مطالع البدور ومنازل السرور

الغزلي d. 815 AH
66

مطالع البدور ومنازل السرور

مطالع البدور ومنازل السرور

وخير الشراب ما طاب طعمه وعطرت رائحته وصفى لونه واعتدل قوامه والعلامة الجيدة للشراب الجيد الخالي من الغش أنه إذا ترك المقدار القليل مدة طويلة لم يفسد وبقدر طول المدة تعرف الجودة والرقيق اللطيف أسرع إسكارا وتحللا والغليظ أبطأ إسكارا وتحللا وأدوم خمارا لكنه يسمن وخصوصا الحلو وليكن من تسديده على حذر ويختار للشباب والمحرورين الأبيض الممزوج قبل شربه بمدة بكثير الماء وللمشايخ الأصفر القوي القليل المزج فإن أرادوا الاغتذاء والسمن فالأحمر ودع الشيخ وما احتمله وجنبه الصبيان وعدله في الشبان وإنما يستعمل الشراب عند انحدار الغذاء من المعدة وأما في خلل الأكل أو عقيبه فضار لتنفيذه الغذاء على فجاجته على أن المعتاد به لا ينتفع باستعمال ما يعين على الهضم إلا بمقدار ما يقوى على التنفيذ وما دام السرور يتزايد واللون يحسن والبشرة تلين والجلد يربو والحركة نشيطة والذهن سليما فلا تخف من إفراط فإن أخذ النعاس يغلب والغشيان يقوى والبدن والدماغ يثقل والذهن يتشوش والحركة تسترخي فقد وجب الترك فحينئذ يجب القيء والقيء على قليل منه رديء لأنه يغصب من البدن ما ينفعه والشراب بالأقداح الصغار خير من الكبار والتبعيد بين الأقداح لينهضم الأول قبل ورود الثاني أفضل وينبغي أن يحف مجلس الشراب بالمنظر اللذيذ من الأزهار والمحبوبين من الناس والأراييح اللذيذة والسماع المطرب ورفع كل ما يغم ويقبض النفس كالوسخ والصنان واللباس القذر والكمد وبعد غسل البدن والأطراف ولبس المشرف وتسريح الرأس واللحية وتقليم الأظفار وليكن المجلس مشرفا فسيحا بقرب المياه الجارية ومع الظرفاء من الأصدقاء وذلك لأن الشراب يحرك قوى النفس ويثير كل الشهوات فإذا لم نجد كل قوة مطلوبها تأذت وانقبضت فلا تقبل النفس على الشراب كل القبول ولا تنصرف فيه التصرف الواجب فيقل نفعه وربما فسد فكان شره أكثر من نفعه. ومنافع الشراب منها نفسية ومنها بدنية. أما النفسية فلا يمكن أن يساويه فيها غيره وذلك كالسرور وبسط النفس وتفسيح أملها وتشجيعها وإزالة البخل والغم والفكر الفاسد وهو أنفع الأشياء للماليخوليا لتفريحه المضاد لا يحاش السوداء وتحسن الظن وتقوى ذهن قوى الدماغ لأن دماغه لا ينفعل عن أبخرة الشراب المسكر بل عن حده اللطيف فيصفو ذهنه صفاء لا يصفو مثله بغيره فلذلك قوى الدماغ لا يسكر بسرعة وبسرعة السكر وبطئه تعلم قوة الدماغ وضعفه.

1 / 66