موقف الجمهوريين من السنة النبوية
موقف الجمهوريين من السنة النبوية
ناشر
مطبوعات رابطة العالم الإسلامي
پبلشر کا مقام
مجلة دعوة الحق- سلسلة شهرية تصدر مع مطلع كل شهر عربي
اصناف
مَوْقِفُ الجُمْهُورِيِّينَ مِنَ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
بقلم الدكتور: شوقي بشير
عدد الأجزاء: ١.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، غفر الله له ولوالديه.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
نامعلوم صفحہ
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾
[مطبوعات رابطة العالم الإسلامي]
دعوة الحق:
سلسلة شهرية تصدر مع مطلع كل شهر عربي
السنة السابعة - العدد ٧١ - صفر ١٤٠٨ هـ - سبتمبر ١٩٨٧ م.
مَوْقِفُ الجُمْهُورِيِّينَ مِنَ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
بقلم الدكتور: شوقي بشير
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقَدِّمَةٌ:
إن أول نواة لفرقة الجمهوريين هم مجموعة من السودانيين الذين انتموا إلى الحزب الجمهوري الاشتراكي السوداني للمساهمة والاشتراك في الحياة السياسية قبل استقلال السودان.
وكانت بداية نشأة الحزب الجمهوري الاشتراكي في أواخر أكتوبر ١٩٤٥ م بزعامة محمود محمد طه، وقد نشأ الحزب نتيجة لظروف معينة مشابهة للظروف التي أسهمت كثيرًا في ظهور الأحزاب السياسية في السودان، إلا أن الحزب الجمهوري كان حزبًا علمانيًّا بصورة واضحة.
ومع أن اتجاه الحزب الجمهوري الاشتراكي كان واضحًا منذ البداية إلا أن زعيمه محمود حاول أن يصبغه بصبغة دينية حتى يجد سَنَدًا شَعْبِيًّا، وحتى يظل أعضاء الحزب تحت سيطرة زعيمهم.
وبدأ الحزب الجمهوري في التحول إلى فرقة باطنية لها اتجاهها الباطني المخالف للإسلام في عام ١٩٥٢ م العام الذي أعلن فيه زعيمهم بأنه قد استقام له أمر نفسه وأصبح على مشارف الوصول للمعية بالذات الإلهية.
وخرج من الحزب عدد من الرجال بعد قيام رئيس الحزب بتلطيخ الشعارات الإسلامية والسياسية العامة التي رفعها الحزب بمنهج الفكر الباطني، كما دخل في الحزب آخرون، وقد نجح محمود
1 / 5
في ملء فراغ أتباعه الفكري بفكره التلفيقي الذي جمعه من أفكار الفرق الباطنية في القديم والحديث ومن الفلسفات الإلحادية وقام على أصول فلسفية منها:
(أ) مذهب وحدة الوجود.
(ب) المعدوم هو عين الله بمعناه البعيد.
(ج) عقائد النحل الباطنية في القديم والحديث.
(د) عقيدة التجسد البهائية.
(هـ) الفلسفة الوجودية.
(و) الفلسفة الشيوعية.
(ز) النظرية الداروينية.
(ح) نظرية فرويد النفسية.
وفرقة الجمهوريين تتخذ أساليب وَحِيَلًا لاستدراج مجموعة من المسلمين لاخراجهم عن الإسلام الذي عرفوه، وجعلهم أتباعًا للمذهب الجمهوري، لأن التصريح بحقيقة مذهبهم لا يجذب أحدًا من المسلمين.
ولقد اعتمد الجمهوريون في معظم حيلهم وأساليبهم على الحيل والأساليب التي اعتمد عليها دعاة الباطنية خاصة في استخدامهم لِلْسُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
وفي هذا الكتاب سوف أُنَبِّهُ على المآخذ التي نراها في أسلوب الجمهوريين في استخدام السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لكي تحذر وتتقى مع أن حصرها يصعب على الإنسان لأن طرق أهل الباطل متعددة وليست
1 / 6
واحدة وطريق أهل الحق واحد لا طريق غيره فالحق أمر ثابت في نفسه لا بغيره قول أهل الباطل فيه ومحاولاتهم لتفهيم الناس أنه ليس حقًا. وفيما يلي نبين موقف الجمهوريين وآراءهم بالنسبة لِلْسُنَّةِ ونناقشهم في ذلك.
