الصليبيين. ونزول الجيش الإسلامي في الرملة التي قد تطلق على الرمال القائمة بجوار لد لا تتضمن أنه كان هناك مدينة بهذا الاسم.
وقد يسائل المرء نفسه: لماذا اختار سليمان بن عبد الملك الرملة لبناء جامعها الأبيض الذي أنزله المنزلة الثالثة بعد صخرة بيت المقدس، ومسجد دمشق، وهناك من الأماكن المقدسة ما يستحق العناية والاهتمام، ويبعث على القربى والزلفى من الله أكثر من الرملة؟
ولكنه إذا علم أن في كتب التفسير والحديث ما يجعل هذه المدينة في مصاف المدن المقدسة هان عليه الأمر وعرف أن سليمان لم يقدم على عمله العظيم إلا بدافع ديني، ونزعة خالصة لوجه الله، وقوى هذه العقيدة في نفسه موقع المدينة الطبيعي والجغرافي، أضف إلى ذلك قصة كاتبه الذي حمله على بنائها.
أما النصوص التي وردت في الكتب عنها ، فإننا ننقل منها ما أحاطت به الذاكرة:
قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: )وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين(. قيل: إن الربوة الرملة.
وقال أبو وعلة - شيخ من عك: إن الرملة هي الربوة؛ وذلك أنها تسيل مغربة ومشرقة.
79
وقال أبو هريرة: الربوة ذات قرار ومعين هي الرملة من فلسطين. وقيل: إنها بيت المقدس.
80
وفي الحديث الشريف: «أكرموا الرملة، يعني فلسطين، فإنها الربوة التي قال الله فيها )وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين(».
81
أما أنا فأعتقد أن هذه التفاسير والأحاديث قد وضعت لأغراض سياسية بقصد ربط المسلمين بتلك المدن الحربية وحملهم على الذود عنها؛ إذ لم تثبت أكثر الأحاديث التي قيلت عن المدن ما عدا ثلاثا منها، وهي: مكة، والمدينة، وبيت المقدس.
وممن شرفت بهم الرملة من عظماء المسلمين الذين رفعوا راية الإسلام، وأعلوا كلمة الله، الفضل بن عباس ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الذي توفي في طاعون عمواس سنة 18ه/639م على الرأي الأعم
82
في هذه الديار، ودفن في ضاحية الرملة، ومقامه مقصود للزيارة إلى يوم الناس هذا. (6) المواسم الفلسطينية
وبظاهرها من جهة الغرب بالقرب من البحر المالح مشهد يقال إن به ضريح سيدنا روبيل وهو المذكور بالتوراة باسم راءوبين بن يعقوب عليهما السلام، وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة، وفي كل سنة له موسم يجتمع فيه الناس من الرملة ويافا وغزة وغيرها، يبتدئ من أول الشهر الهجري الذي يدخل مع شهر سبتمبر وينتهي بآخره، تضرب فيه السرادقات، وتقام فيه المسرات والأفراح، وهذا الموسم يجري عليه الزوار منذ قرون متطاولة نعرف منها القرن التاسع للهجرة والخامس عشر للميلاد؛ لأن مجير الدين ذكره في «الأنس الجليل»،
83
ولعله أقدم منه بمئين من السنين؛ أي من عهد الظاهر بيبرس الذي بنى سنة 668ه/1269م قبة على مقام سيدنا موسى الكليم الذي لم يدخل إلى فلسطين بشهادة التوراة، وهذا المقام يقع بين بيت المقدس وأريحا، وسن هذه السنة السياسية؛ لتكافئ القوى بين زوار المسلمين وحجاج النصارى في بيت المقدس وضواحيه ، ولا تزال الأرزاق تجرى على زائري مقام الكليم مدة أسبوع تفد فيه الوفود عليه من جميع أنحاء فلسطين بالطبول والأعلام والسيوف، وما أشبه ذلك من الحركات العسكرية، وذلك في الشهر الهجري الذي يوافق شهر أبريل «نيسان»؛ حيث يكون عيد الفصح عند الأمم النصرانية ويكثر قدوم حجاجهم فيه، ولموسم النبي موسى مراسيم خاصة لا زالت متبعة إلى اليوم، من المناداة في صحن المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة أن يوم الخميس القادم ينشر العلم، ويقصد الناس إلى الزيارة بعد صلاة الجمعة، وفي ذلك اليوم تجرى احتفالات بالأناشيد والأهازيج، ويهبط الناس إلى المقام، وتستمر أيام الزيارة مدة الأسبوع؛ حيث يعود العلم فيطوى يوم الجمعة التالية بعد الصلاة إلى السنة القادمة. (7) الجامع الكبير
ورأينا أن ننقل وصف الجامع الكبير الموجود في الرملة عن دليل الأب مايسترمن ما دمنا قد وفينا المدينة حقها من الوصف قال:
84
هو كنيسة مار يوحنا القديمة التي بنيت في القرن الثاني عشر، والتي حولت مسجدا منذ القرن الثالث عشر، ولعل هذه أسلم جميع الكنائس الموجودة من ذلك العصر، شكلها مستطيل 144 × 72 قدما مقسوم إلى ثلاثة أبهاء، والبهو المتوسط يعلوه عقد رأسي «غوطي» مرتكز على سبعة من الأقواس المتقاطعة، ولما كان البهوان الجانبيان محاطين «بمصاطب»؛ فقد كان من السهل إيجاد نوافذ عند أطراف العقد، وقد كانت واجهة البناء قبلا جميلة جدا، لكنها الآن مختفية خلف جدار عادي كان بناؤه ضروريا لتجنب الأقذار، كما أن أرض المسجد رفعت قدمين لنفس السبب، وتقوم الآن منارة حيث كانت قبة الأجراس الكنسية.
