لذاته فهو المقصود ، وإن كان ممكنا لذاته فلا بد له من الواجب لذاته فثبت أن اعتبار حال الموجود من حيث إنه موجود ، يشهد بوجود موجود ، هو واجب الوجود لذاته» فهذا ما قاله ثم رجح هذا الطريق (على الطريق) (1) الذي يستدل فيه بإمكان ما سواه على وجوده.
واعلم ان البحث المستقصى (يدل) (2) على أن هذا الكلام ليس بقوي (وذلك) (3) لأنا إذا قلنا : الموجود إما واجب لذاته ، أو ممكن لذاته ، فإن كان ممكنا لذاته ، امتنع رجحان وجوده على عدمه إلا لمرجح ، فهذا استدلال بوجود الممكن على وجود الواجب ، فثبت أنه لا سبيل إلى إثبات واجب الوجود إلا بهذه المقدمة. وأيضا : فهب أن الطريق الذي ذكره يدل على إثبات واجب الوجود لذاته ، إلا أنه (يبقى) (4) الشك في أن ذلك الموجود الواجب لذاته ، هل هو هذه الأجسام أو غيرها؟ فما لم يقم البرهان على أن هذه الأجسام ممكنة لذواتها ، لم يقدر على الحكم باحتياجها في وجودها إلى المؤثر (5) والمرجح.
فيثبت بما ذكرنا : أن معرفة واجب الوجود لذاته ، لا تحصل (6) إلا إذا اعتبرنا أحوال وجود هذه المحسوسات ، فإنا إذا بينا أنها ممكنة لذواتها ، ثم بينا أن الممكن لذاته لا بد له من المرجح ، ثم بينا أن التسلسل والدور باطلان ، فعند ذلك يمكننا الجزم بإثبات موجود واجب الوجود لذاته. فهذا حاصل الكلام في الاستدلال بوجود غير الله على وجود الله تعالى.
وأما الطريق الثاني ، وهو طريق أصحاب الرياضة : فهو طريق عجيب (7) أكيد قاهر فإن الإنسان إذا اشتغل بتصفية قلبه عن ذكر غير الله وداوم بلسان جسده ، ولسان روحه على ذكر الله ، وقع في قلبه نور وضوء (8) وحالة قاهرة وقوة عالية. ويتجلى لجوهر النفس أنوار عالية علوية وأسرار إلهية ، وهي مقامات ما لم يصل الإنسان إليها ، لا يمكنه الوقوف عليها على سبيل
صفحہ 54