موسوعة مصر القديمة
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
اصناف
وهناك قطعة من النقش نفهم منها أن الملك لم ينس خادمه المتوفى، لأنه حبس على مقبرة «وشبتاح» أوقافا بالقرب من الهرم المسمى «سحورع يضيء».
حقا إن ما ذكرناه من النوادر في حياة هذا الفرعون مع كبار رجال دولته، لا يعد في أعين الكثيرين تاريخا؛ إذ كان التاريخ في نظرهم لا يعرف إلا بالأرقام والحقائق الجافة، والمواقع الحربية، ولكن إذا نظرنا إلى هذه القصص من جهتها الاجتماعية والإنسانية، وما نقف منها عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان منذ أقدم عصور تاريخ الإنسان المتحضر؛ أي منذ نحو 4000 سنة، فإن ذلك يكون له قيمة عظيمة في نظر المؤرخ الحقيقي أكثر من آلاف التواريخ ومن كتب مليئة بالحقائق الجافة، ومن أهم مرامي التاريخ أن يوقفنا على عهود من سبقنا من أجدادنا وغيرهم ممن عاشوا منذ آلاف السنين بعيدين عنا، وعلى علاقة بعضهم ببعض وحال مجتمعهم، وهل كانوا مثلنا من دم ولحم يشعرون ويتألمون، ويحبون ويخافون ويتعاطفون ويتراحمون عندما ما تدعو الطبيعة إلى ذلك رغم الفوارق الاجتماعية، وهل سيموتون في النهاية كما نموت، ومن أجل ذلك فإنا نعتبر قص مثل هذه الذكريات التي نتصيدها من مجاهل الماضي، ونقتنصها من جوف أرض مصر مما يبرز لنا صورة واضحة للشعور الإنساني المتبادل بين الملك ورجال شعبه العاملين في هذه الأزمان السحيقة، وبين أفراد الشعب، وفي اعتقادي أن مثل هذه الصور الحية تعد أثمن خلاصة للتاريخ البشري، ولا عجب؛ فإن «نفر إر كا رع» قد ضرب المثل الأعلى في هذا المضمار وبخاصة في حسن المعاملة وطيب العلاقة بينه وبين كبار رجال دولته على مرأى من عامة الشعب في واقعتين سجلهما التاريخ، لم تكونا من وقائع حرب تقتل فيها النفوس بل وقائع رحمة وإخاء تؤثر فيها الأرواح.
وبعد وفاة «نفر إر كا رع» تولى الملك ثلاثة من الفراعنة، يظهر أنهم كانوا إخوة، غير أننا لا نعرف قرابتهم للفراعنة الثلاثة الذين سبقوهم، على أن الاثنين الأولين وهما «شبسس كا رع» و«نفرف رع». لا نعرف عنهما شيئا. أما ثالثهم وهو «نوسر رع»، فيظهر أنه كان شخصية هامة في تاريخ الأسرة الخامسة، وقد حكم نحو 30 عاما، وقد عثر على معبده وهرمه في أبي صير ووجد منقوشا على معبده أقدم رسم لاحتفال عيد «سد» الرسمي، وهو العيد الذي كان يقيمه الفرعون، إما عند بلوغه الثلاثين أو بعد حكمه بثلاثين عاما، وذلك ليعيد إلى نفسه الشباب والقوة الحيوية، ولا يفوتنا أن نذكر أن من بين كهنة هرم هذا الملك الكاهن «تي» بسقارة، وقد عثر حديثا على حجرة دفن ابنه ووجد فيها بعض أشياء قيمة، ومقبرة «تي» تمدنا بمعلومات قيمة جدا عن حياة هذا العصر من الوجهة الاجتماعية والدينية.
وتدل النقوش على أنه حارب في شبه جزيرة سينا حيث ترك لنا لوحة في وادي مغارة يظهر فيها ممثلا وهو يضرب الآسيويين، وقد نقش عليها ما يأتي: «قاهر الآسيويين من كل الأقطار». على حين أن معبد هرمه في أبي صير كان محلى بالنقوش التي تشاهد عليها انتصاراته على اللوبين والأعداء من سوريا.
وقد حفظت لنا النقوش أسماء اثنتين من زوجاته؛ «ختي خوي» و«نبت»، وكذلك نعرف اثنتين من بناته وهما «خع مرر نبتي» و«مرتاتس».
ويعتقد بعض المؤرخين أن «فتاح حتب» مؤلف كتاب الحكم هو ابن «نوسر رع»، ولكن هذا الرأي لا يستند على أسانيد تاريخية، بل الواقع أن هناك ما ينفي ذلك.
وقد كشف عن بعض نقوش من عهد الملك في مقابر رجال عظماء بلاطه، تكشف لنا بعض نواحي خلقية للمصريين، ومعاملتهم للموتى؛ فمن بين هؤلاء «حتب حري أخت»، وكان قاضيا ونائب الملك في «نخن»، وقد نقل هذا القبر إلى ليدن كغيره من قبور الدولة القديمة، التي كانت مصلحة الآثار تبيعها بأبخس الأثمان لمتاحف العالم.
3
والنقوش التي على قبر هذا العظيم تدل على سلامة القلب التي بها يغري المارين على قبره ليعاملوه كما يحبون أن يعاملوا هم فيقول: لقد أقمت هذا القبر من متاعي الحقيقي، ولم أستول على شيء للغير، فالذين سيقدمون إلي قربانا فيه، فإني سأقوم نحوهم بالمثل، وسأدعو لهم الإله لذلك كثيرا جدا، وسأفعل ذلك لهم مقابل الخبز والجعة، والملابس والعطور والحبوب بكميات عظيمة.
بعد ذلك نرى أن «حتب حري أخت» يظهر لنا تخوفه على قبره، فيكشف لنا القناع عن ناحية أخرى من نواحي الخلق المصري في معاملة مباني موتاهم ومحتوياتها وما لها من الأوقاف. فنجده يري لزاما عليه أن يعترف على نقوش مقبرته بأنه لم يسرق مقبرة أي إنسان، وكذلك يحذر كل مار من التعدي على قبره، أو أي شيء من محتوياته فيقول: لقد أقمت قبري هذا على المنحدر الغربي في مكان طاهر بكر (أي لم يستعمل من قبل)، ولم يكن فيه قبر أي إنسان، لأجل أن يحافظ على أملاك الذي قد رحل إلى قريته «الكا». أما من جهة دخول بعض الناس هذا القبر مدعين أنه عقار مأتمي لهم، أو إحداث أي شيء ضار به، فإنهم سيحاكمون من أجل ذلك أمام الإله العظيم، ولقد شيدت هذا القبر لأني رجل مبجل لدى الملك الذي أحضر لي تابوتا، ولعمري، فإن هذا المتن يدلنا دلالة واضحة عن مبلغ تخوف المصري مدة حياته وما عساه أن يلحق بقبره بعد مماته، لأنه كان يرى بعينه ما يحدث لقبور الغير، وما كان عليه الخلق المصري من هذه الناحية، ولقد بقي هذا الداء الدفين أهم ما يشكوا منه المصريون طوال تاريخ حياتهم، وقد تفننوا في الوصول إلى استئصال هذا الداء، ولكنه كان يزداد كلما ازدادت ثروة البلاد، كما سنرى فيما بعد. (4) الملك منكاوحر
نامعلوم صفحہ