شوقي بشير المجيد
جامعة أُمْ دُرْمَانْ الإسلامية.
1 / 7
الفَصْلُ الأَوَّلُ: زَعْمُ الجُمْهُورِيِّينَ بِأَنَّ السُنَّةَ هِيَ مَا هُمْ عَلَيْهَا اليَوْمَ:
يرى الجمهوريون أنهم أتباع السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وأنصارها اليوم، وما يَتَّبِعُهُ غيرهم من المسلمين ليس بِسُنَّةٍ - وإن كانت سنة قبل ظهور فرقتهم - فالسنة في رأيهم هم ما داوم عليه الرَّسُولُ ﷺ من عمل في خاصة نفسه، وإنها هي التي عليها هم اليوم في بداية طريقهم إلى الله - مرحلة التقليد - فهي - في رأيهم - الحق المنظور في طلب الحقيقة، والحقيقة عند الجمهوريين - هي سُنَّةُ الله - ﷾.
ويرى الجمهوريون أن علماء الحديث والأصول قد أخطأوا في جعلهم سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ هي عمله وقوله وإقراره بينما هي ليست كذلك.
جاء في كتاب " الرسالة الثانية من الإسلام " ما يلي:
«إن مما ألف الناس أن سُنَّةَ النَّبِيِّ هي قوله وإقراره وعمله، والحق أن هذا خطأ، فإن قول النبي وإقراره ليسا سُنَّةً (١)، وإنما هو شريعة، وأما عمله في خاصة نفسه فهو سُنَّةٌ ...».
_________
(١) من أمثلة السنة التقريرية التي يرفضها الجمهوريون لأنها تقريرية المشي أمام الجنازة وخلفها، فهم يرون أن المشي أمام الجنازة ليس بِسُنَّةٍ كما هو واضح في حديثهم على تشييع الجنازة والبكاء على الميت. ص ١١ كُتَيِّبْ " تعلموا كيف تجهزون موتاكم " ط ١ - رمضان ١٤٠١ هـ - فعند الجمهوريين تكون الجنازة أولًا ثم الرجال من خلفها في جماعات، ثم النساء مجتمعات خلف الرجال.
1 / 8
نعم هناك من قوله قول يلحق بالسنة وذلك القول الذي يَنِمُّ عن حال قلبه ...
السُنَّةُ هي عمل النبي في خاصة نفسه والشريعة هي تنزل من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى أمته، ليعلمهم فيما يطيقون وليكلفهم فيما يستطيعون، فالسنة هي نبوته والشريعة هي رسالته، وإنما في مضمار رسالته هذه قال: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» (١) فقول النَّبِيِّ ﷺ ليس بِسُنَّةٍ عند الجمهوريين إلا إذا كان يتحدث عن حال قلبه، فقوله هو شريعته المحمدية التي قال بها كَمُشَرِّعٍ لأمة الأصحاب، فالصحابي يُصَدِّقُهُ في هذه المسألة كما يُصَدِّقُ غيره من المُسْتَيْقِنِينَ، ويتبعه فيما يقول عن ربه وما يبلغ من أوامره ونواهيه (٢). ويستدل الجمهوريون في هذه المسألة بقول نسبوه إلى النَّبِيِّ ﷺ «حَالِي حَقِيقَةٌ وَعَمَلِي طَرِيقَةٌ وَقَوْلِي شَرِيعَةٌ» (٣).
قال محمود محمد طه: «وأما قوله فمنه ما هو شريعة ومنه ما هو سُنَّةٌ ... فالقول المراد به إلى تعليم الأُمَّةِ وتنظيمها والتشريع لها فهو شريعة، مثال ذلك
_________
(١) محمود محمد طه: " الرسالة الثانية من الإسلام ": ط ٤. ص ١٣. الإخوان الجمهوريون: الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشؤون الدينية، ط. ديسمبر ١٩٧٤ م، ص ١٧.
