Meanings of Grammar
معاني النحو
ناشر
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
پبلشر کا مقام
الأردن
اصناف
معاني النحو
الجزء الأول
الدكتور فاضل صالح السامرائي
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
معاني النحو
1 / 3
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
اللهم انفعني بما علمتني وزدني علمًا.
وبعد:
فإنه من المعلوم أن علم (النحو) يُعنى، أول ما يعنى، بالنظر في أواخر الكلم، وما يعتريها من إعراب وبناء، كما يعنى بأمور أخرى على جانب كبير من الأهمية، كالذكر، والحذف والتقديم، والتأخير، وتفسير بعض التعبيرات، غير أنه يولي العناية الأوى للاعراب.
وهناك موضوعات ومسائل نحوية كثيرة، لا تقل أهمية عن كل ما بحثه النحاة، بل قد تفوق كثيرا منها، لا تزال دون بحث، لم يتناولها العلماء بالدرس ولم يولوها النظر.
قد أبدو مغاليا في هذا الزعم، ولكن هذا الزعم حقيقة. أننا عجز عن فهم كثير من التعبيرات النحوية، أو تفسيرها، ولا نستطيع التمييز بين معانيها، فمن ذلك على سبيل المثال.
ما الفرق في المعنى بين قولك: (لا رجلَ - بالفتح - في الدار)، و(ما من رجل في الدار) مع أن كلتا العباراتين لنفي الجنس على سبيل الاستغراق؟
ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ وقوله: ﴿وما من إله إلا الله﴾ لم نفى العبارة الأولى بـ (لا) والثانية بـ (ما)؟
ما الفرق في المعنى بين قولك (ليس محمد حاضرا) و(ما محمد حاضرا) و(إن محمد حاضرا) أقول ما الفرق في المعنى، وليس في الاعراب؟
ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿قل لست عليكم بوكيل﴾ وقوله: ﴿وما أنا عليكم بوكيل﴾ لماذا نفى العبارة الأولى بليس، والثانية بـ (ما)؟
1 / 5
ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿وما أنا إلا نذير مبين﴾ وقوله: ﴿إن أنا إلا نذير مبين﴾ لماذا نفى العبارة الأولى بـ (ما) والثانية بـ (إن)؟
أهو لمجرد التغيير في التعبير، أم هو لمعنى مقصود؟
ما الفرق بين التعليل باللام، وكي؟ أهناك فرق في المعنى بين قولك (جئت لاستفيد) و(جئت كي استفيد) أم هما بمعنى واحد؟
قال تعالى: ﴿فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق﴾ [القصص: ١٣] فجاء بالتعليل الأول بكي (كي تقر) والثاني باللام (لتعلم) فلم كان ذاك؟
أهذا التغيير لمعنى مقصود أم هو لمجرد التغيير؟
ثم ما الفرق بين أنواع التعليل المختلفة؟
هناك تعليل باللام مثل ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ [هود: ١١٨ - ١١٩].
وتعليل بالباء مثل: ﴿ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون﴾ [البقرة: ١٠].
وتعليل بمن مثل: ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾ [الأنعام: ١٥١].
وتعليل بفي مثل: ﴿لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم﴾ [النور: ١٤].
وتعليل بعن كقوله تعالى: ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده وعدها إياه﴾ [التوبة: ١١٤].
وتعليل بعلى كقوله تعالى: ﴿ولتكبروا الله على ما هداكم﴾ [البقرة: ١٨٥].
فهل التعليل بهذه الأدوات المختلفة واحد؟
هل هناك فرق في المعنى بين (مع)، و(واو) المعية، في نحو قولك: " جئت مع محمد" و" جئت ومحمدا"؟
ما الفرق في المعنى، بين " واو" رب، في نحو قوله:
1 / 6
وليل كأن الصبح في اخرياته ... حشاشة نصل ضم إفرنده غمد
وقوله:
رب ليل كأنه الصبح في الحسـ ... ن وإن كان اسود الطيلسان
ما الغرض من الاتيان بواو الحال في نحو قوله: (جاء محمد وبيده حقيبة)؟
وما الفرق بين ذكرها وحذفها؟
ما الفرق في المعنى بين قولك، إن تسهر تتعب، إن تسهر تعبت، إن سهرت تعبت، إن سهرت تتعب (بالجزم)، إن سهرت تتعب (بالرفع) إن سهرت فتتعب، إن سهرت فأنت تتعب، إن أنت سهرت تعبت، أنت إن سهرت تعبت، أنت تتعب إن سهرت؟
ما الفرق في المعنى بين قولك:
عندي سوار ذهب - بالاضافة.