الجامع الأبيض
وكان الأحرى أن نقول المسجد الأبيض، إلا أننا جارينا الجغرافيين المتأخرين الذين ذكروه بهذا الاسم، وأول من ذكره من المؤرخين البلاذري بقوله:
85 «إن سليمان بن عبد الملك لما ولي على جند فلسطين من قبل أخيه الوليد اختط للمسجد خطة وبناه، فولي الخلافة قبل استتمامه، ثم بنى فيه بعد في خلافته ثم أتمه عمر بن عبد العزيز،
86
ونقص من الخطة، وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت بهم عليه.»
وقال عنه المقدسي :
87
وجامع القصبة في الأسواق أبهى وأرشق من جامع دمشق، يسمى الأبيض ليس في الإسلام أكبر من محرابه ولا بعد منبر بيت المقدس أحسن من منبره، وله منارة بهية، بناه هشام بن عبد الملك،
88
وسمعت عمي يقول: لما أراد بناءه قيل له: إن للنصارى أعمدة رخام مدفونة تحت الرمل استعدوها لكنيسة بالغة. فقال لهم هشام بن عبد الملك: إما أن تظهروها، وإما أن تهدم كنيسة لد. فنبني هذا الجامع على أعمدتها. فأظهروها وهي غليظة طويلة، وأرض المغطى مفروشة بالرخام والصحن بالحجارة المؤلفة وأبواب المغطى من الشريين والتنوب مداخلة محفورة حسنة جدا.
وذكر أيضا
89
أنه كان: «في أرسوف
90
منبر حسن بني للرملة فكان صغيرا، فحمل إلى أرسوف.»
ونقل المسعودي في كتابه «التنبيه والإشراف» الذي ألفه قبل وفاته بسنة واحدة ما ذكره البلاذري عن الجامع.
91
وذكره ياقوت في معجمه
92
وابن بطوطة في رحلته
93
في عرض كلامهما على مدينة الرملة، كما مر بك. وذكر ابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764ه/1362م في ترجمة الملك الظاهر بيبرس أنه: «جدد جامع الرملة، وأصلح مصالحها.»
94
أما العليمي الحنبلي فقد قال عنه:
95 «وقد صار المسجد الجامع القديم بظاهر المدينة من جهة الغرب، وصار حوله مقبرة، وقد بنى فيه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون منارة، وهي من عجائب الدنيا في الهيئة والعلو، وذكر المساجفرون أنها من المفردات ليس لها نظير، وكان الفراغ من بنائها في نصف شعبان سنة ثماني عشرة وسبعمائة (1318م)، ولم يبق حول الجامع المذكور من الأبنية القديمة سوى حارة بجواره من جهة الشمال حكمها حكم القرى، وأما المدينة فصارت منفصلة عنه، وهذا الجامع بناه بعض الخلفاء الأمويين، وهو سليمان بن عبد الملك المتقدم ذكره لما ولي الخلافة في سنة ست وتسعين من الهجرة الشريفة.
96
وهو جامع متسع مأنوس، عليه الأبهة والوقار والنورانية، ويعرف في عصرنا وقبله بالجامع الأبيض، وفي صحنه السماوي مغارة تحت الأرض مهيبة يقال: إن بها دفن سيدنا صالح النبي - عليه السلام - وتقدم ذكر ذلك.
97
ثم جدد عمارة الجامع الأبيض في زمن الملك الناصر صلاح الدين على يد رجل من دولته اسمه إلياس بن عبد الله أحد جماعة الأمير علم الدين قيصر عين الأمراء بالدولة الصلاحية، كانت عمارته في سنة ست وثمانين وخمسمائة (1190م)، ثم لما فتح الملك الظاهر بيبرس يافا في سنة ست وستين وستمائة عمر القبة التي على المحراب والباب المقابل للمحراب وهو المجاور للمنبر الذي يخطب عليه للعيد، وعمر المنارة القديمة، وقد زالت، وبني عوضها المنارة الموجودة الآن، وأما المدينة يومئذ فقد تقهقرت ونقصت جدا، وقل ساكنها، ومع ذلك فهي مقصودة للبيع والشراء لا تخلو من بركة في معيشتها ببركة أرضها وسكانها من الأنبياء والصحابة والعلماء والأولياء ... وفيها الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي
98
أحد أئمة الدنيا في الحديث، مولده في سنة 214، ووفاته بالرملة سنة 303، وقبره يقال: إنه بظاهر الجامع الأبيض بلصق حائطه من جهة الشرق في حوش هناك، وقيل إنه في عكا، والله أعلم.»
قلنا والراجح أن عكة محرفة عن مكة.
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي:
99
ثم ذهبنا إلى الجامع المبارك المسمى بالجامع الأبيض، وهو جامع كبير متهدم شريف الآثار تشرق فيه الأنوار، يقال: إن تحته خال كالمسجد الأقصى، ويقال: إن نبي الله صالحا عليه السلام مدفون هناك.
وبالرغم من أن مجير الدين العليمي يقول بأن النبي صالحا مدفون في مغارة مهيبة في صحن المسجد السماوي، فإن مقام النبي صالح اليوم في الجانب الشمالي إلى آخر الحد الغربي من الصحن، وعليه قبة، يقصد إليه الزوار، وله موسم زيارة يوم واحد في السنة هو يوم الجمعة الذي يلي عيد الفصح في شهر أبريل «نيسان» عند النصارى. أما المسجد اليوم فهو من الطلول الدوارس، وليس حوله حارات ومساكن، ولم يبق قائما منه إلا جدرانه، ويظهر من آثاره الباقية أنه من عمارة المصريين. «ونرجح أنه في زمن محمد بن قلاوون باني المئذنة»، وأنه كان مبنيا على ست وعشرين قنطرة على الجانبين، في كل جانب ثلاث عشرة قنطرة، وفي الوسط ثلاث عشرة أسطوانة مبنية بالحجر، ومكان محرابه الكبير الضخم يؤلف القنطرة السابعة أي في وسط المسجد، وفي أعلى قنطرة المحراب المصنعة المجوفة المسماة بالعرف المعماري نصف ترنجة.