(٢) انظر: محمود محمد طه، " رسالة الصلاة ": ص ٣٦. محمود محمد طه، " [سلسلة] رسائل ومقالات - الكتاب الثاني ": ص ٣٦.
(٣) قال محمد نجيب المطيعي في مقاله (النبأ الأثيم أو الهوس اللاديني الذميم): «من وضع بعض الصوفية».
1 / 9
حديث «كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلاَ فَزُورُوهَا» (١).
وأما القول العامي إلى تعليم الأُمَّةِ، والدال على حال قلب النبي من المعرفة بربه فهو السُنَّةُ ولا حق بها، مثال ذلك:
«إن الله قد احتجب عن الأبصار .. وإن الملأ الأعلى ليطلبونه كما تطلبونه» هذا الحديث لاحق بِالسُنَّةِ في الحقيقة ينم عنها القول وينم عنها العمل، ولذلك «قلنا إن السُنَّةَ هي عمل النبي في خاصة نفسه» (٢).
فَسُنَّةُ الرَّسُولِ ﷺ - عند الجمهوريين - هي عمله في خاصة نفسه، وهي الفكر، وهي حال قلب النبي في الحقيقة، وهي المسؤولية الفردية - الخاصة بالنبي - وهي حريته الفردية المطلقة التي تمتع بها بعد أن أصبح أصيلًا في سُنَّتِهِ التي لم يقلد فيها أحدًا من الأنبياء قبله.
ويستدل الجمهوريون على قولهم بأن السُنَّةَ هي الفكر، وأنهم هم الذين يتبعونها في العبادة وَالسُنَّةِ التي يتبعونها هي التي تحارب أن تصبح العبادات عادات، فالعبادات وسائل كلفوا بها لتربية نفوسهم ومعرفتها بربها.
_________
(١) " صحيح مسلم " - كتاب الجنائز - باب استئذان النبي ﷺ ربه ﷿ في زيارة قبر أمه: ٢/ ٦٧٢، حديث رقم ١٠٦. و" سنن الترمذي " - كتاب الجنائز - باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبول -: ٣/ ٣٧٠، حديث رقم ١٠٥٤.
(٢) محمود محمد طه، " من دقائق حقائق الدين ": ط ٤. ص ١٨.
1 / 10
وَ«مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ» (١).
وَالسُنَّةُ النَّبَوِيَّةُ التي يتبعها الجمهوريون يتبعونها في مرحلة التقليد، وبعدها يتمتعون بحريتهم الفردية المطلقة فليس في مرحلة الأصالة تقليد وإنما هو تأس (٢).
وقد أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن السُنَّةَ هي ما يتبعونه، فما يتبعونه ليس هو السُنَّةُ وإنما يتبعون ما شرعه لهم زعيمهم محمود محمد طه، الذي أمرهم بالتأسي بِالرَّسُولِ ﷺ واتخاذه قدوة فيما هو من خصائصه، بينما منعهم من اتباع السُنَّةِ الحقيقية بِحُجَّةِ أن السُنَّةَ الحقيقية ليست سُنَّةً، كما أخطأ الجمهوريون في فصلهم بين الشريعة وَالسُنَّةِ وزعمهم أن قول النَّبِيِّ ﷺ شريعة وأنه مُخَالِفٌ لِلْسُنَّةِ، وأن إقراره شريعة مُخَالِفٌ لِلْسُنَّةِ، فَالسُنَّةُ لغة هي الطريقة المتبعة.
وشرعًا هي ما شرعه الرَّسُولُ ﷺ بإذن الله تعالى لأُمَّتِهِ من طرق وسبل الخير، وما انتدبها من الآداب والفضائل لتكمل وتسعد.
