فالذي يريد أن يشرع أكل المال بالمصلحة المرسلة زيادة على الحد، كالذي يريد أن يشرع أكل الربا بالقياس الذي هو أقوى من المصلحة المرسلة قياسا على البيع، فيكون الاجتهاد هنا باطلا لوجود النص ومن الاجتهاد مع النص قصة السجود لآدم. فإن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، وكان ابليس مندرجا في الأمر العام، فأراد أن يخصص ذلك العام بنوع من القياس أو المصالح في زعمه، وهو أول من صنع ذلك، أعني الاجتهاد في مقابلة النص بالقياس الذي دل عليه قوله: "خلقتني من نار وخلقته من طين"(¬1). فإنه رأى جوهر النار لطيفا علويا شفافا نورانيا فاعلا قاهرا، وجوهر الطين كثيفا سفليا مظلما منفعلا مقهورا، فصح عنده أن جوهر النار أشرف. ثم أضاف إلى ذلك مقدمة أخرى، وهي أن المخلوق من الأشرف أشرف، فصح عنده أنه أشرف. ثم رأى أن من الحكمة أن يسجد المشروف للأشرف، لا الأشرف لغيره، فصح عنده أنه أحق بالسجود له من آدم عليه السلام. وأقل الدرجات هي اعتقاده أن لايكون آدم أهلا لأن يسجد له. وهذا المعنى الذي لاحظه من اعتبار صفة الشرف في كونه مسجودا له، اعتبر الشرع نوعه فيما هو سبب السجود، وهو الولاية، إذ كل ما زاد شرفا كان أحق بالولاية من غيره. وهذا أقوى من اعتبار المصلحة في أخذ المال في مسائل الحدود، ومع ذلك ذمه الله ولعنه وطرده حيث اجتهد مع وجود النص، وكان اجتهاده مفضيا إلى إبطال الأمر جملة في حق كل من تعلق به الأمر في زعمه إلى إخراج بعض المأمورين منه. كما أن الذي يجتهد مع وجود النص على تحريم أكل المال بالباطل في تخصيص بعض متعلقات هذا النهي.
صفحہ 112