وعندي سوار ذهبا.
وعندي سوار ذهب - بالاتباع
وعندي سوار من ذهب
وعندي سوار من الذهب؟
ما الفرق بين قولك (جئت إكرما لك) و(جئت لاكرام لك)؟ إن النحاة يقولون: كلاهما جائز ونحن نقول: نعم كلاهما جائز، ولكن هل ثمة فرق بينهما في المعنى؟
وغير ذلك وغيره، مما لايخص موضوعا دون موضوع بل هو يعم جميع الموضوعات النحوية بلا استثناء. فهناك في كل موضوع سؤالات أكثر مما ذكرت لا تزال بها حاجة إلى الإجابة عنها.
1 / 7
ربما لا أكون مغاليا إذا قلت نحن لا نفهم اللغة كما ينبغي لأن أكثر دراستنا تتعلق بالعلاقات الظاهرة بين الكلمات أما المعنى فهو بعيد عن تناولنا وفهمنا. بل ربما لا أكون مغالبا إذا قلت أننا نجهل أكثر مما نعلم فيما نحسب أننا نعلم.
ومن هنا محتاجون إلى (فقه) للنحو يصل إلى درجة الضرورة. صحيح أن قسما من المسائل المتعلقة بالمعنى عرض لها علم النحو، وعلم البلاغة، لكن لا يزال كثير منها دون نظر. ومن ذلك على سبيل المثال، ما عرضته قبل قليل، فإن أكثر هذه المسائل لم تبحث لا في كتب النحو، ولا في كتب البلاغة، ولا في غيرها من كتب اللغة، في حدود ما أعلم.
قد تكون هناك شذرات، أو عبارات متناثرة، وردت عرضا في كتاب تفسير، أو في بحث اعجاز، أو في كتاب أدب، ولكن أكثر هذه المسائل بقيت بلا جواب.
أن دراسة النحو على أساس المعنى، علاوة على كونها ضرورة فوق كل ضرورة، تعطي هذا الموضوع نداوة وطراوة، وتكسبه جدة وطرافة، بخلاف ما هو عليه الآن من جفاف وقسوة.
إن الدارس له على هذا النهج، يشعر بلذة عظيمة وهو ينظر في التعبيرات ودلالتها المعنوية، ويشعر باعتزاز، بانتسابه إلى هذه اللغة الفنية، الثرية، الحافلة بالمعاني الدقيقة الجميلة، ثم هو بعد ذلك يحرص على هذه اللغة الدافقة بالحيوية، وهو وراء كل ذلك يحاول تطبيق هذه الأوجه في كلامه، ويشعر بمتعة في هذا التطبيق.
أن الجهل بالمعنى أدى إلى أن تختفي، وتموت ظواهر لغوية كانت شائعة مستعملة ومن ذلك على سبيل المثال، ظاهرة " القطع" الجميلة الدلالة، والتي كانت شائعة شيوعا كبيرا في الشعر، والنثر، في القرآن وغيره، وذلك نحو قولك" مررت بمحمد الكريم أو الكريم " واكتفى بالاتباع، علما بأن دلالة القطع، تختلف عن دلالة الاتباع، وإن دلالة القطع إلى الرفع تختلف عن دلالة القطع إلى النصب.
1 / 8
إن الأوجه النحوية ليست مجرد استكثار من تعبيرات لا طائل تحتها، كما يتصور بعضهم، وإن جوزا أكثر من وجه تعبيري ليس معناه أن هذه الأوجه ذات دلالة معنوية واحدة، وإن لك الحق أن تستعمل أيها تشاء كما تشاء وإنما لكل وجه دلالته فإذا أردت معنى ما لزمك إن تستعمل التعبير الذي يؤديه، ولا يمكن أن يؤدي تعبيران مختلفان معنى واحدا، إلا إذا كان ذلك لغة، نحو قولك" ما محمد حاضرا" و" ما محمد حاضر" فالأولى لغة حجازية، والثانية تميمية، ولا يترتب على هذا اختلاف في المعنى.
وفيما عدا ذلك لابد أن يكون لكل تعبير معنى، إذ كل عدول من تعبير إلى تعبير، لابد أن يصحبه عدول من معنى إلى معنى، بالأوجه التعبيرية المتعددة، إنما هي صور لأوجه معنوية متعددة.