«فإذا كان ما سَنَّهُ النَّبِيُّ قد أمر بالقيام به والتزامه فذلك من السُّنَنِ الواجبة التي لا يسع المسلم تركها، وإلا فهي من السُّنَنِ
_________
(١) قال عبد الرحمن الوكيل في تحقيقه لكتاب " تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي " في هامش ص ٤٣ أن «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ» ليس بحديث فقد قال النووي ليس بثابت ويرى ابن تيمية أنه موضوع، ويريد من يستدل به من القائلين بوحدة الوجود أن من عرف نفسه أنه هو الله.
(٢) انظر: الإخوان الجمهوريون: " الصوم ضياء والصلاة نور "، ط ٣. رمضان ١٣٩٩ هـ. انظر: " اليوم الهجرة من النفس السفلى إلى النفس العليا ": ص ٦.
" الإسلام رسالته الأولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين ": ص ٣٦.
1 / 11
المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها» (١).
فَالسُنَّةُ هي قول النَّبِيِّ ﷺ وفعله وتقريره فهو كما يسن بفعله يسن بقوله وتقريره.
وقد أخطأ الجمهوريون في قولهم بأن إقرار النَّبِيِّ ﷺ ليس بِسُنَّةٍ، فإقرار النَّبِيِّ ﷺ سُنَّةٌ.
فمن «مقتضى ما تقرر من عصمته ﷺ وأمانته في التبليغ أن لا يقر أحدًا على أمر غير مأذون فيه شرعًا، فيكون إقراره للأمر دليلًا على أنه لا حرج في فعله سواء شاهده بنفسه فسكت أو بلغه فلم ينكره وما لا حرج فيه يشمل الواجب والمندوب والمباح، فيحمل على أقل مراتبه وهو الجواز حتى يقول الدليل على الندب أو الوجوب» (٢).
«ولا يدل الإقرار على جواز الفعل في حق من أَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ من أُمَّةِ أصحابه ومن معه حتى قيام فرقتهم، وأن عمومه لا يشمل من عاش في القرن العشرين وما بعده، وإنما يشمل فقد أُمَّة الأصحاب، فإقرار النَّبِيِّ ﷺ على جواز الفعل لا يدل على جوازه في حق من أقره النَّبِيُّ ﷺ، " بل يكون الجواز حُكْمًا شاملًا لجميع المكلفين، أخذًا بالأصل الذي هو استواء الناس في أحكام الشريعة "» (٣).
_________
(١) أبو بكر الجزائري، " الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف ": ص ١٥، ١٦.
(٢) الشيخ محمد خضر، " رسائل الإصلاح ": ٢/ ١٦٧.
(٣) انظر: أحمد أمين، " فجر الإسلام " ط ١٠. بيروت.
1 / 12
كما أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن قول الرَّسُولِ ﷺ ليس بِسُنَّةٍ، كما أن الحُجَّةَ التي اعتمدوا عليها في هذه المسألة ليست بِحُجَّةٍ فلا يعني القول بأن قول النَّبِيُّ ﷺ شريعة أنه ليس بِسُنَّةٍ أو أن النَّبِيُّ ﷺ لا يعمل بقوله إلا على سبيل التعليم لأمته، وأما أصحابه فيعملون به طَمَعًا في الارتفاع من مستوى رسالتهم المحمدية إلى الأحمدية، أو الارتفاع من سُنَّتِهِمْ التي يتبعونها إلى سُنَّةِ النَّبِيُّ في خاصة نفسه ثم إلى سُنَّةِ الله.
فالحق أن قول النَّبِيُّ ﷺ الذي هو من سُنَّتِهِ المتعبد بها والتي شرعها الرَّسُولُ ﷺ بإذن الله تعالى لأمته، واتبعته في ذلك، فقد شَرَّعَ الرَّسُولُ ﷺ للمسلمين بأقواله وأفعاله وتقريره فقد حدثت حوادث وخصومات قضى فيها النَّبِيُّ ﷺ بالحديث لا بالقرآن (فكان قضاؤه تشريعًا) كما أن الرَّسُولَ ﷺ قد بَيَّنَ كثيرًا من آيات القرآن الكريم بأقواله كبيانه للصلاة والزكاة وسائر العبادات.
