قلت: وفي جواب الصني المذكور نظر وكان الأولى أن يقال مثل القديم لا بد أن يقدر قدمه ولا يصح أن يكون مجدثا ومالا يصح أن يكون محدثا فلا يصح أن يكون مقدورا؛ لأن المقدور هو ما يصح فعله ولا بد أن يتقدم وجوده حاله عدم تثبت صحة إيجاده فيها، فإذن ليس مثل القديم مقدورا بل هو مستحيل وما كان مستحيلا لم يصح وصف القديم بالقدرة عليه، وقد ورد في الأثر عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لله عبادا هم الخصماء للصادين عن دين الله يخاصمونهم بحجة الله هم قادة الحق والدعاة إلى الله والدابون عن جريمة والقائمون بأمره فمن أتبعهم سلم ومن خالفهم خسر أولئك بنيت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، وإذا تؤمل معنى هذا الخير عرف أن المراد بهم أهل علماء الكلام إذ تلك أوصافهم والله أعلم. ويدعون عظم الخطر في تفهمه. عظم الشيء كثرته، والخطر له معان المراد منها هنا الإسراف الهلكة، ومن معانيه القدر خطر الرجل قدره، فلم يجهلوا والله قدره أي لم يحملهم على ذلك التمني وتلك الدعوى جهلهم بقدر هذا الفن وعظيم نفعه، بل ما يأتي ذكره وليس هذا على عمومه فكم جاهل القدرة معتقد لضره غير مطلع على حقيقة أمره ولا جحدوا بذلك، فحده الفخر الإفتخار وعد مفاخرة الآباءة وفيما ذكره بطرقائهم جاحدون لفخره لا محالة إلا أن يريد به لم يحصل لهم ما حاولوه انكتام فخره وسرف محله، أو ممن جحدوا معنى ستروا أو غطوا ولكن رأوا بعد شأوة الروية هنا بمعنى العلم والشأو الغاية إلى فوق وعز مناله أي تصعب نيله أو مكان نيله وهو إدراكه فأظهر وانجلد إكراهه وصالة التجلد التكلف والإظهار للجلد وهو الصلابة وهو هنا مفعولا له، والمعنى أظهر وإكراهه هذا الفن والإعتلاق به، والوصال ضد المصارمة تجلدا منهم وبعدا عن الإعتراف بالعجز عن إدراكه لبعد شأوه وتكلموا فيه بلسان قاصر أي تكلموا في النهي عنه ودعوى الخطر فيه والصد عن تعلمه بلسان عاجز عن بلوغ ما أراد وأمن ذلك وقلت حائر أي متحير في أمره.
فهم في ذلك كما قال الشاعر:
وثب الثعلب يوما وثبة ... طلبا منه لعنقود العنب
ثم لما لم ينله قال ذا ... حامض ليس لنا فيه أرب
صفحہ 43