Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
ناشر
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
پبلشر کا مقام
https
اصناف
مثل ثمَّ، وفيه تقديم وتأخير والتقدير: ثمَّ يذهب أحدنا، أي ممن صلَّى معه، وأما قوله: (رَجَعَ) فيحتمل أن يكون بمعنى يرجع ويكون بيانًا لقوله: (يَذْهَبُ).
قال العَيني: هذا فيه ارتكاب المحذور من وجوهٍ: الأوَّل: كون الواو بمعنى ثمَّ لم يقل به أحد، الثاني: إثبات التقديم والتأخير من غير احتياج إليه، والثالث قوله: (يَرْجِعُ) بيان لقوله: (يَذْهَبُ) فلا يصحُّ ذلك؛ لأنَّ معنى يرجع ليس فيه غموض حتَّى يبيِّنه بقوله: يذهب، ومحذور آخر وهو أنَّ المعنى يكون: وأحدنا يرجع إلى أقصى المدينة، وهو مخلٌّ بالمقصود. انتهى.
قلت: مراد شيخنا بقوله: الواو بمعنى ثمَّ أي أنَّ الواو تُفيد الترتيب مثل ثمَّ، فإن قلت: قال السِّيرافي: إنَّ النَّحويين واللُّغويين أجمعوا على أنَّ الواو لا ترد للترتيب، فنقول: قال قُطْرُب والفَرَّاء وثعلب وأبو عُمَر الزَّاهد وهشام والشافعي وغيرهم: إنَّها تفيده. انتهى.
قال العَيني: وزَعَمَ الكِرْماني أنَّ فيه وجهًا آخر، وفيه تعسُّف جدًّا، وهو أن رجع بمعنى يرجع عطف على يذهب، والواو مقدَّرة، وفيه محذور آخر أقوى من الأوَّل، وهو أنَّ المراد بالرجوع هو الرجوع إلى أقصى المدينة لا الرجوع إلى المسجد، فعلى هذا التقدير يكون الرجوع إلى المسجد، والدليل على أنَّ المراد هو الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع إليها رواية عَوْف الأعرابي عن سَيَّار بن سلامة الآتية عن قريب: (ثَمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى المَدَيْنَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ)، واقتصر ههنا على ذكر الرجوع لحصول الاكتفاء به؛ لأنَّ المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل، وإنما سُمِّي رجوعًا؛ لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا.
قوله: (وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) وحياة الشَّمس عبارة عن بقاء حرِّها لم يفتر وبقاء لونها لم يتغيَّر، وإنما يدخلها التغيُّر بدنو المغيب، كأنَّه جعل مغيبها لها موتًا.
قوله: (وَنَسِيْتُ) أي قال أبو المِنْهال: نسيت ما قال أبو بَرزَة في المغرب.
قوله: (وَلَا يُبَالِي) عطف على قوله: (يُصَلِّي) أي ولا يبالي النَّبِيُّ ﷺ، وهو من المبالاة وهو الاكتراثُ بالشيء.
قوله: (إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ) أي نصفه، ولا يقال: إنَّ الذي يفهم منه أنَّ وقت العشاء لا يتجاوز النِّصف؛ لأنَّ الأحاديث الأخر تدلُّ على بقاء وقتها إلى الصُّبح، وإنما المراد بالنِّصف ههنا هو الوقت المختار، وقد اختلف فيه، والأصحُّ الثلث.
قوله: (قَبْلَهَا) أي قبل العشاء.
قوله: (قَالَ مُعَاذٌ) هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسَّان العَنْبَري التَّميمي قاضي البصرة، سمع شُعْبَة وغيره، مات سنة ست وتسعين ومائة.
قال الكِرْماني: هذا تعليق قطعًا؛ لأنَّ البخاري لم يدركه، قال العَيني: هو مسند في «صحيح مسلم» قال: حدَّثنا عُبَيْد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة، فذكره.
قوله: (ثُمَّ لَقِيْتُهُ) أي أبا المِنْهال مرَّةً أخرى بعد ذلك.
قوله: (فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) ردَّد بين الشَّطر والثلث، قال شيخنا: وجزم حمَّاد بن سلمة عن أبي المِنْهال عند مسلم بقوله: (إلى ثُلُثِ اللَّيلِ) وكذا لأحمد عن حمَّاد عن شعبة.