وللمسجد من خارجه رواقان في ست قناطر، يظهر أنها مستقرة على أساطين في الجهتين الشرقية والغربية، وفي وسط هذه القناطر باب واحد في كلتا الجهتين. ومئذنته قائمة في الجانب الشمالي وإلى جانبها باب آخر، وطول حرم المسجد 75 مترا في مثلها في العرض، وفي وسطه بقايا بركة ماء لا يشك في أنها كانت لوضوء المصلين، كما أن في وسطه قبوين معقودين بالحجر تحت أرض الحرم كانا صهاريج لجمع ماء المطر، فالقبو الذي في الغرب فيه ست عشرة قنطرة في أربعة صفوف متوازية، والذي إلى الشرق فيه عشرون قنطرة في صفين متوازيين، وهذه القناطر جميعها قائمة على قواعد مبنية بالحجارة، ولا تزال آثار رشق الشيد بيضاء ناصعة على جدران القبوين وسقوفهما، وقد قرأنا في مدخل القبو القبلي: «عز نصره وأثابه الله الجنة ورفع درجاته.»
ويقول «بيدكر»:
100
إن هذين القبوين كانا ملجأ للمجاذيب في القرن الثامن للهجرة والسابع عشر للميلاد.
ومما أورده «بيدكر»
101
ولم نجد له أثرا قوله: «إن باب الجامع كان مزخرفا متقنا، وإن الأبواب المطلة على صحن الجامع كانت مزينة بأعمدة.» كما قال الأب مايسترمان في «دليله» إن هذه الأبنية تمثل خانا مع الأهراء التي اكتشفت في التربة الرملية الجافة.
102
قبور الشهداء أو الأولياء
ويقول بيدكر:
103 «إن المسلمين يقولون بأن: أربعين من أصحاب النبي مدفونون في مقبرة الجامع الأبيض. والمسيحيون يقولون بأن: أربعين من الشهداء مدفونون فيها. والحقيقة أن بجوار الجامع الأبيض مدفنا فيه أربعون قبرا متلاصقون يقول عنهم عوام المسلمين: قبور الغزاة.»
بعض أوقاف الجامع الأبيض
علمت من بعض المشايخ أن قرية دير شرف - وهي واقعة على مفترق الطريق من نابلس إلى طور كرم المعروفة اليوم بطول كرم، ومن نابلس إلى جينين - كانت موقوفة على الجامع الأبيض، وكان المتولي عليها الشيخ حسين عبد الهادي مدير إيالة عكا في عهد الاحتلال المصري لسورية، ثم تولى عليها من بعده ابنه سليمان، وبعد سليمان ابنه يوسف ، وهذا الأخير قد تخلى عن الولاية عليها خيفة الإثم؛ فضبطتها الحكومة العثمانية، واعتبرت الجامع دارسا، وأضافت الوقف المذكور إلى الأوقاف المندرسة، ويجبى ريعه إلى اليوم من قبل إدارة الأوقاف الإسلامية في فلسطين.
خلاصة ما تقدم
لقد نقلنا ما وصل إلينا من الأخبار والروايات عن مدينة الرملة البيضاء وجامعها الأبيض في مختلف العصور والأزمان، فاتضح لنا أن الرملة مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك بن مروان سنة 98ه/716م من سني خلافته، وأن جامعها أيضا من بناء المذكور، وأن الرملة هي رابع مدينة إسلامية كبرى بناها الخلفاء. نقلنا كل ذلك لنتصل منه إلى وصف مئذنة الجامع الأبيض التي كانت السبب في كتابة هذا البحث. (8) المئذنة
أول من جاء على ذكرها من جغرافيي العرب هو المقدسي، فقد قال
104
عند ذكره الجامع الأبيض: «وله منارة بهية.» ولم يزد.
105
وقد سبق بيان ذلك.
ولكن المئذنة التي سنصفها ليست هي التي رآها المقدسي، فإن هذه قد انقضت في الزلزال الذي حدث سنة 425ه/1033م وشمل جميع الأرض المقدسة، وتوالت الحروب الصليبية، فخربت الرملة في جملة ما خرب من البلدان، أما المئذنة الحاضرة فقد أقيمت على أنقاض منارة ثانية بناها الملك الظاهر بيبرس بعد استرداده الرملة من أيدي الصليبيين، وكان إنشاؤها - المئذنة الحالية - في سنة 718ه/1318م كما يتضح ذلك من الكتابة التاريخية المنقوشة على بابها الرخامي، فقد نقش على الجانب الأيمن منه «لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودينه.»
ونقش على الجانب الأيسر منه: «وكانت عمارة هذه المأذ»، والكلمتان الأخيرتان مقتطعتان من «دين» و«المئذنة»، ومتروكتان بدون إتمام عمدا كأنهما تجربة قلم.
وفي وسط الباب وجانبيه على حجارة من رخام ثلاثة أسطر فيها ما يلي: (1) «بسم الله الرحمن الرحيم. )إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله(. أمر بإنشاء هذه المئذنة المباركة مولانا السلطان الملك الناصر العالم (2)
العادل المجاهد المرابط المثاغر، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، قاتل الكفرة والمشركين، ملك العرب والعجم، مالك رقاب الأمم، حافظ بلاد الله، ناصر الدنيا والدين أبو الفتح محمد بن مولانا (3)
السلطان الشهيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين أدام الله أيامه، ونشر بالنصر ألويته وأعلامه، وكان الفراغ من إنشائها في نصف شهر شعبان سنة ثمان عشرة وسبع مائة.»