إن هذا الكتاب محاولة في فقه النحو على النهج الذي اسلفته، إنه محاولة للتمييز بين التراكيب المختلفة وشرح معنى كل تركيب.
فهو إذن يدور على المعنى أساسا وبناء. وموضوع المعنى موضوع جليل، وحسبك من جلالته أن اللغة ما وجدت إلا للافصاح عنه.
إن تأليف أي كتاب في النحو، أيسر من موضوع هذا الكتاب بكثير، وذلك لأن الأحكام النحوية مذكورة مبينة في كتب النحو لا تكلفك إلا استخراجها، وجمعها في كتاب واحد على حسب الخطة التي تريدها.
وأما هذا الموضوع فليس الأمر فيه أمر جمع أحكام نحوية، ولا ذكر قواعد مبينة، وإنما هو تفسير للجملة العربية، وتبيين لمعاني التراكيب المختلفة، مما لا تجلو أغلبه في كتب النحو، وقد تفزع إلى كتب البلاغة والتفسير وغيرها من المظان، فلا تجد شيئا مما تريد.
فلابد من أن تضطلع بهذه المهمة أنت بنفسك تنظر في النصوص، وتدقق في الصور التعبيرية المختلفة، لاستباط المعاني للتعبيرات المختلفة، لقد أمضيت في هذا البحث أكثر من عشرة أعوام، وكان شغلى الشاغل في الليل والنهار أتأمل النصوص،
1 / 9
وأديم النظر فيها، وأوازن بينها، وأدقق فيما تحتمله من معان، وكان القرآن الكريم هو المصدر الأول لهذا البحث، أفهرس آياته بحسب الموضوعات، وانظر في الفروق التعبيرية، وفي السياق الذي ورد فيه كل تعبير، إضافة إلى المظان الأخرى من كتب النحو، والبلاغة، واللغة، والتفسير، وعلوم القرآن وغيرها.
وأنا لا أدعي، أني وصلت إلى أمور نهائية في كل ما بحثت، وإنما هي - كما ذكرت - محاولة للسير في هذا الطريق فإن أكن قد أصبت فمن الله، وإن أكن قد أخطأت، فمن النفس والشيطان، وأرجو ألا أحرم أجر المجتهدين في الحالتين. نسأل الله أن يلهمنا الرشد ويجنبنا الزلل، ويهدينا إلى الخير كله، ويعصمنا من الشر كله، إنه سميع مجيب.
فاضل السامرائي
1 / 10
الجملة العربية
عناصر الجملة العربية:
تتألف الجملة العربية من عناصر وأبرز هذه العناصر هي:
١ - المفردة: ونعني بها الكلمة مثل أسد، سيف، شجرة.
٢ - البناء الصرفي: (الصيغة) كأسماء الفاعلين، والمفعولين، والمبالغة، واختلاف الجموع للاسم الواحد، وغير ذلك مثل طاعن، ومطعان وطعان، وحمق، وأحمق، وسائد وسيد، وسنبلات وسنابل، وأشهر وشهور ونحو ذلك.
وكل صيغة - في الغالب - لها دلالة تختلف عن أختها قليلا، أو كثيرا، وكما أنهم قالوا: " زيادة المباني دليل على زيادة المعاني" نرى أن " اختلاف المباني دليل على اختلاف المعاني"
٣ - التأليف بنوعيه:
أ - التأليف الجزئي: نحو رغب إلى، رغب في، رغب عن، فرغب إليه بمعنى تضرع إليه وابتهل، ورغب فيه أراده واستحبه، ورغب عنه عزف ومال عنه.
ب - التأليف التام: كالتقديم، والتأخير، والذكر، والحذف، والتوكيد، وعدمه، وما إلى ذلك نحو: زيد قائم وقائم زيد والقائم زيد وإن زيدًا قائم وما إلى ذلك.
٤ - النغمة الصوتية: وهي ذات دلالة على معنى - فالجملة الواحدة قد يختلف معناها باختلاف النغمة كأن تقول: " زيد عند مال " وتشد صوتك على " مال" وتفخم الصوت فيه فيكون المعنى، أنه ذو مال كثير أو متعدد ونحو ذلك. وتقول: " عنده مال " وترقق الصوت وتكسره فيكون معناها أنه ذو مال قليل، لا يعتد به ونحو ذلك. قال أبو الفتح عثمان بن جني: " وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح، والتطريح،
1 / 11
والتفخيم، والتعظيم، ما يقوم مقام قوله (طويل) أو نحو ذلك. وأنت تحسن هذا من نفسك إذا تأملته وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: كان والله رجلا، فتزيد في قوة اللفظ بـ " الله " هذه الكلمة، وتتمكن في تمطيط اللام، وإطالة الصوت بها وعليها، أي رجلا فاضلا، أو شجاعا أو كريما ونحو ذلك.
وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانًا، وتمكن الصوت بـ " إنسان " وتفخمه فتستغني بذلك عن وصفه بقوله: إنسانا سمحا، أو جوادا ونحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانا وتزوي وجهك وتقطبه فيغني ذلك عن قولك: إنسانا لئيما، أو لحزا أو مبخلا أو نحو ذلك" (١).
"وقد برهنت التجارب الحديثة على أن الإنسان حين ينطق بلغته، لا يتبع درجة صوتية واحدة في النطق بجميع الأصوات. ومن اللغات ما يجعل لاختلاف درجة الصوت أهمية كبيرة، إذ تختلف فيها معاني الكلمات تبعا لاختلاف درجة الصوت حين النطق بها. ومن أشهر هذه اللغات اللغة الصينية إذ قد تؤدي فيها الكلمة الواحدة عدة معنا، ويتوقف كل معنى من هذه المعاني على درجة الصوت حين النطق بالكلمة. ففي اللغة الصينية كلمة (فان) مثلا تؤدي ستة معان لا علاقة بينها هي (نوم، يحرق، شجاع، واجب، نعم، مسحوق) وليس هناك من فرق سوى النغمة الموسيقية في كل حالة" (٢).
٥ - التطور التاريخي للدلالة: فدلالات التعبير الواحد قد تتغير والمعاني قد تتحول وربما كان من الصعوبة معرفة الأصل للدلالة وذلك نحو قولهم " رفع عقيرته"، بمعنى صاح، إذ ليس هناك من علاقة لغوية بين " رفع عقيرته" و" صاح" " فلو ذهبت تشتق هذا بأن تجمع معنى الصوت وبين معنى" ع ق ر " لبعد عنك وتعسفت. وأصله أن رجلا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى ثم صرخ بأرفع صوته فقال الناس: رفع عقيرته" (٣).
_________
(١) الخصائص: (٣/ ٣٧٠ - ٣٧١)
(٢) الأصوات اللغوية، لإبراهيم أنيس: (١٠٣)
(٣) الخصائص: (١/ ١٦٦)
1 / 12
وكقولهم " لله دره" للدلالة على التعجب فنحن حين نقول: " لله دره كاتبا أو شاعرا" لا نريد المعنى المعجمي لهذه العبارة، بل ربما لم نفهم المعنى الأصلى لها. وقد اختلف اللغويون في أصل هذا التعبير وأشهر ما ذكر فيه، إن الدر هو اللبن، فمعنى قولهم " لله دره " إن الله سقاه لبنا خاصا. " أي ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة" (١).
بل ربما تكلم الناس بكلام لا يفهمون معناه ولا ألفاظه وإنما تعارفوا عليه، أو نقل من لغة أخرى، واختفى المعنى الدلالي واللغوي للأصل، فنحن في العراق نستعمل مثلا " قزل قرط" في التوبيخ، والغضب، والدعاء على المخاطب، ولكن الناس لا يفهمون القصد الحقيقي من هذا التعبير ولا معناه، وقد استفسرت من كثير من الناس عن معنى هذا التعبير الدارج فلم يعرفه منهم أحد (٢).
ومن ذلك قولهم في الاستحسان وتحبيذ الأمر عَلُوّا الذي فيه معنى التمني، ولكن الأصل لهذا التعبير قد فقد، وأظن أن أصله ألا يا حبذا فاقتصر على ألا يا تخفيفا، ثم أبدلت العامة الهمزة عينا، كقولهم القرعان، في القرآن ثم قلبت يا إلى وا فتغير التعبير إلى ما ترى، ومثل هذا التغيير كثير في اللغة.
