الوجه الأول أن علم كل أحد بوجوده أي بأنه موجود ضروري أي حاصل له بلا اكتساب ونظر وهذا علم خاص متعلق بمعلوم خاص هو وجوده والعلم المطلق جزء منه لأن المطلق ذاتي للمقيد والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل فإذا حصل العلم الخاص الذي هو كل لكل أحد بالضرورة كان العلم المطلق الذي هو جزؤه سابقا عليه والسابق على الضروري أولى أن يكون ضروريا فالعلم المطلق ضروري وهو المطلوب والجواب عنه أن الضروري حصول علم جزئي متعلق بوجوده فإن هذا العلم حاصل لكل أحد بلا نظر وهو أي حصول ذلك العلم الجزئي غير تصوره وغير مستلزم له إذ كثيرا ما تحصل لنا علوم جزئية بمعلومات مخصوصة ولا نتصور شيئا من تلك العلوم مع كونها حاصلة لنا بل نحتاج في تصورها إلى توجه مستأنف إليها فلا يكون حصولها عين تصورها ولا مستلزما له وإذا لم يكن ذلك العلم الجزئي المتعلق بوجوده متصورا فلا يلزم تصور العلم المطلق أصلا فضلا عن أن يكون تصوره ضروريا ويجوز أن يجاب عنه أيضا بأنه إنما يتم إذا كان العلم ذاتيا لما تحته وكان شيء من أفراده متصورا بالكنه بديهة وكلاهما ممنوعان لا يقال نحن لا نقتصر على ما ذكر بل نقول إن كل واحد يعلم بالضرورة أنه موجود ويعلم أيضا كذلك أنه يعلم بذلك والعلم أحد تصوري هذا التصديق وهو بديهي أيضا فيكون تصوره السابق على التصديق البديهي أولى أن يكون بديهيا فإن قلت في جواب هذا التقرير لا يلزم من بداهة التصديق بداهة تصورية ولا بداهة شيء منهما فإن التصديق البديهي ما لا يتوقف بعد تصور الطرفين على نظر فجاز أن تكون تصوراته بأسرها كسبية فلا يصح الاستدلال ببداهة التصديق على بداهة شيء من تصوراته أصلا
قلت في رد هذا الجواب إن المدعي حصول هذا التصديق بلا نظر في الحكم ولا في شيء من أطرافه إذ لا تخلو عنه البله والصبيان الذين لا يتأتى منهم الاكتساب لا في حكم ولا في تصور والنزاع في التسمية بأن التصديق إنما هو الحكم وحده وتصورات أطرافه شروط له خارجة عنه فالبديهي منه هو الحكم المستغني عن الاستدلال وإن كانت تصوراته نظرية وليس التصديق عبارة عن المجموع المركب من الحكم وتصورات أطرافه حتى تكون بداهته مستلزمة لبداهة تصوراته لا يجدي طائلا في هذا المقام لما عرفت من أن هذا التصديق الذي نحن فيه مستغن عن النظر مطلقا ثم شرع في جواب لا يقال بقوله لأنا نقول يكفي في التصديق تصور الطرفين بوجه ما ولا يحتاج فيه إلى تصورهما بالكنه كما نحكم على جسم معين مشاهد من بعيد بأنه شاغل لحيز معين مع الجهل بحقيقته هل هو إنسان أو حجر بل ومع الجهل بحقيقة الحيز والشغل بل نحكم بأن الواجب تعالى إما نفس أو لا وإن لم نعلم حقيقتهما بكنههما بل باعتبار أمر عام عارض لهما ككونه صانعا للعالم وكونها مدبرة للبدن مثلا فاللازم مما ذكرتم أن يكون تصور مطلق العلم بوجه ما بديهيا ولا نزاع فيه بل في تصوره بحسب الحقيقة
صفحہ 49