«فكل ما قاله النَّبِيُّ ﷺ أو فعله أو حدث أمامه واستحسنه كان تشريعًا» (١). ولا يعني كونه تشريعًا أنه ليس بِسُنَّةٍ كما ذهب إلى ذلك الجمهوريون.
كما أخطأ الجمهوريون في زعمهم أن فعل النَّبِيِّ ﷺ ليس بِسُنَّةٍ إلا ما كان خالصًا به وأخطأوا في جعلهم هذه هي السُنَّةَ كما أخطأوا في حصرهم لِلْسُنَّةِ في عمل الرَّسُولِ ﷺ في خاصة نفسه، فالأفعال التي يعلم المسلم أنها من اختصاص النَّبِيِّ ﷺ كالوصال في
_________
(١) انظر: أحمد أمين، " فجر الإسلام، ط ١٠. بيروت.
1 / 13
الصوم أو الزيادة في النكاح على أربع ليست محلًا للتأسي ولا يجب على أحد أن يقتدي به فيما هو من خصائصه فقط (١). فكيف ينادي محمود محمد طه بجعل ما اختص به الرَّسُولُ ﷺ شريعة عامة لأتباعه في مرحلة التقليد ويسميها (شريعة النبوة) ومما لا شك فيه أن هذه مخالفة صريحة للإسلام والمسلمين، وإن حاول الجمهوريون في سبيل إرضاء عدد كبير من الناس التنازل عن اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ في بعض المسائل الواضحة جِدًّا أنها من خصائصه، والتي تفيدهم التنازل عنها، فقد حرموا التعدد والزيادة في النكاح على أربع لإرضاء المرأة وكسبها لجانبهم، كما هربوا من صيام المواصلة بحجة أن الرَّسُولَ ﷺ قد فداهم كل التفدية، والحقيقة أن نفوسهم لا تطيق الصيام الذي يصومه المسلمون فكيف تطيق صيام المواصلة، وما ذهابهم إلى القول بأن الرَّسُولَ ﷺ فداهم كل التفدية إلا محاولة لفتح الباب للقول بسقوط الصيام.
ولا ندري ماذا يقصد الجمهوريون بقوله إن السُنَّةَ هي الفكر، فكلمة فكر كلمة عامة عندما تطلق يُرَادُ بها الفكر الإغريقي والهندي والفارسي والعلماني الأوروبي، وغير ذلك من أنواع الفكر، أم أنهم يقصدون الفكر الإسلامي، وعلى العموم قد أخطأ الجمهوريون في هذه المسألة أيضًا لان الفكر فيما يبدو مرادف عندهم لِسُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ في خاصة نفسه، بينما الفكر هو محاولات علماء المسلمين العقلية لشرح الإسلام في مصادره الأصلية: القرآن
_________
(١) " رسائل الإصلاح ": ٢/ ١٦٢.
1 / 14
والسُنَّةُ الصحيحة ويشمل:
(أ) استنباط الأحكام الدينية في صلة الإنسان بخالقه في العبادة.
(ب) الدفاع عن العقيدة والرد العقائدي (١).
فكيف يجعل محمود محمد طه الفكر الإسلامي الغني هو فكرهم الجمهوري بحجة أنهم هم الذي يَتَّبِعُونَ السُنَّةَ وأن السُنَّةَ هي الفكر، والذي نعرفه في هذا المجال أن سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ هي الحكمة التي أنزلها الله ﷾ على رسوله مع الكتاب والتي كانت أزواج النَّبِيِّ ﷺ يذكرنها في بيوتهن مع آيات الله (٢).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (٣).
_________
(١) انظر للتوسع في هذه المسألة: محمد البهي: " الفكر الإسلامي في تطوره ": ط ١ ١٩٧١ م. دار الفكر.
(٢) انظر ابن تيمية: " القاعدة المراكشية ": ص ٣٥.
