موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

جمال الدين القاسمی d. 1332 AH
114

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

تحقیق کنندہ

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

الْبَيْعِ وَسَهْلَ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الْغَبْنِ مِنَ الْغَنِيِّ فَلَيْسَ مَحْمُودًا بَلْ هُوَ تَضْيِيعُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَجْرٍ وَلَا حَمْدٍ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يَسْتَقْصُونَ فِي الشِّرَاءِ وَيَهَبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَزِيلَ مِنَ الْمَالِ، فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ الْوَاهِبَ يُعْطِي فَضْلَهُ، وَإِنَّ الْمَغْبُونَ يَغِبْنُ عَقْلَهُ. الثَّالِثُ: فِي اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْإِحْسَانِ فِيهِ مَرَّةً بِالْمُسَامَحَةِ وَحَطِّ الْبَعْضِ وَمَرَّةً بِالْإِمْهَالِ وَالتَّأْخِيرِ وَمَرَّةً بِالْمُسَاهَلَةِ فِي طَلَبِ جَوْدَةِ النَّقْدِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَمَحْثُوثٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْخَبَرِ: مَنْ أَقْرَضَ دِينَارًا إِلَى أَجَلٍ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ إِلَى أَجَلِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَنْظَرَهُ بَعْدَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ صَدَقَةً، وَنَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى رَجُلٍ يُلَازِمُ رَجُلًا بَدَيْنٍ فَأَوْمَأَ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ بِيَدِهِ أَيْ: ضَعِ الشَّطْرَ فَفَعَلَ، فَقَالَ لِلْمَدْيُونِ: قُمْ فَأَعْطِهِ. الرَّابِعُ: فِي تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ، وَمِنَ الْإِحْسَانِ فِيهِ حُسْنُ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْشِيَ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَا يُكَلِّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْهِ يَتَقَاضَاهُ فَقَدْ قَالَ ﷺ: خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً، وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلْيُبَادِرْ إِلَيْهِ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ فَلْيَنْوِ قَضَاءَهُ مَهْمَا قَدِرَ، وَمَهْمَا كَلَّمَهُ مُسْتَحِقُّ الْحَقِّ بِكَلَامٍ خَشِنٍ فَلْيَتَحَمَّلْهُ وَلْيُقَابِلْهُ بِاللُّطْفِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمَّا رَدَّدَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَمِنَ الْإِحْسَانِ أَنْ يَمِيلَ الْحَكَمُ إِلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِعُسْرِهِ. الْخَامِسُ: أَنْ يُقِيلَ مَنْ يَسْتَقِيلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيلُ إِلَّا مُتَنَدِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بِالْبَيْعِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ سَبَبَ اسْتِضْرَارِ أَخِيهِ، وَفِي الْخَبَرِ مَنْ أَقَالَ نَادِمًا صَفْقَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. السَّادِسُ: أَنْ يَقْصِدَ فِي مُعَامَلَتِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَهُوَ فِي الْحَالِ عَازِمٌ عَلَى أَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مَيْسَرَةٌ، وَكَانَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ يَقُولُ لِفَقِيرٍ: «خُذْ مَا تُرِيدُ فَإِنْ يُسِّرَ لَكَ فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَسَعَةٍ» . فَهَذِهِ طُرُقُ تِجَارَاتِ السَّلَفِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالتِّجَارَةُ مَحَكُّ الرِّجَالِ وَبِهَا يُمْتَحَنُ دِينُ الرَّجُلِ وَوَرَعُهُ.

1 / 117