فإن قال : ميز لي ذلك ؟
فقل : لأن الله أمر الناس جميعا أن يؤمنوا، فآمن بعض وكفر بعض فأنفذ علمه في الذين لا يؤمنون أنهم لا يؤمنون، فهذا نقض أمره في الذين لا يؤمنون أنهم لا يؤمنون (¬1) .
إن سأل سائل فقال : هل يجوز أن يقال : الله أهل لجميع ما خلق ؟
الجواب في ذلك، أن الله تبارك وتعالى أهل لخلق ما خلق ولا يستشفع أن يقال : الله أهل للكفر والقذر وأهل للمعصية وهو خالقها (¬2) .
¬__________
(¬1) - قد صدق صاحب الكتاب فيما ذهب إليه من قوله : ينقض أمره، إنما ذكر نقض الأمر ولم يضفه إلى الله - عز وجل - أنه نقض أمره ، وإنما نقض أمره من خالفه ولم يجب إليه. ومعنى نفوذ العلم أن الأشياء تأتي وتتكون على ما علم سبحانه ، وكذلك نفوذ المشيئة أن= = الأشياء تتكون على ما شاء غير مخالفة لما علم الله ولما شاء وليس شيء يخرج من علمه وقدرته وإرادته ومشيئته ، وليس مع هذا ما يوجب أن العلم والمشيئة يوجبان الجبر والاستكراه لأحد فيما فعل أو ترك .
(¬2) - إن كل ما ذكر من عبارة الخلق في شيء من الأشياء فالله أهل لخلق ذلك الشيء، لأن عبارة الخلق لله - عز وجل - عبارة محمودة كائنا ما كان الخلق ، لأنها لفظة وعبارة لا تنسب إلا إلى الله - عز وجل - ولا تضاف إلا إليه ، فأما ما لم يذكر عبارة الخلق فليس بجائز أن يقال : الله أهل لشيء من الأشياء ، إلا في الأشياء المحمودة التي تحسن في صفة الله - عز وجل - فيقال: أهل للحكمة والعدل بين عباده، والرحمة لهم والتفضل عليهم ، وأهل للمغفرة لهم والعفو والتجاوز . فالله أهل لصفاته وأهل أن يكون ربا وخالقا ، ورازقا ، وعالما، وقادرا، سميعا= = بصيرا ، وفي مثل هذا كثير .ويقال للكافرين أهل للمعصية وأهل للعقاب والخزي والهوان، وليسوا بأهل للإيمان والطاعة والمغفرة والثواب والكرامة الخ...
صفحہ 56