الفطرة الأصلية لا يدل على كون ذلك الحكم صحيحا. فإن قالوا إنهم مطبقون بحكم الفطرة الأصلية على افتقار البناء إلى الباني ، وليسوا مطبقين على افتقار البناء إلى المادة السابقة بدليل أن المتكلمين يخالفونهم في صحة هذه المقدمة.
فنقول في الجواب عن هذا السؤال : إنا إذا أردنا تمييز القضايا الفطرية الأصلية (1) عن غيرها ، فالمعتبر في ذلك التمييز حكم الفطر الأصلية (2) التي لم تتعود المشاغبات والمجادلات ولم تألف التزام المكابرات ، ومن المعلوم أن حكم جمهور الخلق في إحدى القضيتين مثل حكمهم في القضية الأخرى. بقي أن يقال : إن افتقار البناء إلى المادة السابقة يخالف فيه طائفة من المتكلمين.
فيقال : وافتقار البناء إلى الباني يخالف فيه قوم آخرون ، فإن كان ظهور (3) المخالفة من الجمع القليل قادحا في كون القضية بديهية ، فهذا المعنى حاصل في الطرفين ، وإن كان لا عبرة بموافقة أهل الجدل والشغب وبمخالفتهم ، وإنما العبرة بحكم الفطرة الأصلية والنفوس الخالية عن النقوش الباطلة ، فهذا المعنى حاصل في البابين فظهر أنه لا سبيل إلى الفرق.
والثاني : إنا نرى العقلاء مطبقين على أن الشيء لا يحدث إلا في زمان معين [ومكان معين] (4) ثم (5) إن المتكلمين زعموا أن حدوث الشيء لا يتوقف على سبق زمان معين ومكان معين ، وإلا لزم القول بقدم الزمان والمكان ، وإذا ثبت هذا فنقول : إطباق العقلاء على افتقار الحادث [إلى الفاعل ليس أقوى عند العقل الأول من إطباقهم على افتقار الحادث] (6) إلى الزمان والمكان ، فإن جاز التكذيب في أحد البابين جاز في الباب الثاني (7)، وإن وجب التصديق في أحد البابين ، وجب في الباب [الثاني] (8) فثبت أن الفرق باطل.
صفحہ 78