موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

جمال الدين القاسمی d. 1332 AH
109

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

تحقیق کنندہ

مأمون بن محيي الدين الجنان

ناشر

دار الكتب العلمية

تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي. وَقَوْلَهُ ﵇ حِينَ ذَكَرَ الطَّيْرَ فَقَالَ: تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو فِي طَلَبِ الرِّزْقِ. وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَيَعْمَلُونَ فِي نَخِيلِهِمْ، وَالْقُدْوَةُ بِهِمْ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ فَلَا يُنْجِيهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْكَسْبُ وَالتِّجَارَةُ ; نَعَمْ تَرْكُ الْكَسْبِ أَفْضَلُ لِعَالِمٍ مُشْتَغِلٍ بِتَرْبِيَةِ عِلْمِ الظَّاهِرِ مِمَّا يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِ فِي دِينِهِمْ كَالْمُفْتِي - أَيِ الْفَقِيهِ وَالْمُفَسِّرِ وَالْمُحَدِّثِ وَأَمْثَالِهِمْ - أَوْ رَجُلٍ مُشْتَغِلٍ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَالشَّاهِدِ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا كَانَ يُكْفَوْنَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلْمَصَالِحِ أَوِ الْأَوْقَافِ الْمُسْبَلَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ فَإِقْبَالُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ أَفْضَلُ مِنِ اشْتِغَالِهِمْ بِالْكَسْبِ، وَلِهَذَا أَشَارَ الصَّحَابَةُ عَلَى «أبي بكر» ﵃ بِتَرْكِ التِّجَارَةِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنِ الْمَصَالِحِ، وَكَانَ يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَرَأَى ذَلِكَ أَوْلَى، ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ أَوْصَى بِرَدِّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ رَآهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى. بَيَانُ الْعَدْلِ وَاجْتِنَابُ الظُّلْمِ فِي الْمُعَامَلَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ قَدْ تَجْرِي عَلَى وَجْهٍ يَشْتَمِلُ عَلَى ظُلْمٍ يَتَعَرَّضُ بِهِ الْمُعَامِلُ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الظُّلْمُ يَعْنِي بِهِ مَا اسْتَضَرَّ بِهِ الْغَيْرُ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ وَإِلَى مَا يَخُصُّ الْمُعَامِلَ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ: الِاحْتِكَارُ فَبَائِعُ الطَّعَامِ يَدَّخِرُ الطَّعَامَ يَنْتَظِرُ بِهِ غَلَاءَ الْأَسْعَارِ وَهُوَ ظُلْمٌ عَامٌّ وَصَاحِبُهُ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ قِلَّةِ الْأَطْعِمَةِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِي تَأْخِيرِ بَيْعِهِ ضَرَرٌ مَا، أَمَّا إِذَا اتَّسَعَتِ الْأَطْعِمَةُ وَكَثُرَتْ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهَا وَلَمْ يَرْغَبُوا فِيهَا إِلَّا بِقِيمَةٍ قَلِيلَةٍ فَانْتَظَرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ قَحْطًا فَلَيْسَ فِي هَذَا إِضْرَارٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ قَحْطٍ كَانَ فِي ادِّخَارِهِ إِضْرَارٌ فَلَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِهِ. وَمَعَ عَدَمِ الضِّرَارِ لَا يَخْلُو احْتِكَارُ الْأَقْوَاتِ عَنْ كَرَاهِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ مَبَادِئَ الضِّرَارِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ، وَانْتِظَارُ مَبَادِئِ الضِّرَارِ مَحْذُورٌ كَانْتِظَارِ عَيْنِ الضِّرَارِ وَلَكِنَّهُ دُونَهُ، وَانْتِظَارُ عَيْنِ الضِّرَارِ أَيْضًا هُوَ دُونَ الْإِضْرَارِ فَبِقَدْرِ دَرَجَاتِ الْإِضْرَارِ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّحْرِيمِ. الثَّانِي: تَرْوِيجُ الزَّيْفِ مِنَ الدَّرَاهِمِ فِي أَثْنَاءِ النَّقْدِ فَهُوَ ظُلْمٌ إِذْ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْمُعَامِلُ إِنْ لَمْ

1 / 112