(٣) انظر " سنن الترمذي "، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة، دار إحياء التراث العربي بيروت (بلا تاريخ)، كتاب العلم - باب ما نهى أن يقال عند حديث النَّبِيِّ ﷺ، ٥/ ٣٨، حديث رقم ٢٦٦٤. و" سنن أبي داود ": كتاب السنة - باب لزوم السنة، ٤/ ٢٠٠ حديث رقم ٤٦٠٤.
1 / 15
الفَصْلُ الثَّانِي: اِعْتِمَادُ الجُمْهُورِيِّينَ عَلَى الأَحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ:
لقد اعتمد الجمهوريون على الأحاديث الموضوعة فقد حفلت كتيباتهم بعدد كبير من الأحاديث الموضوعة و«التي لا أصل لها في الدين، والتي وضعت أساسًا واختلفت لدعم قضايا فرغ منها سلفًا، ثم بحث لها بعد ذلك عن السند الذي تقوم عليه، وقد قام بهذه المهمة في السابق فريق من الباطنيين والروافض والزنادقة الذين خرجوا بمقررات جديدة خالفوا فيها إجماع الأُمَّةِ ومعلومها من الدين بالضرورة، فلم يجدوا إلا أن يضعوا الحديث كذبًا على رَسُولِ اللهِ ﷺ وهو منه براء» (١).
«وقد جاء في الحديث المتواتر عن النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (٢). وقال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين بتكفير كل من وضع على رَسُولِ اللهِ ﷺ، وقد هب علماء الحديث يدافعون عن مصدر الشريعة الثاني - بعد القرآن -
_________
(١) محمد وقيع أحمد: بحث مخطوط عن الجمهوريين - مبحث الأحاديث الموضوعة -.
(٢) " صحيح البخاري بشرح فتح الباري ": كتاب العلم - باب من كذب على النَّبِيِّ ﷺ، ١/ ٢٠٠، حديث رقم ١٠٧، و" صحيح مسلم " للإمام أبي الحسين مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: كتاب الإيمان - باب تغليظ الكذب على رَسُولِ اللهِ ﷺ، ١/ ١٠، حديث رقم ٤.
1 / 16
فوضعوا علم الجرح والتعديل ونصبوا الموازين الصارمة لقبول الرواية وتقويم الرواة .. ولم يتركوا ثغرة يأتي منها حديث ضعيف أو موضوع إلا ورصدوا لها من يقف عليها، وتعقبوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة وَأَلَّفُوا فيها مجلدات كاملة .. كان من أروعها في القديم " اللآلئ المصنوعة " للإمام السيوطي.
ولعل من أروعها في الحديث " سلسلة الألباني عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (١).
وقد اعتمد الجمهوريون في مذهبهم على عدد كبير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رَسُولِ اللهِ ﷺ، وعلى عدد من الأحاديث الضعيفة من حيث السند والضعيفة من حيث المتن، وَبَنَوْا على كل ذلك بنيان عقيدتهم ومذهبهم، وجعلوا هذه الأحاديث أدلة يعتمدون عليها، مع أن الأحاديث المعروفة الكذب لا يسند إليها حكم ولا يعتمد عليها كدليل، كما أن الأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النَّبِيَّ ﷺ قالها فلا يمكن أن يسند إليها حكم أيضًا خاصة إذا عارض الحديث الضعيف السند أصلًا من أصول الشريعة (٢). كما أن الأحاديث الموضوعة والضعيفة في كتيبات الجمهوريين تبين لنا الأسس الواهية التي بنى عليها الجمهوريون مذهبهم، فالحقيقة الواضحة هي أن الدافع لاعتماد الأحاديث المكذوبة في المذهب الجمهوري هو الهوى والجهل وحرية زعيمهم الفردية المطلقة من كل قيد.
_________
(١) محمد وقيع الله أحمد: " بحث مخطوط عن الجمهوريين ".
(٢) انظر تفصيل هذه المسألة في كتاب " الاعتصام " للشاطبي: ص ٢٢٥، ٢٢٦.
1 / 17
ويكفي أن نذكر عددًا من الأمثلة لتأكيد صحة ما نقول.
