موسوعة مصر القديمة
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
اصناف
على أنه ليس لدينا من المعلومات ما يثبت لنا إذا كانت المدنية المصرية مدينة للآسيويين الفاتحين بإحضار الحيوانات المنزلية كالثور والخنزير والحمار والماعز، وكذلك باستحضار أقدم الحبوب مثل الشعير والقمح، أو أنه بالعكس كانت هذه الحيوانات والحبوب قد وجدت في وادي النيل منذ وجد الجنس الأفريقي الأصلي، وكذلك لا نعرف إذا كانت لغة القبائل النازحة قد أثرت في اللغة المصرية القديمة ومسحتها بمسحة آسيوية، وهي التي نجد ظواهرها في عدة ألفاظ في لغة القوم، ومنذ بداية العصر التاريخي نجد الاندماج بين الجنسين المكون منهما السكان عظيما جدا، حتى إنه أصبح من الصعوبة بمكان أن نعرف بشيء من الدقة الفوارق بينهما.
الفصل الرابع
نحو توحيد البلاد
لا ريب في أن الشكل الذي وجدنا عليه اندماج الجنسين بعضهما ببعض كما نشاهده في عصر «مينا»، وهو العصر الذي ظهرت فيه الكتابة المصرية، يحتم علينا بأن نحكم بأن الجنسين قد عاشا معا زمنا طويلا قبل أن يحدث هذا الاندماج الكلي. هذا على أننا نجهل تقريبا كل الأمور التي تمر ببطء في النمو الاجتماعي والتي تبتدئ بالمعيشة الطبيعية، ثم تكوين الجماعات إلى قبائل تحت حماية معبود في شكل وثن ويحكمها مجلس مكون من شيوخها، ثم الملكية المحلية، ثم اتحاد المقاطعات معا، وفي النهاية الملكية الفرعونية المطلقة.
والواقع أننا في هذه الحالة ليس أمامنا إلا الفروض المحضة، وسنستعرض ببعض الإيضاح التقلبات التي مرت على العصر الذي يسميه المؤرخون عصر ما قبل الأسرات؛ أي قبل ظهور الكتابة إلى أن اتحدت البلاد تحت حكم «مينا»، وسنتبع في ذلك أحدث النظريات.
كانت الجماعات في البداية في وادي النيل مثلها في البلاد الأخرى على حالتها الفطرية؛ إذ كانت الجماعة أو القبيلة في حالتها الساذجة تلتف حول صورة حيوان أو نبات سواء أكان حقيقيا أم رمزيا، وكانت تتخذ ذلك لها بمثابة إله أو وثن تعبده، وبعد ذلك أخذت القبائل تتجمع وكونت مدنا لكل منها حكومتها، أما شارات هذه المدن الأولى سواء أكانت وثنا أم حيوانا فأصبحت كآلهة تحمي هذه المدن، وبعد ذلك تكونت مديريات من هذه المدن مع القبائل التي تعترف بسلطان إله المدينة ومما يجاورها من الأقاليم، وكانت تعرف كل من هذه المديريات باسم المقاطعة، وهذه المقاطعات كانت في بادئ الأمر مستقلة ، وإن كان حكامها لم يطلق عليهم الملوك، والظاهر أن عدد هذه المقاطعات كاد يكون متساويا في الوجهين القبلي والبحري، وبعد مضي زمن قامت حركة اتحاد في البلاد، وذلك حينما تجمعت مقاطعات الوجه البحري إلى مملكتين الأولى في الغرب وعاصمتها «بحدت»، وربما كانت دمنهور الحالية، والثانية في الشرق وعاصمتها «بوصير» بالقرب من سمنود الحالية، وكان إله المملكة الأولى «حور» وإله الثانية «غيزتي» وقد صار «أوزير» فيما بعد، وبعد فترة من الزمن اندمجت هاتان المملكتان في مملكة واحدة أطلق عليها: الوجه البحري، وكانت العاصمة لتلك المملكة الجديدة في بادئ الأمر «سايس» صا الحجر الحالية في الغربية مركز كفر الزيات، وكانت الإلهة الرسمية «نيت»، ثم أصبحت العاصمة فيما بعد «بحدت» دمنهور، وكان الإله الرسمي فيها «حور». وفي الوقت الذي اتحدت فيه الدلتا إلى مملكة واحدة تكونت مملكة أخرى في الوجه القبلي مؤلفة من اتحاد عدة مقاطعات عاصمتها بلدة «نقادة» على مسافة قريبة من شمالي الأقصر، وكان الإله المعترف به هو «ست» مناهض الإله «حور».