ونحو ذلك قولهم حي الله بمعنى أيا كان، تقول لصاحبك: ماذا تأخذ أهذا أم ذلك؟ فيجيبك حي الله أي: أيا كان، وبقيت مدة أفكر في أصل هذا التعبير وعلاقته بهذا المعنى، إلى أن استقر رأيي على أن أصله أيا كان ثم أي إللى كان ومعنى اللى الذي عند العامة وأحيانا نقول: هي اللى كان بإبدال الهمزة هاء ثم حذفت كان
_________
(١) التصريح: (١/ ٣٩٧)
(٢) ذكر أحد الفضلاء أن هذا التعبير دخل العامية العراقية من التركية وهو مركب من كلمتين:
١ - قيزيل وهي لفظة تركية ومعناها مرض الحمى القرمزية.
٢ - كورت وهي لفظة إيطالية الأصل دخلت اللغة التركية ومن معانيها القرين. فكأن الإنسان يدعو على مخاطبة بأن تلازمه الحمى القرمزية.
1 / 13
اختصارا، وأبدلت الهمزة جاء لتقاربهما، فكلتاهما من أحرف الحلق فصارت: حي اللي ثم حي الله.
٦ - الإعراب: وهو أبرز ظاهرة، أو من أبرز الظواهر في العربية، ومن أهم عناصر الجملة فيها وسنفرد له بحثا.
تأليف الجملة العربية:
الجملة العربية - كما يرى النحاة - تتألف من ركنين أساسيين، هما المسند، والمسند إليه. فالمسند إليه هو المتحدث عنه ولا يكون إلا إسما، والمسند هو المتحدث به ويكون فعلا أو إسما، وهذان الركنان هما عمدة الكلام وما عداهما فضلة أو قيد.
وليس المقصود بالفضلة عند النحاة أنها يجوز الاستغناء عنها من حيث المعنى، كما أنه ليس المقصود بها أنها يجوز حذفها متى شئنا. فإن الفضلة قد يتوقف عليها معنى الكلام وذلك نحو قوله تعالى: ﴿وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين﴾ [الأنبياء: ١٦]، فإنه لا يمكن الاستغناء عن قوله: لا عبين، وكقوله تعالى: ﴿ولا تمش في الأرض مرحا﴾ [الإسراء: ٣٧]، فإنه لا يستغنى عن قوله " مرحا".
والحذف لا يكون في العمدة، ولا في الفضلة إلا بالقرائن، فإن العمدة تحذف جوازا ووجوبا كالفضلة، وذلك كحذف كل من المبتدأ والخبر جوازا، ووجوبا، وحذف عامل المفعول المطلق جوازا، ووجوبا وحذف عامل الاغراء والتحذير جوازا ووجوبا. وهذه كلها عمد. ويحذف المفعول به والحال وغيرهما من الفضلات. فليس معنى الفضلة إذن إمكان الاستغناء عنها متى شئنا وإنما المقصود بـ ﴿الفضلة﴾ أنه يمكن أن يتألف كلام بدونها، إذ كل كلام لابد أن يكون فيه عمدة مذكورة أو مقدرة بخلاف الفضلة فإنه لا يمكن أن يتألف كلام بدونها نحو " محمد مسافر" و" فاض النهر ".
وقد تخرج بعض التعبيرات على طريقة التأليف هذه ولكن النحاة يتأوَّلون ذلك، كالنداء نحو " يا رجل" فإنهم أوّلوه بـ " ادعو رجلا " على ما بين التعبيرين من تباين. وكالتعجب نحو " ما أعذب الماء" فإنهم أولوه بـ " شيء جعل الماء عذبا".
1 / 14
ولا داعي لأن تخرج كل التعبيرات الواردة في اللغة على هذا النمط من التأليف، بل ينبغي الاعتراف بأن بعض التعبيرات تكون على غير هذا النمط، وإن كان الأصل في تأليف الجملة العربية أن يكون على النمط الذي ذكروه.
وقد ذهب الخليل وسيبويه إلى أنه لا خبر لـ (ألا) التي تفيد التمني نحو قولهو " ألا ماء ماء باردًا" انظر الكتاب ١/ ٣٥٩، الأشموني ٢/ ١٥، الهمع ١/ ١٤٧" وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه لا خبر لنحو قولنا (الإنسان وعمله - انظر الأشموني ١/ ٢١٧).
ومعنى ذلك أن بعض التعبيرات يتألف من إسم وحرف، وبعضها يتألف من اسم ومعطوف، وهذا خروج على الطريقة العامة التي يقول بها النحاة.
