موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

جمال الدين القاسمی d. 1332 AH
96

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

تحقیق کنندہ

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِطْعَامِ الضَّيْفِ، وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَتَزْوِيجِ الْبِكْرِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ) . الثَّانِي: تَرْتِيبُ الْأَطْعِمَةِ بِتَقْدِيمِ الْفَاكِهَةِ أَوَّلًا إِنْ كَانَتْ فَذَلِكَ أَوْفَقُ فِي الطِّبِّ فَإِنَّهَا أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ فِي أَسْفَلِ الْمَعِدَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْفَاكِهَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الْوَاقِعَةِ: ٢٠] ثُمَّ قَالَ: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [الْوَاقِعَةِ: ٢١] . ثُمَّ أَفْضَلُ مَا يُقَدَّمُ بَعْدَ الْفَاكِهَةِ اللَّحْمُ وَالثَّرِيدُ، فَإِنْ جَمَعَ إِلَيْهِ حَلَاوَةً بَعْدَهُ فَقَدْ جَمَعَ الطَّيِّبَاتِ، وَدَلَّ عَلَى حُصُولِ الْإِكْرَامِ بِاللَّحْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ضَيْفِ «إِبْرَاهِيمَ» إِذْ أَحْضَرَ الْعِجْلَ الْحَنِيذَ أَيِ الْمَحْنُوذَ وَهُوَ الَّذِي أُجِيدَ نُضْجُهُ، وَهُوَ أَحَدُ مَعْنَيَيِ الْإِكْرَامِ أَعْنِي تَقْدِيمَ اللَّحْمِ، قَالَ «أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ» ﵁: «أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ يُورِثُ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ» . وَتَتِمُّ هَذِهِ الطَّيِّبَاتُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ، وَصَبِّ الْمَاءِ الْفَاتِرِ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ الْغَسْلِ. قَالَ «الْمَأْمُونُ»: «شُرْبُ الْمَاءِ بِثَلْجٍ يُخْلِصُ الشُّكْرَ»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْحَلَاوَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ خَيْرٌ مِنْ كَثْرَةِ الْأَلْوَانِ، وَالتَّمَكُّنُ عَلَى الْمَائِدَةِ خَيْرٌ مِنْ زِيَادَةِ لَوْنَيْنِ» . وَتَزْيِينُ الْمَائِدَةِ بِالْبُقُولِ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَدِّمَ مِنَ الْأَلْوَانِ أَلْطَفَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا مَنْ يُرِيدُ وَلَا يُكْثِرَ الْأَكْلَ بَعْدَهُ. وَعَادَةُ الْمُتْرَفِينَ تَقْدِيمُ الْغَلِيظِ لِيَسْتَأْنِفَ حَرَكَةَ الشَّهْوَةِ بِمُصَادَفَةِ اللَّطِيفِ بَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ حِيلَةٌ فِي اسْتِكْثَارِ الْأَكْلِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ الْأَلْوَانِ دُفْعَةً أَوْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى رَفْعِ الْأَلْوَانِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى يَرْفَعُوا الْأَيْدِيَ عَنْهَا فَلَعَلَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَقِيَّةُ ذَلِكَ اللَّوْنِ أَشْهَى عِنْدَهُ مِمَّا اسْتَحْضَرُوهُ أَوْ بَقِيَتْ فِيهِ حَاجَةٌ إِلَى الْأَكْلِ فَيَتَنَغَّصُ عَلَيْهِ بِالْمُبَادَرَةِ. الْخَامِسُ: أَنْ يُقَدِّمَ مِنَ الطَّعَامِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ التَّقْلِيلَ عَنِ الْكِفَايَةِ نَقْصٌ فِي الْمُرُوءَةِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ تَصَنُّعٌ، قَالَ «ابْنُ مَسْعُودٍ» ﵁: «نُهِينَا أَنْ نُجِيبَ دَعْوَةَ مَنْ يُبَاهِي بِطَعَامِهِ»، وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَكْلَ طَعَامِ الْمُبَاهَاةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ أَوَّلًا نَصِيبَ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى لَا تَكُونَ أَعْيُنُهُمْ طَامِحَةً إِلَى رُجُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ لَا يَرْجِعُ فَتَضِيقُ صُدُورُهُمْ، وَتَنْطَلِقُ فِي الضِّيفَانِ أَلْسِنَتُهُمْ. فَأَمَّا الِانْصِرَافُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ آدَابٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الضَّيْفِ إِلَى بَابِ الدَّارِ وَهُوَ سُنَّةٌ وَذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَتَمَامُ الْإِكْرَامِ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ وَطَيِّبُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَعَلَى الْمَائِدَةِ.

1 / 99