معراج الی کشف اسرار
المعراج إلى كشف أسرار المنهاج
اصناف
الأولى: هؤلاء الذي ذكرهم رحمه الله وسموا سوفسطائية وسوفسطية لأن السفسطة إنكار العلم بالمشاهدات وغيرها من المعلومات، حكى الحاكم عن بعض المشائخ أنه قال لواحد منهم: ألقولك لاحقيقة للأشياء حقيقة أم لا؟ فإن قلت: نعم ناقضت، وإن قلت: لا أثبت للأشياء حقيقة.
الفرقة الثانية: تسمى العندية والعنود لقولهم بأن حقيقة كل شيء ما كان عند الإنسان زعموا أن حقائق الأشياء تابعة للاعتقادات وليس لها في أنفسها حقيقة فمن اعتقد في العالم أنه قديم فهو قديم ومن اعتقد فيه أنه محدث فهو محدث.
الفرقة الثالثة: قالوا لاحقيقة إلا لما يشاهد بالحواس دون غيره فأبطلوا سائر المعقولات غير المشاهدات وأثبتوا المحسوسات فقط، ومن المناظرات المحكية مع أهل التجاهل ما حكاه الحاكم عن أبي الهذيل رحمه الله. قال: ناظره جهم في دار المأمون فأنكر جهم في حال المناظرة سائر الأشياء فأمر أبو الهذيل بدابته فذهب بها وجيء بكلب فأقيم مقامها، فلما خرج قال: أين الدابة. فقال له أبو الهذيل: أي دابة؟ قال: ما كنت راكبا؟ قال: أبو الهذيل لم يكن لذلك حقيقة لعلك تظنه. فقال: لا بل كان لي دابة. قال: لعله هذا. قال جهم: هذا كلب. قال: لعلك تظنه كلبا وهو دابة فما زال أبو الهذيل يراجعه على هذا القياس حتى رجع عن مذهبه.
ودخل أبو الهذيل على صالح بن عبدالقدوس يعزيه عن ولد له جزع عليه جزعا عظيما، فقال: ما هذا الجزع وقد عرفت الاعتقاد. فقال صالح: ليس جزعي عليه لموته ولكني صنفت كتابا أحب أن كان قرأه. قال أبو الهذيل: وما ذلك. قال: كتاب الشكوك. قال أبو الهذيل: وما فيه؟ قال صالح: من قرأه شك فيما كان لعله لم يكن وفيما لم يكن لعله كان. قال أبو الهذيل: فيجب إذن أن تشك لعل ابنك لم يمت وتشك لعله قرأ، فانقطع.
صفحہ 136