والظاهر أن الدلتا كانت أقوى من الصعيد، ولذلك كان ملوك الدلتا أول من فكر في اتحاد كل مصر تحت سيطرة حاكم واحد، على أن حاضرة المملكة المتحدة الجديدة لم تكن بلدة «حور» (دمنهور)، ولكن بلدة «بوصير»، وهي بلدة إله شرقي الدلتا المسمى «أوزير عنزتى»، وتدل شواهد الأحوال على أن الثورات المتوالية قد قامت في الوجه القبلي في نقادة وأمبوس «البلاص الحالية» احتجاجا على تسلط الدلتا، وكانت النتيجة أن تفرق شمل البلاد وانفصم عري اتحادها، وانفصل شطراها عن بعضهما، فأصبح الوجه البحري للإله «حور»، والوجه القبلي للإله «ست» وبذلك هدمت مملكة «أوزير»، ولم تعد «بوصير» عاصمة للوجه البحري، بل انتقلت العاصمة إلى دمنهور التي كانت حاضرة البلاد القديمة، وبعد ذلك أصبحت مملكة «حور» أكثر بطشا من مملكة «أوزير» حتى إنها توصلت إلى إخضاع مملكة «ست» في الوجه القبلي، وقامت بتنظيم وحدة البلاد متخذة عين شمس عاصمة للملك، ولا شك في أن مركز العاصمة الجديدة، كان اختياره موفقا؛ إذ كانت واقعة على حدود القطرين حتى يمكنها الإشراف على كل منهما، ومن المحتمل أن حدود هذه المملكة المتحدة الجديدة كان جبل السلسلة أي بين إدفو وكوم أمبو، وكانت شارتها الجديدة قرص الشمس ناشرا جناحيه اللذين يمثلان نصفي مصر - الوجه البحري والوجه القبلي - وهو رمز إله الشمس الذي كان مركز عبادته عين شمس، وهذا الرمز يشاهد كذلك كثيرا على الآثار المصرية، ولا بد أن في وقت هذا التغيير كان بعض الآلهة في الوجه البحري مثل «أوزير» و«حور»، قد انتقلوا حاملين معهم اسم محل عبادتهم إلى الوجه القبلي، ولذلك نجد اسم المدينة مكررا في القطرين، فنجد مثلا بلدة عين شمس في الوجه البحري «هليوبوليس» وبلدة عين شمس أخرى في الوجه القبلي «أرمنت» وهكذا.
قرص الشمس ذو الجناحين.
ويظهر أن في هذا الوقت قد ظهر حساب السنة المصرية أيضا.
ثم قامت عين شمس بدورها لتطفئ نار ثورة دينية قامت في الأشمونين في مصر الوسطى، وقد كان الغرض من هذه الثورة أن تحل عبادة إلهها محل عبادة الشمس. ثم ظهرت مملكتان مستقلتان من جديد في البلاد، الأولى في الوجه البحري وعاصمتها «بوتو» المعروفة الآن بتل الفراعين في شمال دسوق، والثانية في الوجه القبلي وعاصمتها «قفط» ثم «نخن»، وهي المعروفة الآن بالكوم الأحمر تجاه الكاب «المحاميد» غير أن «حور» بن «أوزير» وهو الذي أخضع نهائيا الوجه القبلي متغلبا على «ست» أصبح الإله الرسمي لكل من هاتين المملكتين.
نامعلوم صفحہ