[المثال الأول: «رَجَعْنَا مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ». قِيلَ وَمَا الجِهَادُ الأَكْبَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «جِهَادُ النَّفْسِ»]:
حديث ضعيف من جهة السند.
«رَجَعْنَا مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ». قِيلَ وَمَا الجِهَادُ الأَكْبَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «جِهَادُ النَّفْسِ» (١).
هذا القول اعتمد عليه الجمهوريون في مذهبهم، وذكروا كثيرًا في كتيباتهم، كما ذكره محمود دائمًا في محاضراته، وقد بنى عليه الجمهوريون عقيدتهم في مسألة الهجرة التي يدعون إليها وفي مسألة ترك الجهاد.
قال الجمهوريون: «وقد جاء في الأثر أن النَّبِيُّ ﷺ كان يرجع من إحدى الغزوات يقول: " رَجَعْنَا مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ " ونحن الآن نستشرق علم الجهاد الأكبر بالحاجة له».
ويستدل الجمهوريون بهذا القول على ضرورة الجهاد الأكبر وأهميته في العصر وحاجة الإنسان له، وعدم حاجته للجهاد الأصغر جهاد الكفار.
قال الجمهوريون: «والمسلمون اليوم مواجهون حقًا بأمر الجهاد الأكبر ليغيروا أنفسهم وينهضوا من حال الضياع الذي نعيش فيه، لقد جاء في الأثر أن أحد الأصحاب سأل النَّبِيَّ الكرِيمَ: " مَتَى السَّاعَةَ
_________
(١) ذكر العجلوني أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قال في تسديد القوس: إن الحديث من كلام إبراهيم بن عبلة، ثم ذكر العجلوني أن الحديث في " الإحياء " للغزالي، وقال العراقي في تخريجه للحديث: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر.
انظر: " كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس " للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ٣، ١٣٥١ هـ، ١/ ٤٢٤.
1 / 18
يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا» وهذا هو الاتجاه الإيجابي الذي تُلْزِمُنَا به السُنَّةُ. (١).
وهذا الحديث الذي يعتمد عليه الجمهوريون في بيان عقيدتهم في ترك الجهاد «قد ضعفه غير واحد من أهل العلم من حيث السند، وهو غير صحيح من حيث المعنى أيضًا، وكل من علم مكانة الجهاد في سبيل الله، وأجر من استشهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله الذين هم ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] يدرك تمامًا أن البون شاسع بين هذا الجهاد الذي هذه مكانته، وبين الجهاد الثاني الذي هو مخالفة الهوى، وحمل النفس على الطاعة، مع العلم أن من قام بجهاد الكفار، وخاض المعركة لإعلاء كلمة الله فقد جمع بين الجهادين والأمر واضح» (٢).
قال المُلاَّ علي القاري في كتابه المعروف بـ " الموضوعات الكبرى ": «قال العسقلاني في " تسديد القوس ": " هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن [أبي] عبلة (٣) في " الكنى " للنسائي "».
قال المُلاَّ: «ذكر الحديث في " الإحياء " (ونسبه العراقي إلى البيهقي
_________
(١) " الإخوان الجمهوريون: هذا قرن الهجرة الثالثة ": ص ١١.
(٢) محمد أمان بن علي الجامي: " المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية "، ط دار الأصفهاني للطباعة، جدة: ص ١١.
(٣) " تهذيب التهذيب ": ١/ ١٤٢: إبراهيم بن أبي عبلة روى عن [أَبِي] أُبَيٍّ بْنُ أم حرام وأنس بن مالك، وروى عن مالك والليث وابن المبارك وابن إسحاق. قال ابن المديني: كان أحد الثقات، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال حمزة بن ربيعة: ما رأيت أفصح منه، مات سنة ١٥٢ هـ. وفي " كشف الخفاء " (إبراهيم بن عيلة) هامش صفحة ٢٠٦، كتاب " الموضوعات الكبرى ".
