أنا البنت الوحيدة في المدرسة التي تجيد لعبة كرة السلة، ولا أعلم لماذا؟ كنت ماهرة، أقفز عاليا، وأضع الكرة في الشباك بسهولة. لعبت مرة واحدة في منتخب المدارس لفريق البنات، وكنت الوحيدة السمراء ، وتبارينا مع فريق آخر لمدينة أخرى، فلم نفز؛ لأن الفريق الآخر كان معه ثلاث لاعبات لهن نفس لوني.
إخوتي وأولاد عمي كانوا دائما يفوزون بألعاب القوى والجري لمسافات طويلة، وكنا في المدارس متميزين باللون والرياضة.
كنا كثيرا ما ندافع عن أبناء مدرستنا ضد أبناء المدرسة المجاورة أثناء العودة إلى البيت، فإذا بهم يفرون جميعا، ويقولون بصوت عال: «جاء السود، اهربوا.» فيهربون، وأضحك أنا وأولاد عمي وإخوتي.
ابن عمي مزيون كان رغم صغر سنه قائد فريق الدبكة والأغاني في المدرسة، وكان يحيي حفلات المدرسة، ويلوح، ويقفز، ويطير في الهواء، ويفعل حركات مضحكة وشائقة. والجميل في هذا الأمر، أن جدتي وجدي حضرا إحدى الحفلات المدرسية مع أولياء الأمور، وشاركا مزيون الدبكة والغناء، مما شجع ناظر المدرسة والمدرسين على مشاركة جدي الرقص. كان يوما حافلا بالضحك والحب، وجدتي غنت بعض الأغاني. وفجأة سقطت قنبلة غاز مسيل للدموع وسط الحفل، فصار الجميع يبكي، ويركض خوفا. جدي حمل مزيون وسعد على ظهره، وأنا أمسكت بيد جدتي، وركضنا إلى البيت. وصلنا قبل أن يهاجم الجنود المدرسة، ويعتقلوا ناظر المدرسة، ويشبعوه ضربا؛ لأنه سمح أن تغنى أغان فلسطينية في الحفل.
موسم المشمش
لا وقت أكثر حبا عندي من موسم المشمش؛ فشوارع الحارة تمتلئ بالبائعين المتجولين للمشمش، والكل يشتريه، ويهديه للآخر. المشهد يذكرني بأن الناس تشتري أقمارا صغيرة. إن أردت أن تعرف طعم القمر، فكل حبة مشمش فقط، وإن أردت أن تتذوق طعم نصف القمر فقط، فاشطر الحبة نصفين. لا أعلم لماذا أشبه المشمش بالأقمار!
في هذا الموسم لا يغريني الطعم، ومن أين يأتي المشمش بكميات كبيرة إلى الحي وإلى الحارات من حولنا؟ ولكن الذي أهتم له هو اللعب بنواة المشمش.
كنت أنا ومزيون وأطفال الحي حتى شبابنا، نجمع مئات من نوى المشمش، ونحشو بها جيوبنا. أتذكر هنا الهبلة، فأي شيء تحصل عليه من التسول، أو العطف تضعه في جيوبها، وفي مقدمة صدرها، وفي نهاية اليوم تبدو الهبلة كأنها كيس كبير منتفخ، ويبدو صدرها كأنه دكان بقالة صغيرة ، أي شيء يخطر ببالك تجده معها.
يأتي مزيون بملعقة، ويحفر حفرة صغيرة بحجم البرتقالة في أرض طينية متماسكة، ويشارك باللعبة غالبا ثلاثة أطفال، أو أربعة، حيث يضع كل واحد عشر نويات في الحفرة، وكل واحد يمسك بيده نواتين، ويقذفهما بعنف في الحفرة، فأي نواة تخرج من الحفرة تكون ربحا له. نظل ساعات تحت الشمس نلعب، ثم يتحول اللعب إلى العراك على بذور المشمش، بتهمة الغش في إلقاء النواتين في الحفرة. ونظل نتدافع، ويشد بعضنا ثياب بعض، حتى يتنازل أحدنا عن نواة المشمش للآخر. وفي نهاية اليوم نعود إلى البيت بأكياس كبيرة من نوى المشمش.
ليس هناك فائدة تذكر لما نجمعه من النوى، سوى الشعور بأننا قد ربحنا شيئا، فهي مجرد تسلية، نهايتها عراك.
نامعلوم صفحہ