قال العَيني: فيه الحجَّة للحنفيَّة؛ لأنَّ قوله: (وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلَيْسَهُ) يدلُّ على الإسفار، ولفظ النَّسائي والطَّحاوي فيه: «كانَ رسولُ اللهِ ﷺ
ينصرفُ من الصُّبح فينظرُ الرجلُ إلى الجليسِ الذي يعرفه فيعرفه»، ولكن قوله: (وَيَقْرَأُ فِيْهَا مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إِلَى المَائَةِ) يدلُّ على أنَّه كان يشرع في الغلس ويمدُّها بالقراءة إلى وقت الإسفار، وإليه ذهب الطَّحاوي. انتهى.
قلت: قد أجاب العَيني عن مذهبنا، وقد تقدَّمَتْ عن ذلك أجوبة لنا. انتهى.
وفيه أنَّ وقت الظُّهر من زوال الشَّمس عن كبد السَّماء.
وفيه أنَّ الوقت المستحبَّ للعصر أن يُصَلَّى ما دامت الشَّمس حيَّة، وهذا يدلُّ على أنَّ المستحبَّ تعجيلها كما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد، وفي رواية أبي داود: «كانَ يصلِّي العصرَ والشَّمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ حيَّةٌ، ويذهبُ الذاهبُ إلى العوالي والشَّمسُ مرتفعةٌ» والعوالي: أماكن بأعلى أراضي المدينة، قال ابن الأثير: وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية، ولكن في رواية الزهري: أدناها من المدينة على ميلين كما ذكره أبو داود.
وقال النَّوَوي: وأراد بهذا الحديث المبادرة بصلاة العصر أوَّل وقتها؛ لأنَّه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشَّمسُ بعدُ لم تتغير، ثمَّ قال: وفيه دليل لمالك والشافعي وأحمد والجمهور: أنَّ وقت العصر يدخل إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل حتَّى يصير ظلُّ كلِّ شيء مثليه، وهذا حجَّة للجماعة عليه.
قال العَيني: والجواب من جهة أبي حنيفة: أنَّه ﵇ أمر بإبراد الظهر بقوله: (أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ) يعني: صلُّوها إذا سكنت شدَّة الحرِّ، واشتداد الحرِّ في ديارهم يكون في وقت صيرورة ظل ُّكلِّ شيء مثله، ولا يفتر الحرُّ إلَّا بعد المثلين، فإذا تعارضت الآثار يبقى ما كان على ما كان، ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشكِّ، ووقت العصر ما كان ثابتًا فلا يدخل بالشك. انتهى.
قلت: قوله: (وَاشْتِدَادُ الحَرَّ...) إلى آخره، فيه نظر؛ لأنَّ الشَّمس كلما كانت إلى المشرق والمغرب أقرب كان حرُّها أنقص، وهذا أمر محسوس، وإذا كان الأمر كذلك بطل ما قاله؛ لأنَّ مراده أنَّ وقت الظُّهر يبقى إلى أن يذهب اشتداد الحرِّ، فعلى ما قرّره يمتدُّ إلى مصير ظلِّ كلِّ الشيء مثليه؛ لأنَّه ﵇ أمر بالإبراد، والإبراد لا يحصل إلَّا أن يؤخِّر المصلِّي إلى ذلك الوقت، يعلم أنَّ وقت الظُّهر باقٍ لم يخرج، ولو لم يكن الوقت باقٍ لم يأمر بالتأخير إليه. انتهى.
وفيه أنَّ الوقت المستحبَّ للعشاء تأخيره إلى ثلث اللَّيل أو إلى شطره، وهو حجَّة على من فضَّل التقديم، وقال الطَّحاوي: تأخير العشاء إلى ثلث اللَّيل مستحبٌّ، وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتَّابعين ومن بعدهم، قاله الترمذي، وإلى النِّصف مباح وما بعده مكروه، وحكى ابن المنذر: أنَّ المنقول عن ابن مسعود وابن عبَّاس إلى ما قبل ثلث الليل، وهو مذهب إِسْحاق واللَّيث أيضًا، وبه قال الشَّافعي في كتبه الجديدة، وفي «الإملاء» والقديم تقديمها، وقال النَّوَوي: وهو الأصحُّ.
وفيه كراهة النَّوم قبل العشاء؛ لأنَّه يعرض لفواتها باستغراق النوم، قلت: وسمعت بعض مشايخي يقول: إنَّه إذا تيقَّن الفوات بالنَّوم يحرم عليه. انتهى.
وفيه كراهة الحديث بعدها؛
1 / 57