وتعود الجماعة الأحمدية إلى التاريخ لتستمد منه التعليق على تعبير النبي دانيال لتلك الرؤيا، فمن كلام النبي دانيال يفهم أن الرأس الذهبي هو ملك بابل، وأن الصدر والذراعين من الفضة تعبر عن مملكة فارس وميدية التي ارتفعت بعد دولة بابل، وأن الرجلين من النحاس تعبران عن الدولة الإغريقية في ظل الإسكندر؛ لقيامها بعد زوال حكم الفارسيين والميديين، وأن القدمين من الحديد تعبران عن الدولة الرومانية التي ارتفعت بعد ذهاب ملك الإسكندر.
وتقول الرؤيا عن هذه الدولة الأخيرة: إن قدما من قدميها خزف والأخرى حديد. وهو وصف يشير إلى جزء من الدولة في القارة الأوروبية، وجزء منها في القارة الآسيوية، فالقدم الحديد هي سيطرة الأمة الواحدة، والعقيدة الواحدة. وهذه السيطرة تستولي على أقطار شاسعة وموارد غزيرة، ولكنها تنطوي على الضعف الكامن من جراء التفكك بين أوصال الشعوب، والرؤيا صريحة في وشك انحلال الدولة الرومانية في السنوات الأخيرة لهذا السبب.
وتستطرد من ثم إلى أمور أهم وأخطر إذ تقول: «إنك كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح، فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا وملأ الأرض كلها ...»
تقول الجماعة: «فهذه نبوءة بظهور الإسلام؛ فقد اصطدم الإسلام في صدر الدعوة بدولة الرومان ثم بدولة فارس، وكانت دولة الرومان يومئذ قد بسطت سلطانها على ملك الإغريق الإسكندري، فبلغت من المنعة غايتها، وكانت دولة فارس قد بسطت سلطانها على بابل، ثم ضربتهما قوة الإسلام، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة معا، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، وهكذا ينبئ ترتيب الحوادث وتعبيرها في رؤيا دانيال إنباء لا ريب في معناه. إذ كنا نعلم أن بابل خلفتها فارس وميدية، وأن سطوة فارس وميدية كسرتها سطوة الإسكندر، وأن ملك الإسكندر خلفته الدولة الرومانية التي أقامت من عاصمتها القسطنطينية أركان مملكة أوروبية آسيوية ، ثم انهزمت هذه المملكة وأدال منها الفتح الإسلامي وغزوات النبي والصحابة.»
وهذا الحجر الذي جاء في رؤيا دانيال يذكره أشعيا والحواري متى؛ ففي الإصحاح الثامن من سفر أشعيا أنه «يكون مقدسا وحجر صدمة وصخرة عثرة لكل من بيتي إسرائيل، وفخا وشركا لسكان أورشليم، ويعثر بهما كثيرون ويسقطون ويعلقون فيلقطون».
وفي الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى يقول: «لذلك أقول لك: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه.»
كذلك يذكره المزمور الثامن عشر بعد المائة إذ يقول: «إن الحجر الذي رفضه البناءون قد أصبح عقد البناء وركن الزاوية.»
ويتبين من كلام السيد المسيح في الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى المتقدم ذكره، أن هذه النبوءة تنبئ عن زمن غير زمن السيد المسيح؛ إذ يقول عليه السلام: «أما قرأتم قط في الكتب أن الحجر الذي يرفضه البناءون قد صار رأس الزاوية؟ فمن قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا.»
ثم تفضي النبوءة - نبوءة النبي دانيال - إلى عقباها، فيصبح الحجر جبلا عظيما، ويملأ الأرض كلها، فإن هذا هو الذي حدث بعد انتشار الدعوة المحمدية، فإن الرسول الكريم وصحابته هزموا قيصر وكسرى، وأصبح المسلمون سادة للعالم المعمور كله في ذلك العصر، وصار الحجر جبلا عظيما، فظل زمام العالم في أيدي أتباع محمد ألف سنة.
ثم تتم نبوءات العهد القديم بنبوءات العهد الجديد، ويستشهد جماعة الأحمدية بالإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متى، حيث يقول السيد المسيح: «اسمعوا مثلا آخر: كان إنسان رب بيت غرس كرما، وأحاطه بسياج، وحفر فيها معصرة، وبنى برجا، وسلمه إلى كرامين وسافر، ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره، فأخذ الكرامون عبيده، وجلدوا بعضا وقتلوا بعضا ورجموا بعضا، ثم أرسل إليهم ابنه أخيرا قائلا: إنهم يهابون ابني. فأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ ميراثه.
نامعلوم صفحہ