صورة تأليف الجملة:
يظهر تأليف الجملة العربية بصورتين تبعًا للمسند: فعل مع اسم، واسم مع اسم. وبالتعبير الإصطلاحي فعل وفاعل أو نائبه، ومبتدأ وخبر نحو: أقبل سعيد، وسعيد مقبل، وكل التعبيرات الأخرى إنما هي صور أخرى لهذين الأصلين.
والصورة الأساسية للجمل التي مسندها فعل، أن يتقدم الفعل على المسند إليه كما في جملة " أقبل سعيد " ولا يتقدم الفاعل (١) على الفعل أو بتعبير أدق
لا يتقدم المسند إليه على الفعل إلا لغرض يقتضيه المقام.
والصورة الأساسية للجمل التي مسندها اسم، أن يتقدم المسند إليه على المسند، أو بتعبير آخر، أن يتقدم المبتدأ على الخبر، ولا يقدم الخبر إلا لسبب يقتضيه المقام، أو طبيعة الكلام.
_________
(١) نقول هذا تجوزا وإلا فهو مبتدأ عند الجمهور.
1 / 15
والفرق بين هاتين الصورتين - أعني الجملة التي مسندها فعل والجملة التي مسندها اسم - أن الجملة التي مسندها فعل، إنما يدل على الثبوت. تقول مثلا: يجتهد زيد وزيد مجتهد، ويحفظ زيد وزيد حافظ، ويطلع سعيد وسعيد مطلع، ويتعلم سعيد وسعيد متعلم، ويجود مصعب ومصعب جواد ونحو ذلك. فأنت ترى في هذه الأمثلة جميعها أن الفعل يدل على التجدد والحدوث، والاسم يدل على الثبوت. تقول لصديقك: أتظن أنك تنجح في هذا العام؟ فيقول لك (أنا ناجح) أي لوثوقه بنفسه ادعى أن الأمر منته وثابت، ولو لم يكن هذا الأمر قد تم فعلا. فالفعل يدل على التجدد والحدوث، والاسم يدل على الثبوت، فإذا أردت الدلالة على الحدوث جئت بجملة مسندها فعل تقدم الفعل أو تأخر. وإذا أردت الدلالة على الثبوت جئت بجملة مسندها اسم.
فالجملتان يجتهد سعيد وسعيد يجتهد كلتاهما تدلان على الحدوث (١)، وإنما قدم المسند إليه لغرض من أغراض التقديم.
ثم إن الأصل أن يتقدم الفعل على المسند إليه - كما ذكرنا - فإذا جاء الفعل متقدما لم يسأل عن سبب تقدمه، لأنه هو الصورة الأساسية، فإن تقدم المسند إليه سألنا عن سبب تقدمه.
وإذا جاء المسند إليه في الجملة التي مسندها إسم متقدما، لم نسأل عن سبب تقدمه لأنه هو الصورة الأساسية لهذا التعبير، فإن تقدم المسند سألنا عن سبب تقدمه، فالتأليف الطبيعي للجملة العربية هو نحو هذا.
يقبل سعيد.
سعيد مقبل.
فإن تقدم سعيد في الجملة الأولى، أو تقدم مقبل في الجملة الثانية نظرنا في سبب ذلك
_________
(١) انظر: حاشية يس على التصريح (١/ ١٧٣)، حاشية الصبان (١/ ٢١٠).
1 / 16
وكلا التعبيرين بدرجة واحدة بالنسبة إلى المخاطب، فكلاهما إخبار أولي والمخاطب خالي الذهن عن الموضوع، ويسمى هذا الضرب من الخبر " الخبر الابتدائي" إلا أن الفرق بينهما - كما ذكرت - أن الفعل يدل على الحدوث، والاسم يدل على الثبوت.
دلالة الجملة العربية:
ينظر إلى دلالة الجملة العربية من جهتين:
١ - الدلالة القطعية والاحتمالية
٢ - الدلالة الظاهرة والباطنة.
وسننظر في هذين النوعين.
١ - الدلالة القطعية والاحتمالية:
المدقق في الجملة العربية ودلالتها على المعنى يرى أنها على ضربين:
أ - تعبير نصي أو قطعي أي يدل على معنى واحد.
ب - تعبير احتمالي أي يحتمل أكثر من معنى.