والملك الناصر هذا هو التاسع من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والبلاد الشامية، ويعرفون بالمماليك البحرية، تسلطن للمرة الأولى سنة ثلاث وتسعين وستمائة 1293م، وهو صبي لم يبلغ الحلم ودون العاشرة من العمر، وخلع منها لحداثة سنه سنة 694ه/1294م، ثم أعيد إليها مرة ثانية سنة 698ه/1298م، وظل فيها إلى سنة 708ه/1308م، ثم خلع نفسه منها.
ومن أعماله الغريبة في سلطنته هذه الثانية رسمه لليهود بأن يلبسوا عمائم صفراء، والنصارى زرقاء، والسامرة حمراء، مما ترى آثاره باقية إلى الآن عند بعض الطوائف، ثم عاد للسلطنة مرة ثالثة سنة 709ه/1309م، وحكم إلى أن توفاه الله سنة 741ه/1340م. ولم يذكر لنا التاريخ عمارته لهذه المئذنة إلا أنه ذكر لنا قدومه من مصر إلى غزة، ومنها لزيارة بيت المقدس ومدينة الخليل عليه السلام في سنة 717ه/1317م أي قبل سنة من إتمامها، فترجح معنا أنه عرج على الرملة، وهو في طريقه، وقد كانت إذ ذاك من الولايات الصغار بها جندي،
106
ورأى جامعها الشهير ومنارته فأمر بإنشائهما، وتم له ما أراد بعد انقضاء عام واحد.
ولو ظل الجامع قائما إلى الآن لعثرنا على ما يؤيد هذا الظن والتخمين. وقد ذكر المؤرخون:
107
أنه في تلك السنة وسع جامع القلعة في القاهرة، وأنشأ به المئذنة الخضراء، أما عمارته للمساجد والقناطر والجسور وغيرها، فقد أجمعوا على أنها تزايدت في أيامه مقدار النصف سواء في الديار المصرية أو في البلاد الشامية.
ومع أننا لم نتحقق اسم المعلم الذي بنى هذه المئذنة البديعة المعدودة من المفردات التي لا نظير لها، فلا نعدم وسيلة تاريخية تبعث بنا إلى الظن بأن المعلم ابن السيوفي رئيس المهندسين في الأيام الناصرية هو الذي أنشأها؛ لأن هذا المهندس الفذ هو أول من بنى مئذنة بالحجر في المدرسة الأقبغاوية في القاهرة بعد المئذنة المنصورية
108
التي أنشئت في زمن الملك المنصور السلطان الشهيد قلاوون الألفي الصالحي والد السلطان الملك الناصر، وقد كانت المآذن قبل ذلك تبنى بالآجر.
والمئذنة مبنية بالحجر النحيت، مربعة الشكل ذات خمسة طوابق، طولها من قاعدتها 25 مترا و63 سنتيمترا، وطول القاعدة وحدها متر واحد و15 سنتيمترا، ويصعد إليها بسلم عدد درجاته 125 درجة منها 95 درجة كبيرة، وعلى رأس الدرجة الخامسة عشرة والدرجة الأربعين والخامسة والخمسين، أي الطوابق الثلاثة، شبه غرفة صغيرة لها باب ونوافذ يدار به من حولها، وربما كانت هذه الغرف أقيمت لتماسك البناء وتقويته بعضه ببعض أو جعلت لتكون مقاما للمؤذنين في الليل أو لأخذهم نصيبا من الراحة في صعودهم إليها في النهار، ومن الأدراج خمس عشرة في الطابق الرابع وخمس وعشرون في الخامس و25 درجة صغيرة، حيث تضيق أطراف المئذنة في أعلاها، وفي كل جانب من الطوابق الثلاثة الأولى نافذة، وفي كل من الطابقين الأخيرين ثلاث نوافذ جميلة مزينة أطرافها بأعمدة صغيرة من الرخام بديعة الصنع، وناصية المئذنة وبابها الجميل متجهان إلى القبلة تلقاء المسجد، وكذلك أجمل نوافذها فإنها في الجانب القبلي، ويرى الناظر من أعلى المئذنة منظرا شائقا جميلا على سهول فسيحة.
ويقول بيدكر:
109
إن هذه المئذنة - ويسميها البرج - يذكرنا بالمباني التي أنشأها الصليبيون على الطراز الرومي
Roman ، وإن في زواياه الأربع حصونا مرتفعة، وإنه في سنة 1063ه/1652م وضعت عليه علامة قد درست الآن.
والأغرب بعد هذا كله أن تدعي إدارة الآثار والعاديات في فلسطين أن هذه المئذنة من الأبراج الصليبية، ضاربة بكل الحقائق التاريخية عرض الحائط. والشكل الأول من الصور الشمسية يصور مدخل المئذنة، والثاني يصور المئذنة من الجهة القبلية، والثالث والرابع والخامس للشمال والشرق والغرب. (9) الرملة في الشعر العربي
رافقت مدينة الرملة المدنية الإسلامية في جميع أدوارها، وكانت مقر حادثات عظيمة في التاريخ والسياسة؛ ولذلك فقد كثر ورودها في الشعر العربي، ونحن نجتزئ هنا بنقل ما وعته الذاكرة غير مستقصين.
