موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

جمال الدين القاسمی d. 1332 AH
92

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

تحقیق کنندہ

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

وَيَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُمْسِكَ قَبْلَ إِخْوَانِهِ إِذَا كَانُوا يَحْتَشِمُونَ الْأَكْلَ بَعْدَهُ بَلْ يَمُدَّ الْيَدَ وَيَقْبِضَهَا وَيَتَنَاوَلَ قَلِيلًا قَلِيلًا إِلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا، فَإِنِ امْتَنَعَ لِسَبَبٍ فَلْيَعْتَذِرْ إِلَيْهِمْ دَفْعًا لِلْخَجْلَةِ عَنْهُمْ. السَّابِعُ: أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا يَسْتَقْذِرُهُ غَيْرُهُ فَلَا يَنْفُضَ يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ «وِعَاءِ الْأَكْلِ» وَلَا يُقَدِّمَ إِلَيْهَا رَأْسَهُ عِنْدَ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي فِيهِ، وَإِذَا أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ فِيهِ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنِ الطَّعَامِ وَأَخَذَ بِيَسَارِهِ، وَلَا يَغْمِسَ اللُّقْمَةَ الدَّسِمَةَ فِي الْخَلِّ فَقَدْ يَكْرَهُهُ غَيْرُهُ، وَاللُّقْمَةُ الَّتِي قَطَعَهَا بِسِنِّهِ لَا تُغْمَسُ فِي الْمَرَقَةِ وَالْخَلِّ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَا يُذْكَرُ مِنَ الْمُسْتَقْذَرَاتِ. فَضْلُ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ إِلَى الزَّائِرِينَ وَآدَابُهُ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إِلَى الْإِخْوَانِ فِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، قَالَ الحسن: «كُلُّ نَفَقَةٍ يُنْفِقُهَا الرَّجُلُ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا إِلَّا نَفَقَتَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ فِي الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ» . وَقَالَ علي ﵁: «لَأَنْ أَجْمَعَ إِخْوَانِي عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَةً» . وَكَانَ «ابْنُ عُمَرَ» ﵄ يَقُولُ: «مِنْ كَرَمِ الْمَرْءِ طِيبُ زَادِهِ فِي سَفَرِهِ وَبَذْلُهُ لِأَصْحَابِهِ» . وَكَانُوا ﵃ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ. وَأَمَّا آدَابُهُ: فَبَعْضُهَا فِي الدُّخُولِ، وَبَعْضُهَا فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ. أَمَّا الدُّخُولُ فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَقْصِدَ قَوْمًا مُتَرَبِّصًا لِوَقْتِ طَعَامِهِمْ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِمْ وَقْتَ الْأَكْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُفَاجَأَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) [الْأَحْزَابِ: ٥٣] يَعْنِي مُنْتَظِرِينَ حِينَهُ وَنُضْجَهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ جَائِعًا فَقَصَدَ بَعْضَ إِخْوَانِهِ لِيُطْعِمَهُ وَلَمْ يَتَرَبَّصْ بِهِ وَقْتَ أَكْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِيهِ إِعَانَةٌ لِأَخِيهِ عَلَى حِيَازَةِ ثَوَابِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ عَادَةُ السَّلَفِ، فَإِنْ دَخَلَ وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَ الدَّارِ وَكَانَ وَاثِقًا بِصَدَاقَتِهِ عَالِمًا بِفَرَحِهِ إِذَا أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، إِذِ الْمُرَادُ مِنَ الْإِذْنِ الرِّضَاءُ لَا سِيَّمَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَأَمْرُهَا عَلَى السَّعَةِ، فَرُبَّ رَجُلٍ يُصَرِّحُ بِالْإِذْنِ وَيَحْلِفُ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ فَأَكْلُ طَعَامِهِ مَكْرُوهٌ، وَرُبَّ غَائِبٍ لَمْ يَأْذَنْ وَأَكْلُ طَعَامِهِ مَحْبُوبٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (أَوْ صَدِيقِكُمْ) [النُّورِ: ٦١] قَالَ «الحسن»: «الصَّدِيقُ مَنِ اسْتَرْوَحَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ» . كَانَ «مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ» وَأَصْحَابُهُ يَدْخُلُونَ مَنْزِلَ الحسن فَيَأْكُلُونَ مَا يَجِدُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَكَانَ الحسن يَدْخُلُ وَيَرَى ذَلِكَ فَيُسَرُّ بِهِ وَيَقُولُ: «هَكَذَا كُنَّا» . وَمَشَى قَوْمٌ إِلَى مَنْزِلِ «سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ» فَلَمْ يَجِدُوهُ فَفَتَحُوا الْبَابَ وَأَنْزَلُوا السُّفْرَةَ وَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ، فَدَخَلَ الثَّوْرِيُّ وَجَعَلَ يَقُولُ: «ذَكَّرْتُمُونِي أَخْلَاقَ السَّلَفِ هَكَذَا كَانُوا» . وَأَمَّا آدَابُ التَّقْدِيمِ: فَتَرْكُ التَّكَلُّفِ أَوَّلًا وَتَقْدِيمُ مَا حَضَرَ، كَانَ الفضيل يَقُولُ: «إِنَّمَا

1 / 95