1 / 19
من حديث جابر وقال: هذا إسناد ضعيف. وقال السيوطي: روى الخطيب في " تاريخه " من حديث جابر قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزَاةٍ لَهُمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «قَدِمْتُمْ خَيْرَ مَقْدَمٍ وَقَدِمْتُمْ مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ» قَالُوا: وَمَا الْجِهَادُ الأَكْبَرُ قَالَ: «مُجَاهَدَةُ الْعَبْدِ هَوَاهُ» (١).
[المثال الثاني: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ اللهِ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»]:
حديث لا أصل له:
«تَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ اللهِ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (٢).
هذا القول ذكره محمود محمد طه في كتيبه " رسائل ومقالات "، واستدل به على أنه إشارة من النَّبِيِّ ﷺ إلى أن العبادة هي محاولة لقطع المسافة التي تفصل بين الإنسان والرب، بين صفات النقص وصفات الكمل، وهي مسافة لا تقطع إلا بتقريب الصفات من الصفات، فالفرق بين الله والإنسان - عند محمود - هو أن صفات الله في جانب الكمال وصفات الإنسان في جانب النقص، والإنسان الكامل لا يستطيع تحقيق صفات الكمال، واستدلال محمود بهذا القول يهدف منه إلى بيان عقيدته في وحدة الوجود (٣) فأخلاق الله - في مذهبه - كامنة فينا، فالعلم المطلق كامن في قلوب الناس والغيب كامن في قلوب الناس ولا يحتاج الإنسان لأكثر من أن
_________
(١) المُلاَّ علي القاري: " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " المعروف بـ " الموضوعات الكبرى "، تحقيق محمد [بن لطفي] الصباغ، حديث ٢١١، ص ١٠٦.
(٢) قال الشيخ محمد أمان بن علي الجامي في كتابه " المحاضرة الدفاعية عن السنة المحمدية ": «هذا الحديث لا أصل له في شيء من كتب السنة، ولا يعرف له إسناد ومعناه غير صحيح».
(٣) محمود محمد طه: " رسائل ومقالات ": ج ١ ص ٤٥.
1 / 20
يظهره، وإظهاره يكون بأدب الوقت.
ولا شك أن هذه العقيدة فاسدة، واستدلال محمود بهذا القول خطأ، وبيان أن المراد «بالأخلاق الصفات قطعًا، فالله موصوف بالعظمة والكبرياء وأنه يُحْيِي وَيُمِيتُ، وهل يجوز للعبد أن يتصف بهذه الصفات؟ الجواب السليم: لا .. وقد يقول قائل هنا أليس العبد يوصف بالعلم والقدرة والحياة والوجود وهذه من صفات الله؟ الجواب أن يقال: إن علم الخالق تعالى غير علم المخلوق وكذلك قدرته وحياته ووجوده». فعلم المخلوق علم مخلوق مثله «يناسب حاله كان مسبوقًا بجهل، ويطرأ عليه النسيان ما أكثر ما نعلم شيئًا ثم ننساه فهو ناقص غير محيط بكل شيء؟ أما الرب ﷾ فعلمه قديم - قِدَمَ ذَاتِهِ - غير مسبوق بجهل ولا يطرأ عليه نسيان ولا غفلة، وهو محيط بجميع المعلومات وهكذا يقال في سائر صفاته التي فيها الاشتراك في اللفظ كالكرم والرحمة والمحبة والعفو .. وهكذا نزول الشبهة».
[المثال الثالث: «مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمْ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»]:
حديث موضوع.
«مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمْ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (١).
هذا القول ورد به الاستدلال كثيرًا في كتيبات الجمهوريين تدعيمًا لغلوهم في قضية الإلهام والعلم والمخاطبة الكفاحية وإمكانية تحصيل الإنسان للعلم الإلهي المطلق - الذي يزعم الجمهوريون أنه
_________
(١) " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " للحافظ أبي نعيم الأصفهاني، ط مطبعة السعادة، مصر ١٣٥٧ هـ، ١٠/ ١٥. قال أبو نعيم: «هذا الحديث ليس بمرفوع، بل هو من كلام بعض التابعين كما ذكر ذلك الإمام أحمد بن حنبل».
1 / 21