فالجواب في ذلك أن الله مع الأشياء بعد إحداثه إياها ليس كشيء مع شيء، وإنما معناي فيها معها (¬1) ، أنه مشاهد لها، ولم يغب عنه شيء لأن الله لا تخفى عليه خافية، مشاهد لكل شيء وعالم بكل شيء (¬2) .
¬__________
(¬1) - في الشرح جاءت : معها وفيها. انظر ص282.
(¬2) - أهل التشبيه ، كثيرا ما كانوا يتعلقون بهذه المسألة ، وذلك أنهم لما سمعوا قول الله تعالى : (( وهو الله في السماوات وفي الأرض )) (الأنعام:3 ) (( الرحمان على العرش استوى)) (طه:5 ) (( وهو معكم أينما كنتم ))(الحديد:4) توهموا المعقول في ذلك والتشبيه، وقالوا : انه لا يكون أن يستوي الله على العرش إلا كما يستوي الملك على سريره ، وقالوا : إن كونه - عز وجل - في السماوات وفي الأرض ككون الخلق بعضهم في بعض ، ولم يعتبروا أن هذا في هذا في لغة العرب على وجوه ، فالله - عز وجل - موجود قبل الخلق، لا في شيء ، وليس هو مع شيء ، فلما أحدث الخلق فيقال : انه هو في الخلق، ومع الخلق، على المشاهدة والإنشاء والتدبير والحفظ له من الزوال والزيادة والنقصان منه، وفي وجوده وكونه قبل ما لم يخلق الخلق دلالة على أن وجوده في الخلق، وكونه فيه، ليس هو على ما يعقل من التمكن،= = والاحتياز ، والحواية ، ولو كان كونه في الخلق وفي الأماكن على ما توهمته المشبهة من المعقول والحلول والتمكن، لوجب أن يكون الخلق والأماكن قديمة لم تزل معه لما أن كان الله عندهم لا يكون إلا حالا متمكنا، تعالى الله عما يقولون . وأما ما ذكر من التبديل والتحويل ، فان المشبهة زعمت أن الله - عز وجل - لما خلق الخلق وأحدث الأشياء ، تحول إلى الخلق وانتقل إلى الأشياء . فهذا من أعظم غباوة المشبهة وجهالتهم . فالله في الأزل ليس في مكان حتى يتوهموا الانتقال من الأزل والزوال منه، وهو عندهم غير مكان، ولا هو شيء من الأشياء إلى الخلق الذي هو شيء ومكان..فلو اعتبرت المعتزلة أن الله في الأزل لا في مكان ولا في شيء لعرفوا أن كونه - عز وجل - في الأشياء وفي الخلق على غير ما يتوهمون من التشبيه. وأما قوله ولم يغب عن الله شيء ، أي أنه مشاهد للأشياء عالم بها ، لا تغيب عنه ولا تخفى عنه خافية .
صفحہ 60