ومن الواجب أن نفرق بين دين التوحيد ودين الإنسانية في هذه الخصلة، فقد وجدت أديان تدعو الأمم إلى التوحيد قبل دعوة الإسلام، ولكنها لم تكن تدعوهم لأنها تسوي بينهم، وترى لهم حقا واحدا في عبادتهم؛ بل كانت تدعوهم إلى عبادة ملك واحد في السماء، وملك واحد في الأرض، كأنها مسألة سيادة لا مسألة مساواة.
وقد جاءت الدعوة إلى التوحيد قبل الإسلام عن طريق توحيد الدولة، وفرض السلطان الواحد والعبادة الواحدة حيث تبسط سلطانها؛ إذ كانت القبيلة القوية تتغلب على القبائل الصغار فتفرض عليها عبادة ربها، وطاعة رئيسها، ثم يتغلب الشعب القوي على الشعوب الصغيرة، فيفرض عليها عبادة ربه، وطاعة أميره، ثم تمتد حدود الدولة وراء بلادها فتصبح لها الصفة «العالمية»، وتحسب الأرض كلها عالما واحدا خاضعا لشريعتها وشرائعها، فلا يطاع فيه ملك غير ملكها، ولا يعبد فيه رب غير ربها. ولا يأتي هذا التوحيد على سبيل التسوية بين الغالب والمغلوب، أو على سبيل الهداية والإرشاد؛ بل يأتي على سبيل القهر والإخضاع، وتجريد المغلوب من سادته في الأرض وسادته في السماء على السواء.
وعلى هذه السنة جرى الرومان على إخضاع اليهود حين فرضوا عليهم عبادة «الإمبراطور» في هيكلهم، ووضع الشارة الرومانية على محاريبهم، فلم يفرضوا عليهم ذلك هداية لهم أو اعترافا بمساواتهم؛ بل فرضوه لإخضاعهم وتحريم كل معبود في الدولة غير معبودهم، وهكذا صنع غير الرومان في مصر وبابل والبلاد الفارسية.
إن هذا «التوحيد» وجد قبل الإسلام.
ولكنه أبعد شيء عن دين الإنسانية الذي نعنيه، وهو الدين الذي يتجه إلى جميع الأمم بدعوة واحدة على سنة المساواة بين الشعوب والأجناس، والتماس الهداية للغالب والمغلوب، فشتان دعوة إلى توحيد العبادة تقوم على السيادة والاستعباد، ودعوة إلى توحيد الإنسانية في حقوق واحدة، وهداية واحدة، وإيمان واحد بإله لا إله غيره يتساوى الناس بين يديه، ولا يتفاوتون بغير الفضل والصلاح.
لقد كان الإله عند العبريين يسمى إله إسرائيل، ويخص من أبناء إبراهيم ذرية يعقوب بن إسحاق دون سائر العبريين.
قال يوشع: «هكذا قال الرب إله إسرائيل.»
ويقول الشعب في كتاب الأيام: «ألست أنت إلهنا الذي طردت سكان هذه الأرض أمام شعبك إسرائيل وأعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد؟»
وقال داود في سفر صمويل الأول: «مبارك الرب إله إسرائيل الذي أرسلك هذا اليوم.»
وفي سفر الأيام: «خلصنا يا إله خلاصنا، واجمعنا وأنقذنا من الأمم لنحمد اسم قدسك، ونتفاخر بتسبيحتك. مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل إلى الأبد ...»
نامعلوم صفحہ