وهذا خط واضح في طبيعة دلالة الجملة العربية يبرز للمستقري بصورة جلية، فمن ذلك على سبيل المثال أنك لا تقول: (اشتريت قدح ماء) بالاضافة (واشتريت قدحا ماء) فالجملة الأولى تعبير إحتمالي، لأنها تحتمل أنك اشتريت ماء مقدار قدح، وتحتمل أنك اشتريت القدح أي الإناء. أما الجملة الثانية فدلالتها قطعية لأنها لا تحتمل إلا أنك اشتريت ماء مقدار قدح. جاء في (شرح الأشموني):
" النصب في نحو ذنوب ماء، وحب عسلا، أولى من الجر، لأن النصب يدل على أن المتكلم اراد أن عنده ما يملأ الوعاء المذكور من الجنس المذكور، وأما الجر فيحتمل أن يكون مراده ذلك وأن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك (١).
_________
(١) شرح الأشموني: (١/ ١٩٧).
1 / 17
وتقول: (الذي يدخل الدار له جائزة) و(الذي يدخل الدار فله جائزة) فالجملة الأولى ذات دلالة إحتمالية، لأنها تحتمل أنك تعني بـ (الذي يدخل الدار) شخصا معروفا وأن الجائزة ليست مترتبة على دخول الدار بل هو مستحقها قبل ذلك، كما تحتمل أن يكون الاسم الموصول هنا مشبها بالشرط، فالجائزة مترتبة على دخول الدار فكل من يدخلها يستحق الجائزة. وأما الجملة الثانية فذات دلالة قطعية لأنها لا تعني إلا المعنى الثاني أي فيها معنى الشرط والجزاء، وهذه الفاء واقعة في جواب " الذي" كما تقع في جواب الشرط أي أن الجائزة مترتبة على دخول الدار (١).
وتقول: " اعبد ربك خوفا وطمعًا" و(اعبد ربك خائفا وطامعا) فالمنصوب في الجملة الأولى يحتمل الحالية، والمفعول لأجله، والمفعولية المطلقة، وفي الجملة الثانية حال ليس غير.
وتقول: (أنا ضارب زيد) بالإضافة، و(أنا ضارب زيدا)، فالتعبير الأول يحتمل المضي والحال، والاستقبال، فهو تعبير احتمالي، في حين أن الجملة الثانية هي نص، في أنها بمعنى الحال، أو الاستقبال، لأن إسم الفاعل المضاف، يحتمل المضي كقوله تعالى: ﴿فاطر السماوات والأرض﴾ [الأنعام: ١٤] ويحتمل الاستمرار، كقوله تعالى: ﴿إن الله فالق الحب والنوى .. فالق الإصباح﴾ [الأنعام: ٩٥ - ٩٦]، والحال، كقولك (انا ضارب سعيد الآن) والاستقبال، كقوله تعالى: ﴿ربنا إنك جامع الناس ليوم لاريب فيه﴾ [آل عمران: ٩].
أما الذي ينصب مفعولا به، فلا يدل إلا على الحال أو الاستقبال (٢).
وتقول (لا رجل في الدار) و(لا رجل في الدار)، فالأولى نص في نفي الجنس، أما الثانية فتحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة (٣).
_________
(١) انظر شرح الرضي على الكافية: (١/ ١٠٩)
(٢) الأشموني: (٢/ ٢٩٢)، وما بعدها، التصريح: (٢/ ٦٥ - ٦٦).
(٣) الأشموني: (٢/ ٢)، حاشية الصبان: (١/ ٢٣٦ - ٢٣٧)، الرضي على الكافية: (١/ ٢٧٩).
1 / 18
وتقول: (ما جاءني رجل) و(ما جاءني من رجل) فالأولى تحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة، أي ما جاءني رجل واحد بل أكثر، والثانية لا تحتمل إلا نفي الجنس (١).
وتقول: (كرم زيد ضيفا) و(كرم ضيف زيد) فالجملة الأولى تحتمل أن يكون المقصود الثناء على ضيف زيد بالكرم، كما تحتمل أن يكون زيد كريما حال كونه ضيفا، أي زيد هو الموصوف بالكرم، أما الثانية، فلا تحتمل إلا أن يكون الثناء على ضيف زيد (٢). جاء في (شرح الرضي على الكافية) في (طاب زيد أبا) " يجوز أن تريد بـ (أبا) نفس زيد وأن تريد به أباه" (٣).
إلى غير ذلك من الأمثلة:
وهذا خط واضح في التعبير العربي.
٢ - الدلالة الظاهرة والباطنة:
ونعني بالدلالة الظاهرة المعنى الذي يعطيه ظاهر اللفظ مثل سافر محمد ونام خالد ونحو قوله تعالى: ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ [البقرة: ٢٧٥].
