وهذه إشارة إلى برج التوءمين، وهو برج إله الحرب «زجال» عند البابليين، ويصورون أحدهما وفي يديه خنجر، والآخر في يديه سلاح شبيه بالمنجل. وتشير عرقبة الثور إلى برج الثور الذي يتعقبه التوءمان.
2
وسواء صحت هذه الإشارات إلى الأبراج والنجوم، أو كان فيها مظنة للخطأ والتجوز من المفسرين، فالنبوءات عن مصائر الأبناء بأسمائهم واضحة لا تحتمل التكذيب.
وموسى الكليم طالبه القوم من إسرائيل وغير إسرائيل في مصر بقدرة على السحر أعظم من قدرة السحرة وأصحاب الكهانة والتنجيم، ثم جاوزوا تكليف الدلالة معه إلى تكليفه أن يهيئ لهم الطعام الذي يشتهونه صنوفا بعد صنوف وهم في وادي التيه، بمأمن من جند فرعون.
واحتاج القوم إلى علم الغيب في عهد صمويل ليسألوه عن الماشية الضالة، ويأجروه على ردها: «خذ معك واحدا من الغلمان، وقم اذهب فتش عن الأتن، فقال شاول للغلام: فماذا نقدم للرجل؟ لأن الخبز قد نفد من أوعيتنا، وليس من هدية نقدمها لرجل الله. ماذا معنا؟ فعاد الغلام يقول: هو ذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة.»
ولم يحفل بنو إسرائيل بالنبوءات بعد صمويل، كما حفلوا بنبوءات أرميا وحزقيل، وكلها نبوءات عن أخطار الحوادث التي تصيب قومهم، وتصيب غيرهم من الأقوام أصحاب الدول في وادي النيل وبين النهرين، وكان الإنباء بالغيب على هذا المثال هو المهمة الأولى من مهام كبار الأنبياء، وربما تحدث عن الغيب أنبياء من غير هذه الطبقة ليذكروا مصائر أفراد معلومين إلى جانب مصير الأمة، كما قال النبي عاموس في بيت إيل: «أنت تقول: لا تتنبأ على إسرائيل، ولا تتكلم على بيت إسحاق؛ ولذلك قال الرب: إن امرأتك تزني في المدينة، وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف، وأرضك تقسم بالحبل، وأنت تموت في أرض نجسة، وإسرائيل يسبى سبيا عن أرضه ...»
نبوة الهداية
ختمت أيام هذه النبوءات جميعا في بني إسرائيل قبل البعثة الإسلامية بنحو تسعة قرون، لم تتغير خلالها نظرة الناس عامة وبني إسرائيل خاصة إلى النبوة الدينية، ولم يفهموا النبوءات الأولى وما لحق بها غير الفهم الذي عهدوه، فلما ظهرت النبوة الإسلامية لم تكن تكرارا لتلك النبوءات ولا تطورا فيها، بل كانت «تنقية» لها من كل ما لصق بها من بقايا الكهانات والدعوات، وجاءت بمعنى النبوة كما ينبغي أن تكون، ونفت عنها ما ليس ينبغي لها من شوائب الأوهام، وأولها أنها مرصد للحوادث يحمي الطريق، أو مكتب للتأمين يقارض القوم على الأمان من الأخطار.
ليست مهمة النبي أن يعلم الغيب «إنما الغيب لله».
وليس أصدق من نبي يعلم الناس الصدق، فيعلمهم مرة بعد مرة أن الغيب من علم الله، يكشف عنه ما يشاء لمن يشاء:
نامعلوم صفحہ