لكثير عزة:
حموا منزل الأملاك من مرج راهط
ورملة لد أن تباح سهولها
لجميل بثينة:
تذكر أنسا من بثينة ذا القلب
وبثنة ذكراها لذي شجن نصب
وحنت قلوصي فاستمعت لسجرها
برملة لد وهي مثنية تحبو
للمتنبي يودع أبا محمد الحسن بن عبد الله بن طغج:
ما ذا الوداع وداع الوامق الكمد
هذا الوداع وداع الروح للجسد
إذا السحاب زفته الريح مرتفعا
فلا عدا الرملة البيضاء من بلد
ويا فراق الأمير الرحب منزله
إن أنت فارقتنا يوما فلا تعد
لأبي الحسن علي بن محمد التهامي الشاعر خطيب الرملة يرثي ولده:
أبا الفضل طال الليل أم خانني صبري
فخيل لي أن الكواكب لا تسري؟
أرى الرملة البيضاء بعدك أظلمت
فدهري ليل ليس يفضي إلى فجر
وما ذاك إلا أن فيها وديعة
أبى ربها أن تسترد إلى الحشر
بنفسي هلال كنت أرجو تمامه
فعاجله المقدار في غرة الشهر
للعماد الأصفهاني يمدح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب:
ويوم الرملة المرهوب بأسا
تركت الشرك منزعج القطين
وكنت لعسكر الإسلام كهفا
أوى منه إلى حصن حصين
وقد عرف الفرنج سطاك لما
رأوا آثارها عين اليقين
وأنت ثبت دون الدين تحمي
حماه أوان ولى كل دين
للشيخ عبد الغني النابلسي:
ولرب قوم فاخروا
في مصر أرض القدس جمله
قالوا كثير الرمل في
مصر بدا لا تستقله
فأجبت أن القدس قد
فاقت على مصر برمله
وله أيضا:
عرج على الرملة البيضاء بالرغد
يا أخضر العيش واصبر ثم واتئد
وأنت يا حظ كن طبق المراد لمن
هناك من والد سام ومن ولد
وانشر ضياءك يا بدر الكمال على
سماء تلك النواحي الغر واتقد
ومنها:
بهم فلسطين في عز برملتها
إن رمته في سواها اليوم لم تجد
الرقم التاريخية في مدينة الرملة
1
ضريح الفضل بن عباس
ما كتب على بلاطة كانت فوق مدخل الضريح، وهي الآن ملقاة على الأرض في الباحة بين نافذة الضريح ونادي جمعية الشبان المسلمين: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم أنشأ (2)
هذا المكان المبارك الخاقان العالي المولوي الأميري (3)
الكبيري المخدومي الشجاعي شاهين الكمالي وأوقف ابتغاء وجه الله (4)
جميع الحاكورة والدكان بالرملة المعروفتان بابن الفقيه علي بالقرب من الجامع الأبيض شمالي البيارة (5)
وكان الفراغ من ذلك في عاشر شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة.
وكتب على باب الضريح: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد (2)
رسول الله. )كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو (3)
الجلال والإكرام(. هذا سيدي الفضل بن العباس (4)
ابن عم رسول الله، رضي الله عنه.
قال مجير الدين الحنبلي المتوفى سنة 927ه/1521م في «الأنس الجليل» بتاريخ القدس والخليل «جزء 3 صفحة 418» ما ملخصه: «الفضل بن العباس رضي الله عنهما ... وكان والده يكنى به، وهو الذي غسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لما توفي ... وهو في مشهد يقصد للزيارة، وقد بنى عليه الأمير شاهين الكمالي استادار الرملة منارة، وجعل فيها مسجدا جامعا تقام فيه الجمعة والجماعة، ووقف عليه أماكن، ورتب فيه وظائف، وكانت عمارته سنة 854ه، وقد تلاشت أحوال المسجد في عصرنا، وخرب معظم الوقف.»
قلنا: والفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي صاحب الضريح هو ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وقد قضي مجاهدا في سبيل دينه.
وبالرغم من أن تاريخ وفاته ومكانها لم يتفق عليهما العلماء، بل ذهبوا فيهما مذاهب كما يقول ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852ه/1448م في كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة» «ج5، ص212»: «قال الواقدي: مات في طاعون عمواس، وتبعه الزبير وابن أبي حاتم، وقال ابن السكن: قتل يوم أجنادين في خلافة أبي بكر. وقيل: باليرموك. وذكر ابن فتحون أنه وقع في «الاستيعاب» قتل الفضل يوم اليمامة سنة خمس عشرة، وتعقبه بأن قال: لا خلاف بين اثنين أن اليمامة كانت أيام أبي بكر سنة إحدى أو اثنتي عشرة. وقال ابن سعد: مات بناحية الأردن في خلافة عمر.
والأول هو المعتمد وبمقتضاه جزم البخاري، فقال: مات في خلافة أبي بكر.»
بالرغم من هذا جميعه، فإن القبر الوحيد المعروف لسيدنا الفضل والذي تناقل الخلف أخباره عن السلف هو هذا الموجود بالرملة.
ووقف الأوقاف عليه، وبقاء تلك الأوقاف إلى يوم الناس هذا يؤيد الرأي القائل بوفاته في طاعون عمواس، ويجعلنا لا نستبعد دفنه في الرملة.
ويزيدنا استمساكا بهذا الرأي ما نجده من أضرحة الكثيرين من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في فلسطين وشرق الأردن، ومعرفة الناس لهم بأسمائهم، في حين أن التواريخ لا تشير إلى أماكن وفاتهم أو محال دفنهم، بل تقتصر على القول بأنهم ماتوا في الشام، والشام قطر واسع يشمل اليوم حكومات سورية ولبنان والعلويين فوق اشتماله على فلسطين وشرق الأردن.
صفة قبر الفضل
يرتفع القبر عن سطح الأرض نحو شبر واحد، وعلى جهة الرأس والرجل منه شاهدتان مستديرتان، كتب على الأولى منها بخط بين الكوفي والنسخي: «لا إله إلا الله.»
وقد كسي من فوقه بسترة خضراء على قفص من خشب، كما نراه في أغلب الأضرحة بهذه الأيام.