وأما الدلالة الباطنة فهي الدلالة التي تؤدي عن طريق المجاز والكنايات والملاحن والإشارات، وما إلى ذلك، كقوله: (رمتني بسهم ريشه الكحل) أي بنظرة من عين مكحولة وقوله (بعيدة مهوى القرط) أي طويلة العنق وقولهم (بنو فلان فلان يطؤهم الطريق) أي أهل الطريق جاء في (دلائل الإعجاز): " الكلام على ضربين:
ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلا بالخروج على الحقيقة فقلت: خرج زيد، وبالإنطلاق عن عمرو فقلت: عمرو منطلق وعلى هذا القياس.
_________
(١) حاشية الصبان: (٢/ ٢١٢)، التصريح: ٢/ ٨، الرضي على الكافية: (١/ ٢٧٩)
(٢) انظر: مغني اللبيب: (٢/ ٤٦٣).
(٣) الرضي على الكافية: (١/ ٢٣٩).
1 / 19
وضربٌ آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يدلك، اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض. ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل أو لا ترى إنك إذا قلت: هو كثير رماد، القدر، أو قلت: طويل النجاد، أو قلت في المرأة: نؤوم الضحى، فإنك في جميع ذلك لا تفيد غرضك الذي تعني من مجرد اللفظ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم يعقل السامع من ذلك المعنى، على سبيل الاستدلال، معنى ثانيا، هو غرضك كعرفتك من كثير رماد القدر إنك مضياف ومن طويل النجاد، إنه طويل القامة .. وكذا إذا قال: (رأيت أسدًا) ودلك الحال على إنه لم يرد السبع علمت أنه أراد التشبيه، إلا أنه بالغ فجعل الذي رآه، بحيث لا يتميز عن الأسد في شجاعته ..
وإذا قد عرفت هذه الجملة، فههنا عبارة مختصرة، وهي أن تقول: المعنى ومعنى المعنى، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة. وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى، إلى معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى، إلى معنى آخر كالذي فسرت لك" (١).
_________
(١) دلائل الإعجاز: (٢٠٢ - ٢٠٣).
1 / 20
ظاهرة الإعراب
وهو كما ذكرنا أبرز ظاهرة، أو من أبرز الظواهر في العربية. وقد ورثت العربية ظاهرة الأعراب من اللغة السامية الأم وقد كانت اللغات السامية القديمة كلها معربة (١).
وقال المستشرق الألماني نولدكه، إن النبط كانوا يستعملون الضمة في حالة الرفع والفتحة في حالة النصب، والكسرة في حالة الجر (٢).
" والنصوص في اللغة، الأكدية وتشمل اللغتين البابلية والآشورية، تدل على وجود الأعراب فيهما كاملا.
وهذا قانون حمورابي (١٧٩٢ - ١٧٥٠ ق. م) المدون باللغة البابلية القديمة، يوجد فيه الاعراب، كما هو في اللغة العربية الفصحى تماما، فالفاعل مرفوع، والمفعول منصوب وعلامة الرفع الضمة، وعلامة النصب الفتحة، وعلامة الجر الكسرة، تماما كما في العربية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل، إن المثنى، والجمع، المذكر، يماثلان، في الاعراب المثنى والجمع في العربية. فيرفع المثنى بالألف، وينصب ويجر بالياء .. أما الجمع المذكر فإنه يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء" (٣).
ومعنى الاعراب لغة، الابانة عما في النفس، وهو مصدر الفعل (أعرب) ومعنى أعرب أبان يقال: أعرب الرجل عن حاجته، أي أبان عنها. جاء في (أسرار العربية): " أما الإعراب ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون سمي بذلك لأنه يبين المعاني مأخوذ من قولهم: أعرب الرجل عن حجته إذا بينها ومنه قوله ﷺ: " الثيب تعرب عن نفسها " أي تبين وتوضح .. فلما كان الإعراب يبين المعاني سمي إعرابًا.
_________
(١) العربية ليو هان فك ٣٣، التطور النحوي لبرجشراسر ٧٥.
(٢) انظر اللغات السامية لنولدكه ٧٣.
(٣) قضية الاعراب في العربية بين أيدي الدارسين مقال للدكتور رمضان عبد التواب في مجلة المجلة العدد ١١٤ يونيو ١٩٦٦ ص ١٠٥، وانظر الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري ٣٣٧ - ٣٣٩.
1 / 21