موسوعة مصر القديمة

سليم حسن d. 1381 AH
121

موسوعة مصر القديمة

موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي

اصناف

وموضوع هذا التحذيرات هو أنه حاقت بالبلاد مصيبة شنعاء في عهد أحد حكام الأزمان القديمة، فثار عامة الناس على الموظفين وعلية القوم، وكذلك عصى الجنود المرتزقة من الأجانب قادة البلاد، ويحتمل أن الآسيويين هددوا الحدود الشرقية أيضا، وبذلك انحل الحكم المنظم في مصر جملة، ولكن الملك الطاعن في السن كان يعيش في طمأنينة في قصره، لأنه كان يغذى بالأكاذيب، وعندئذ ظهر حكيم يدعى «إبور»، وأخبر الملك بكل الحقيقة فوصف له البؤس الذي عم البلاد وتنبأ بما سيأتي بعد، وحرض سامعيه على أن يحاربوا أعداء البلاد، وذكرهم بأن عبادة الآلهة لا بد أن تعاد إلى ما كانت عليه.

والعهد الذي حدث فيه هذا الانحلال في نظام الحكم لا بد أن يكون في نهاية الدولة القديمة، وذلك أنه في ختام الأسرة السادسة (2500ق.م) اختفت مصر عن الأعين فجأة وصارت في ظلمة كأن مصيبة عظمى قد نزلت بها، وأن ما ذكر هنا من أن الملك الذي كان يخاطبه الحكيم كان مسنا يتفق تماما مع الحقائق التاريخية؛ لأن الملك الذي اختفت معه الدولة القديمة عن أعيننا لا يكون إلا الملك «بيبي الثاني» الذي جلس على عرش الملك في السنة السادسة من عمره وحكم مدة أربعة وتسعين عاما كما نقل عن المصريين أنفسهم.

يبتدئ المتن بوصف البؤس العام الذي حل بالبلاد من سرقة وقتل وتخريب وقحط، وتشريد الموظفين وتفكك الإدارة، والقضاء على التجارة الخارجية وغزو الأجانب البلاد وتولية الغوغاء مراكز الطبقات العليا، فيذكر الحكيم أن أهالي الصحراء قد حلوا مكان المصريين في كل مكان، وأصبحت البلاد ملأى بالعصابات، حتى إن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين، ولم يعد هناك رجال محترمون، وفقد الناس الثقة في الأمن، وعلى الرغم من فيضان النيل فإنهم أحجموا عن الذهاب لفلاحة أراضيهم خشية اللصوص وقطاع الطرق، وصارت النساء عاقرات، ولم يعد هناك حمل بسبب إعراض الإله «خنوم» عن هذا العمل غير المجدي، وأصبح المعوزون يمتلكون أشياء جميلة، بينما نجد الأشراف في حزن، لا يشاطرون أهليهم أفراحهم، ثم إن القلوب صارت ثائرة، والوباء انبث في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتى حتى أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذا فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة، وأصبح أصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن، بينما امتلأ الفقراء سرورا، وكل بلدة تنادي قائلة: فليقص أصحاب الجاه عنا، وصارت الأرض تدور كعجلة صانع الفخار، فأصبح اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلى دماء عافتها النفوس، ودمرت البلاد وصار الوجه القبلي صحراء جرداء، وأصبحت التماسيح في تخمة بما قد سلبت، وانتشر حفارو القبور في كل مكان بسبب كثرة الموتى، وخربت المنازل، وأصبح المصريون لا يرون الآن، وصار الذهب واللازورد والفضة والياقوت تحلي جيد الجواري، بينما تمشي السيدات النبيلات في طول البلاد يقلن: ليت لدينا بعض الشيء لنأكل، وصارت أعضاؤهن في حالة يرثى لها لما عليها من الخرق البالية، وقلوبهن تنفطر حزنا عندما يشاهدن أنفسهن في حالتهن هذه، وأصبح مهندسو السفن الملكية يشتغلون عمالا عاديين، ولم يعد الناس يذهبون إلى «ببلوص»، (وهي جبيل بلبنان) لإحضار خشب الأرز لأجل الموميات.