رأي في الجمالي والكمالي
الرقيم كتب عليه شاهين الكمالي، وكذلك نقله مجير الدين الحنبلي، ولكن لي رأي خاص في أن النسبة الصحيحة هي «الجمالي»؛ لأننا لم نطلع على أحد انتسب ب «الكمالي» من المصريين، ويؤيد هذا الرأي أن الجيم يلفظها أهل مصر كالكاف في بلاد الشام، فالظاهر أنهم نقروها في الرقيم بالرملة أخذا من الأفواه، فجاءت الكمالي بدلا من الجمالي، هذا ونجد ابن إلياس في تاريخ مصر يذكر شاهين الجمالي غير مرة بسبب إقراره في نيابة جدة سنة 872ه/1467م، ثم في إمرة الركب الأول للحج، ثم مشيخة الحرم الشريف النبوي بعدها.
فلعل شاهين الكمالي هذا هو نفس شاهين الجمالي المذكور في تاريخ مصر.
2
وعلى لوح ضريح من الرخام ملقى في مكان يدعى بالسندارية بالخط الكوفي بلا نقط: (1) (بسم الله الر)حمن الرحيم (2) )(الله لا إل)ه إلا هو الحي القيوم (3) (لا تأخذ)ه سنة ولا نوم له ما (4) (في ال)سموات وما في الأرض (5) (من) ذا الذي يشفع عنده إلا بإ (6) (ذ)نه يعلم ما بين أيديهم وما (7) (خ)لفهم ولا يحيطون بشيء من (8)
علمه إلا بما شاء وسع كرسيه (9)
السموات والأرض ولا يؤوده (10)
حفظهما وهو العلي العظيم(. (11)
هذا قبر عاتكة ابنت جعفر بن (12)
أحمد بن محمد بن نصر السنداري (13)
توفيت يوم الاثنين النصف من (14)
جمادى الأولى سنة إحدى وعشرة (15)
وثلاث مائة رحمها الله.
لم نجد اسم عاتكة، ولا اسم والدها بما بأيدينا من الكتب، في حين أن هذا الرقيم لمصنوع من المرمر المسنون بحجم كبير وشكل لطيف يدل على أنها كانت من بنات الأعيان.
وبقاء اسم الأرض «السندارية» إلى الآن نسبة إلى أسرتها يؤيد ما ذهبنا إليه.
وقد كنت نشرت نسخة هذا الرقيم في مجلة الزهراء الغراء التي تصدر في القاهرة «مجلد 3، ص579» ولكنني أخطأت في تعيين كلمة جعفر في السطر الحادي عشر، فظننتها معقل، وكلمة السنداري في السطر الثاني عشر فحسبتها النداف، وبعد أن أعدت النظر على الرقيم أدركت خطئي لذلك صححته على الوجه المحرر أعلاه.
وقد نقل هذا الرقيم أخيرا إلى التحفة الإسلامية في المسجد الأقصى ببيت المقدس.
3
على باب مسجد قديم مهجور في محلة السرايا: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. )إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر( أنشأ هذا (2)
المسجد المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن صديق رحمه الله بتاريخ رجب سنة إحدى وخمسمائة.
لا ندري من هو هذا الرجل فإن المؤرخين كانوا لا يأبهون لأمثاله، بل نراهم يشيدون بذكر من يمتون إلى أعمال الحكومة بصلة ولو لم يستحقوا ذلك.
ولا شك في أنه كان من أهل الخير الغير على دينهم، فأنشأ ذلك المسجد ابتغاء مرضاة الله، وقد عطلت الصلوات فيه الآن، إلا أن الزمان أبقى على اسم منشئه أثابه الله.
4
على قطعة من الرخام مكسورة متداخلة في بناء قبر الشيخ صالح العدوي المدفون في دار تعرف بدار العدوي، ويقال إنها كانت زاوية في حارة السرايا والكتابة بالخط الكوفي: (1)
بسم الله (الرحمن الرحيم) (2) )قل هو (الله أحد الله) (3)
الصمد لم (يلد ولم يولد) (4)
ولم يكن له (كفوا أحد)(.
نرجح أن هذه القطعة كانت مقدمة في لوح الضريح الذي كسر وفقد.
قال مجير الدين الحنبلي في «الأنس الجليل»، ج2، ص419: الشيخ محمود العدوي صالح مشهور له كرامات ظهرت، وكان موجودا في سنة 668، وقبره في مشهد بحارة العناية يقصد للزيارة.
ولا ندري إذا كان العوام اتخذوا اسمه الحالي من صفته في الصلاح أو هو آخر من أسرة العدوي، قلنا: ونجد لهذه العائلة ذكرا في القرن التاسع الهجري، حيث يترجم السخاوي في «الضوء اللامع في رجال القرن التاسع» لأحمد بن محمود بن عبد السلام بن محمود خطيب صرفند العدوي.
ولم يذكر لنا ياقوت في «معجم البلدان» غير صرفندة بين صور وصيدا.
أما نحن فنظن أن صرفند التي كان العدوي خطيبها هي الواقعة بالقرب من مدينة الرملة، وفيها اليوم المطار البريطاني العظيم بفلسطين وأدوات لتعمير الطائرات.
ولا يزال البعض من أهل لد المجاورة للرملة يحملون اسم العدوي، مما يدلنا على أن هذه الأسرة قديمة العهد بتلك الديار.
5
على الباب الداخلي للجامع الكبير الذي تقدم القول عنه بأنه كان كنيسة نصرانية، وهذا الباب يعرف بباب عمر: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد (2)
عمرت هذه المئذنة المباركة في الأيام الزاهية السلطانية (3)
الملكية الناصرية ناصر الدنيا والدين أبي الفتح محمد بن السلطان الشهيد الملك (4)
المنصور قلاوون أدامها الله على الإسلام بأمر المقر العالي ... (5)
العبد الفقير إلى الله تعالى ... (6)
بتاريخ شوال سنة أربع وسبعمائة.
