الثاني : إنا إذا عقلنا الذوات. فإن عقلنا بعد ذلك : كونه واجبا لذاته ، بقي المعتقد الأول. وإن اعتقدنا كونه ممكنا [لذاته] (1) زال اعتقاد كونه واجبا لذاته ، ولكن لا يزول اعتقاد كونه ذاتا [فثبت أن كونه ذاتا] (2) قدر مشترك بين الواجب والممكن والمادي (3) والمجرد ، إذا ثبت هذا فنقول : لا شك أن ذات واجب (4) الوجود ممتازة عن سائر الذوات بقيد من القيود ، [وكذلك ذات العقل ممتازة عن ذات الجسم بقيد من القيود] (5) إذ لو لم يحصل أمر من الأمور ، به يحصل الامتياز ، لما حصل الامتياز البتة ، إذا ثبت هذا فنقول : ثبت أن الذوات من حيث إنها ذوات أمور متساوية ، ثم إن كل واحد منها اختص بأمر لأجله امتاز عن غيره ، فاختصاص كل واحد منها بذلك المميز ، إن كان لأمر آخر لزم إما الدور وإما التسلسل وهما محالان ، فوجب أن يكون ذلك الاختصاص حاصلا ، لا لأمر ولا لمرجح ، فثبت بهذا الدليل : وقوع الممكن لا عن مرجح. وأيضا : فهو قول قال به طائفة عظيمة من العقلاء. وكل ذلك يبطل القول بأن افتقار الممكن إلى المرجح مقدمة معلومة بالبديهة.
السؤال الثالث : إنا كما رأينا أن أكثر العقلاء أطبقوا على أن الحادث لا بد له من محدث ، والبناء لا بد له من باني ، فكذلك نراهم مطبقين على مقدمات أخرى ، مع أن المتكلمين يزعمون أنها [غير] (6) صحيحة.
فالأول : إنهم كما استبعدوا حدوث البناء من غير باني ، فكذلك استبعدوا حدوث البناء من غير مادة سابقة ، مثل أن يحدث البناء من غير سبق تراب ولا حجر ولا خشب ، فلو صار جزم العقلاء بافتقار البناء إلى الفاعل حجة (7) [في صحة هذه المقدمة ، وجب أن يكون] جزمهم بافتقار البناء إلى مادة سابقة حجة في صحة هذه المقدمة ، إلا أن المتكلمين يزعمون أنه لا يحتاج حدوث الشيء إلى مادة سابقة وذلك يدل على أن إطباق جمهور العقلاء بحكم
صفحہ 77