وأصبحت المدن لا تؤدى الضرائب بسبب القلاقل، وصارت الخزينة من غير دخل، وقضي على الضحك ولم يعد يسمع، بينما أخذ الحزن يتمشى في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى، وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول «ليتني مت قبل هذا»، والأطفال الصغار يقولون: «كان يجب عليه ألا يجعلنا على قيد الحياة»، وأولاد الأمراء يضرب بهم عرض الحائط، والأطفال الحديثو الولادة يلقون على قارعة الطريق، وانتزعت موميات علية القوم من مقابرها وألقيت في الطريق العام، وأصبح سر التحنيط جهرا، وألقي المواطنون على أحجار الطواحين، وأصبح الذين كانوا يرتدون الكتان الجميل يجلدون، واضطرت سيدات الطبقة الراقية اللائي كن يسكن في البيوت إلى العمل الشاق في حرارة الشمس، وأصبحت اللاتي كن على أسرة أزواجهن ينمن على مضاجع مقضة، وصارت السيدات مثل الجواري، وتحولت أغاني العازفين إلى أناشيد حزن، وأصبح الرجل الأحمق يشك في وجود «الإله» فيقول: ... «إذا عرفت أين يوجد الإله قدمت له قربانا»، وأصبحت الماشية والقطعان تندب بسبب حالة البلاد، والرجل يقتل أخاه من أمه، والطرق شائكة، فاللصوص يكمنون في الحشائش، حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله، ويسرقوا ما عليه، ثم يضربوه بالعصى حتى يقطع نفسه، ثم يذبح ظلما، وقد انمحى ما كان يشاهد بالأمس، وأتلفت المحاصيل، وأصبح القوم يأكلون الحشائش، ولم تعد هناك فاكهة ولا أعشاب تقدم للطيور، وقد أصبحت القاذورات تختطف من أفواه الخنازير بسبب الجوع، وانعدمت الغلال، وجرد القوم من الملابس والعطر والزيت، وصارت المخازن خاوية، وسلبت كتابات قاعة المحاكمة الفاخرة، وأذيعت التعاويذ السحرية التي كانت ملكا للحكومة، ونهبت الإدارات العامة ومزقت قوائمها، وذبح الموظفون وصار القوم يطئون بأقدامهم قوانين قاعة المحاكمة، ويجيئون في البيوت العظيمة (المحاكم العليا القديمة) دون خوف ولا وجل.