وتحت هذا الطغراء العثمانية (وهي شارة ملوك آل عثمان وبجانبها اسم رشاد).
وتاريخ غرة ربيع الثاني سنة 1330، واسم كمال أبي جعفر، وهذا التاريخ يرمز إلى ترميم المسجد الأخير في عهد السلطان محمد الخامس الملقب برشاد. •••
الملك الناصر محمد بن قلاوون هذا هو باني مئذنة الجامع الأبيض الذي تقدم الكلام عليها.
ولكنه عمر مئذنة الجامع الكبير في سلطنته الثانية، وبنى مئذنة الجامع الأبيض في سلطنته الثالثة.
ومن المؤسف أن يلتبس علينا أمر قراءة اسم وصفات المقر العالي الذي عمرت بأمره فنحرم معرفته.
وفي باحة هذا المسجد وعلى جدرانه رقم تاريخية عديدة ، تتضمن أبطال المكوس وغيرها، وهي من نوع البلاغات الرسمية التي تنشرها الحكومات بين أفراد الشعب، ونجد أمثالها في باحة المسجد الأقصى ببيت المقدس، ومساجد طرابلس وحلب وغيرها من قواعد الإسلام.
ولكن حجارة الرقم الرملية قد تشوهت إلى حد أنه لا يستطاع تأليف جملة صالحة منها، فأضربنا عن نقلها.
6
على حجر من الرخام في زاوية خربة تسمى قبة الشيخ محمد القلجي، في حارة الباشوية بجوار الشيخ رسلان والشيخ عبد الله البطائحي، وفي المكان المبنية به البلاطة آثار محراب وقد سقطت القبة: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. )إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم (2)
الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا (3)
من المهتدين(. أمر بإنشاء هذه القبة المباركة الفقير إلى الله تعالى بكتمر (4)
ابن بلفط بن عز الدين الفتحي المتوفى إلى رحمة الله تعالى في شهر (5)
ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبعمائة بمآثر ولده الفارس بناء المعلم خليل ابن المعلم (6)
ابن القيم البناء غفر الله لهما أجمعين.
لم نعثر على اسم الفارس ابن بكتمر بن بلفط بن عز الدين الفتحي المذكور، ولا على اسم والده في الكتب التي بين أيدينا، ولكننا وجدنا في تاريخ ابن إياس، ج1، ص147 أن الملك الناصر محمد بن قلاوون قبض في جملة من قبض عليهم من الخاصكية على بكتمر الفارسي، ورسم له أن يتوجه إلى بيت المقدس، وذلك سنة 707ه/1307م بسبب تغير خاطر السلطان على نائبه بمصر سالار ووقوع الفتنة بينهما.
فلعل بكتمر هذا هو الذي جاء بيت المقدس وما إليها، وأمر بإنشاء هذه القبة قبل وفاته، فأتمها ابنه الفارس بعده. وقد استفدنا من هذا الرقيم معرفة بناء من بنائي العرب - نعني بذلك مهندسيهم - ألا وهو المعلم خليل بن المعلم ابن القيم.
وكان صديقنا المرحوم أحمد تيمور باشا - الذي ما زلنا نبكيه ونذكر مآثره وآثاره العلمية - كتب مقالة ضافية الذيل عن المهندسين الإسلاميين في مجلة الهندسة في مصر، ذكر فيها من استطاع الاطلاع على أخبارهم في بطون الكتب وثنايا الأسفار من مهندسي الدول الإسلامية، وبالطبع لم تتصل به أنباء من لم يسعدهم الحظ بتدوين أسمائهم فيها، وظلوا كمعلمنا هذا على الرقم الجامدة.
7
على باب مكان يسمى زاوية عمران في حارة الباشوية: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. )إنما يعمر مساجد الله (2)
من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة (3)
ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين(. (4)
أنشأ هذا المسجد المبارك الفقير إلى الله تعالى (5)
أحمد بن شادي عفا الله عنه ولسائر المسلمين آمين (6)
بتاريخ مستهل ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعمائة.
لم نطلع على شيء من أمر باني هذا المسجد الذي يظهر أنه كان من أهل الخير الذين ليس لهم صلة بالأعمال الحكومية. •••
وحارة الباشوية هذه على ما يظهر محرفة عن محلة باشقردي التي ذكرها مجير الدين الحنبلي في تاريخه، وباش قردي مؤلفة من كلمتين تركيتين باش «الرأس» وقردي «كسر» ومعناها كسر الرأس.
فالظاهر أن العوام حرفوها إلى الباشوية والباشاوات على كل حال كانوا من كاسري الرءوس ومذلي النفوس.
8
على حجر مبني بحائط قبة في باحة الجامع الكبير: (1)
بسم الله (2)
الرحمن (3)
الرحيم (4)
هذا قبر (5)
الفقير (6)
إلى الله (7)
تعالى (8)
شهاب (9)
الدين (10)
توفي سنة (11)
أربع وستين (12)
وسبعمائة.
أول ما يتبادر إلى الذهن أن يكون هذا الضريح للشيخ شهاب الدين بن رسلان الذي عمر مشهد النبي روبيل المتقدم ذكره كما قاله مجير الدين الحنبلي في تاريخ القدس والخليل «ج2، ص420»، فاقتصروا في تدوين اسمه على المشهور عندهم.
ولكن شهاب الدين بن أحمد بن حسين بن حسن بن يوسف بن علي بن رسلان هذا على الرغم من كونه ممن ولدوا في الرملة، وأقاموا فيها، فإنه توفي ببيت المقدس سنة 844ه/1440م ودفن بتربة ماملا، على ما ذكره مجير الدين نفسه في «الأنس الجليل»، ج2، ص516.
فيكون شهاب الدين صاحب الضريح غيره، ومن الذين سبقوه إلى دار البقاء ممن لم نطلع لهم على ترجمة أو خبر.
