والحق ألا إسراف ولا تجن من رجال العلوم حين يهاجمون الفلسفة قائلين: إنها حين تبحث في مشكلات مثل وجود الله وخلود الروح وحرية الإرادة، فإنما تنسج نظرياتها من رءوس الفلاسفة نسجا لا تستند فيه إلى تجربة؛ ولذلك كانت الفلسفة راكدة لا تكاد تخطو كما تخطو العلوم، فلا تزال تناقش اليوم نفس المشكلات التي ناقشها اليونان الأقدمون، أما العلم فغير ذلك، إذ هو يبني على ما قاله السابقون ثم يمضى.
12
وجدير هنا بالذكر أن نشير إلى دفاع في هذا الصدد ساقته «الدكتورة روث سو»
13
في كتاب حديث أخرجته لتدافع به عن الميتافيزيقا في وجه المتنكرين لها من رجال الوضعية المنطقية، إذ قالت: إنه ليس صحيحا ما يعترض به على الفلسفة من أن مشكلاتها باقية على حالها، على خلاف العلم الذي يتقدم؛ لأن النظرية الحديثة فيه تحل محل النظرية القديمة، ذلك عندها اعتراض ليس ثمة ما يبرره؛ لأنه يستحيل على فيلسوف اليوم أن يتجاهل النتائج التي وصل إليها «كانت» والفلاسفة التجريبيون الإنجليز، لكننا نحب أن نردف هذه الملاحظة بأن «كانت» والفلاسفة التجريبيين الذين تعتمد عليهم في دفاعها، هم في الحقيقة من فلاسفة التحليل، وسنرى في غضون هذا الكتاب أن ما نهاجمه هو «الميتافيزيقا» بمعناها التقليدي، أي بمعنى البحث في أشياء لا تقع تحت الحس ك«المطلق» و«الجوهر» و«الشيء في ذاته» وما إلى ذلك؛ وأما التحليل - تحليل القضايا العلمية وكلام الناس في حياتهم اليومية - فأمر مشروع بغير شك؛ لأنه يلقي الضوء على ما تعنيه تلك القضايا والعبارات، دون أن يدعي إثبات حقيقة عن شيء من أشياء العالم، وسيرى القارئ بعد قليل، أننا نؤيد وجهة النظر القائلة بأن «الفلسفة» إذا أرادت أن تظل قائمة بين أوجه النشاط الإنساني، بحيث تؤدي عملا يساعد على تقدم الفكر في شتى ميادينه، فلا مندوحة لها عن قصر نفسها على التحليل وحده - تحليل ما يقوله غير الفلاسفة من الناس - فالقول لسواهم وعليهم التوضيح، يقول «وتجنشتين»: «الطريقة الصحيحة للفلسفة هي ألا نقول إلا ما يمكن أن يقال، أعني ألا نقول إلا قضايا العلم الطبيعي، أي أن نقول شيئا لا شأن له بالفلسفة [معناها التأملي]، فلو أراد قائل أن يقول شيئا في الميتافيزيقا، فعلينا أن نبين له أنه لم يوضح ماذا تعني رموز بعينها في قضاياه، [أي نبين له بأن قوله ليس بذي معنى مفهوم].»
14
3 «موضوع الفلسفة هو توضيح الأفكار توضيحا منطقيا.»
15
هكذا يقول «وتجنشتين»، وتقول معه الكثرة الغالبة من فلاسفة اليوم، وهكذا أيضا نريد أن نقول وندافع عن هذا القول، فأول ما نريد أن ننزعه من الأذهان، هو الاعتقاد الباطل بأن الفلسفة لها «موضوعها الخاص الذي تبحث فيه، شأنها في ذلك شأن سائر العلوم، لا، بل الفلسفة تحليل للعبارات مهما يكن مصدرها، الفلسفة طريقة بغير موضوع، إنها تأخذ العبارة التي تحللها من هذا العلم أو من ذاك، بل قد تأخذها من أفواه الناس في حياتهم اليومية؛ فلقد سمع طالب صيني بفيلسوف الإنجليز المعاصر «جورج مور»
G. E. Moore
نامعلوم صفحہ