وبعد ذلك يأخذ الحكيم في وصف مصائب حلت بالبلاد تفوق بمراحل تلك التي سبق أن شكا منها؛ إذ تنهار الملكية وينتصر العامة، وهنا يظهر ثانية كيف أن الأغنياء أصبحوا فقراء بينما أصبح الغوغاء أثرياء فيقول: انظر فقد حدثت أشياء لم تحدث فيما مضى؛ إذ اغتصب الفقراء القبر الملكي، وأصبح الملك الذي دفن كصقر يرقد على نعش، وآل الأمر إلى أن حرمت البلاد الملكية بسبب بعض القوم الذين لا شعور لهم، وأظهر الناس العداء للملك الذي جعل الأرضين في سلام، وأفشيت الأسرار الملكية، وأصبح مقر الملك رأسا على عقب، وامتلأت الأرض بالعصابات، واغتصب الجبناء الرجال الشجعان، وأصبح من لم يكن في مقدوره أن يصنع لنفسه تابوتا يملك قبرا قد اغتصبه لنفسه، وألقي بأرباب المكان الطاهر (الموتى) على قارعة الطريق، وحدث أن الذي لم يكن يستطيع أن يقيم لنفسه حجرة يملك فناء مسورا، وطرد حكام البلاد وأصبحوا ينامون في المخازن، واضطرت السيدات الكريمات إلى الرقاد على الفراش الخشن، وأصبح الرجل الميسور ينام ظمآن، وذلك الذي كان يستجدي منه العقاقير صار يملك الجعة المسكرة، والذين كانوا يملكون الملابس أصبحوا في خرق بالية، وذلك الذي كان لا ينسج لنفسه أصبح يملك الكتان الجميل، ومن لم يبن لنفسه قاربا أصبح الآن صاحب سفن، ومن لم يكن له ما يظله أصبح يملك أفياء، وهؤلاء الذين كانوا يملكون ما يأويهم أصبحوا الآن عرضة لزعازع العواصف، وأصبح من كان يجهل الضرب على العود يملك قيثارا، وذلك الذي لم يكن يغنى له أحد أصبح الآن مثنى عليه من إلهة الموسيقى، وأصبح من كان ينام أعزب بسبب الحاجة يجد الآن سيدات نبيلات، ومن كان لا يملك شيئا صاحب ثروة ويمتدحه الأمير تملقا، ومن كانت لا تملك صندوقا صاحبة صوان، ومن كانت تشاهد وجهها في الماء صاحبة مرآة، وأصبح القصابون يغشون الآلهة، فيقدمون لهم ذبيحة من الإوز بدلا من الثيران، ولم يعد هناك موظف في موضعه اللائق به، وأصبح الناس كالقطيع المذعور من غير راع. أما الماشية فهي تجول ولا أحد يعنى بها، وكل إنسان يأخذ لنفسه منها ما يريد، وأصبح الرجل يذبح بجوار أخيه فيتركه في الضيق لينجو بنفسه، ولم يعد هناك صانع يعمل؛ إذ إن العدو قد حرم البلاد حرفها.

ثم يأخذ الحكيم في حث المخلصين للعرش على مقاومة أعداء الجالس عليه فيأمرهم بتدمير خصوم المقر الملكي صاحب الموظفين المتفوقين وصاحب القوانين العدة.

ثم ينتقل الحكيم إلى تذكير القوم بعبادة الآلهة، وكيف كانت تجري فيما مضى، وكيف يئول أمرها في المستقبل، فيذكرهم كيف كانت تجلب الإوز سمينة وتقرب إلى الآلهة، وكيف كانت تقام عمد الأعلام عند مدخل المعبد، وتنقش ألواح القربان، وكيف كان الكهنة يطهرون المعابد، وكيف كانت ترعى الأنظمة وتذبح الثيران.

ينتقل الحكيم بعد ذلك إلى مخاطبة الملك المسن فيقول له: إن القيادة والفطنة والصدق معك ولكنك لا تنتفع بها، فالفوضى ضاربة أطنابها في طول البلاد وعرضها، ولكنها مع ذلك تغذى بالأكاذيب التي تتلى عليك، فالبلاد قش ملتهب والإنسانية منحلة، ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك ...

بعد ذلك يصف لنا الوقت السعيد الذي يحفظه المستقبل، فيذكر أنه لحسن عندما تشيد أيدي الناس الأهرام، وتحفر البرك، وتنشئ للآلهة مزارع فيها أشجار، وعندما يكون السرور شاملا، وكبار الموظفين واقفين ينظرون إلى الأفراح وهم يرتدون أجمل الثياب، وعندما تكون الأسرة وثيرة ووسادات العظماء محمية بالتعاويذ التي تقيهم الأرواح الشريرة. بعد ذلك نشاهد فجوة كبيرة في المتن لا بد أنها كانت تحوي جواب الملك على هذا الكلام. ثم يجيبه الحكيم بأن القوم يغطون وجوههم من المستقبل، ويستمر في وصف سوء حال البلاد واقتحام مقاصير القبور وحرق التماثيل. غير أن المتن مهشم تماما.

الفصل التاسع عشر

نامعلوم صفحہ