9
على ضريح مصنوع من الرخام الجميل لأبي العون ضمن مسجد كبير، والضريح اليوم ضمن مقبرة خاصة بآل الفاروقي من أبناء أبي العون.
على الناحية الشرقية من الضريح: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم. )إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما(. (2) )ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون(.
على الناحية الغربية من الضريح: (1)
هذا قبر العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الأنام العالم العامل العلامة المحقق المدقق (2)
السند الحاج الناسك مربي المريدين قدوة الأولياء العاملين العارف بالله والداعي لسنة رسوله (3)
أبو العون محمد الغزي الشافعي الفاروقي شيخ شيوخ السادة القادرية بالثغور (4)
الفلسطينية والممالك الإسلامية عاد الله على المسلمين ببركاته (ونفعهم بها) في الدنيا والآخرة (5)
وإنه توفي يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر من شهور سنة عشر وتسعمائة تغمده الله برحمته ورضوانه (6)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال مجير الدين الحنبلي في «الأنس الجليل»، ج2، ص421 عند ذكره ضريح سيدنا علي بن عليل من أحفاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الموجود بساحل أرسوف المدينة القديمة البائدة المسماة الآن بالحرم الذي يقصد إليه في صيف كل سنة خلق كثير من الناس من البلاد البعيدة والقريبة؛ لإقامة موسم فيه ينفقون فيه الأموال الجزيلة، ويقرأ عنده المولد الشريف النبوي، قال عند ذكره ذلك: «وفي عصرنا ولي النظر عليه سيدنا ومولانا وشيخنا ولي الله تعالى قدوة العباد وإمام الزهاد وبركة الوجود والعباد شمس الدين أبو العون محمد الغزي القادري الشافعي نزيل جلجوليا
1
شيخ السادة القادرية بالمملكة الإسلامية متع الله الأنام بوجوده، فعمر المشهد وأقام نظامه وشعاره وفعل آثارا حسنة، منها الرخام المركب على الضريح الكريم، عمله في سنة ست وثمانين وثمانمائة، وكان قبله يعمل عليه ضريح من خشب، وحفر البئر التي بصحن المسجد حتى وصل إلى الماء المعين، ثم عمر برجا على ظهر الإيوان من جهة الغرب للجهاد في سبيل الله تعالى، ووضع فيه آلات الحرب لقتال الإفرنج، وكانت عمارته بعد التسعين والثمانمائة وغير ذلك من أنواع العمارة والخير، أثابه الله تعالى ثوابا جزيلا ومد في حياته أمدا طويلا.
وتوفي شيخنا أبو العون الغزي في ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة بمدينة الرملة.»
وقد نقلنا هذه العبارة على طولها؛ لأنها تتعلق بموسم آخر من المواسم الفلسطينية.
أما قول مجير الدين: وتوفي شيخنا، بعد أن طلب له الثواب وطول العمر؛ فهو لأنه أتم تأليف كتابه سنة 900ه/1494م، حيث كان المترجم له ما يزال في قيد الحياة، فختم عبارته بذلك.
ثم أضاف تاريخ وفاته إليها بعد انقضاء عشرة أعوام من تأليف الكتاب.
10
على باب ديوان صديقنا الشيخ سليمان التاجي الفاروقي الكاتب الفحل، والشاعر المجيد، والعالم المعروف بمعري فلسطين: «سنة 1106».
آل الفاروق ينتسبون إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والشيخ أبو العون المتقدم ذكره هو جدهم، ومن نسله طائفة صالحة من أعيان فلسطين وأغنيائها، وهذا التاريخ الموجز يدلنا على سنة بناء الديوان، والديوان: هو المكان المعد لقبول الأضياف والزوار باصطلاح الفلسطينيين.
على أن الديوان لغة - بكسر أوله، وفتحها - مجتمع الصحف والكتاب، يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية، وأول من وضعه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فكأنهم اشتقوه من المجتمع؛ لأنهم يجتمعون في «الديوان» طوائف وجماعات للسهر والسمر.
ويقال في اليمن لمثل ذلك المكان: المفرش. كأنهم اشتقوه مما فيه من الفرش والرياش، ولعل له في كل بلدة اسما خاصا درج عليه الناس.
11
على قطعة من الرخام موضوعة على قبر بدون تاريخ إلى جانب ضريح أبي العون: (1)
محمد أغا غفر ... (2)
توفيت في ختام شهر ربيع الآخر سنة 1229.
يظهر أن هذه الرخامة كانت على قبر لامرأة ذهب اسمها في القسم الذي تحطم منها، وإن كانت ليست من الآثار التي يعدها العلم قديمة، فإننا ذكرناها لوجودها إلى جانب ضريح أبي العون - عليه رحمة الله.
12
على بلاطة في الجانب الأيمن من بناية بئر المارستان: (1) )وجعلنا من الماء كل شيء حي(. أمر بتعمير هذا السبيل المبارك سعادتلو (2)
أفندينا المعظم رءوف باشا متصرف لواء القدس الشريف ما زال ملحوظا بعناية الملك اللطيف (3)
في أواخر شهر جمادى الأولى خلت من سنة 1305.
حول هذه البناية آثار أحواض من رخام، وقد وضعت على البئر آلة بخارية لرفع الماء من قعرها ودفعه للمدينة بقوة ستة عشر حصانا.
وبجوار هذه البئر بئر جديدة أخرى، وعليها آلة بخارية تدفع الماء للمدينة أيضا، وقد نقلنا هذه الكتابة الحديثة العهد التي لا تحسب في الرقم الأثرية؛ لأنها على بئر كانت لمارستان قديم، والمارستان باصطلاح زمانه هو المستشفى وإن كان أطلق في الأزمنة المتأخرة على دور التمريض الخاصة بالأمراض العقلية.
نامعلوم صفحہ