( تنبيه) يترتب على قولنا أن بعث الرسل من الجائز العقلي عدم وجوب معرفة أن لله رسولا بخاطر البال فإنه متى ما جوز العقل وجود بعث الرسول وعدمه كان معه كلا الطرفين سواء، فلا يكون طريق معرفة البعث إلا السماع.
(قوله يهدوننا) أي ينصبون لنا الأدلة الكائنة سببا لهدايتنا إلى سلوك طريق رضوان ربنا، وهذا هو الحكمة في إرسالهم ولا يغني عنهم في ذلك العقل كما زعمه بعض الملحدة، حيث قالوا: إن العقل يهتدي إلى معرفة الحسن فيفعله والقبيح فيتركه والأشياء التي لم يحكم فيها العقل بحس ولا قبح تفعل عند الضرورة وتجتنب عند عدمها.
(وجوابهم): أن العقل لا يدرك من التكاليف إلا بعضها، فلا يدرك ما كان كالصلاة ووظائفها والصوم ووظائفه ونحو ذلك، فلا غنى عن الرسول به ولو سلمنا أنه يدرك ذلك لكان إدراكه له متفاوتا محتاجا إلى مدة طويلة، وربما وقع في مهلكة قبل إدراكه لها فالرسول كالطبيب الحاذق الذي يعرف الداء والدواء وطبائع الأدوية، فيخبر الناس أن هذا لكذا وهذا لكذا وذا لكذا، فإنه وإن أمن أن الناس يدركون طبائع تلك الأدوية وأسرارها بمحض التجربة فلربما وقعوا في مدة تجربتهم لها في الدواء القاتل لهم فظهرت حكمة وجود الطبيب لهم.
(قوله إلى الصراط الأعدل) أي الطريق المستوي المبلغ إلى رضوان الله تعالى.
(قوله مقرونة دعواهم) حال من فاعل يهدوننا، أي يهدوننا إلى الصراط المستقيم حال كونهم مقرونة دعواهم بأنهم أنبياء وأنهم رسل من الله إلى خلقه، وأنهم مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه بمعجزات خارقة للعادة مبطلة لمعارضة المعاند لهم، شاهدة على تصديق مدعاهم نازلة منزلة صدق عبدي في كل ما بلغه عني، وقرن دعواهم بتلك المعجزات إنما هو عن محض تفضل الله تعالى لا عن وجوب ولا عن إيجاب.
قال الباجوري: (وأعلم) أن المعجزة لغة: مأخوذة من العجز وهو ضد القدرة وعرفا: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة.
صفحہ 5