مشارق أنوار العقول
مشارق أنوار العقول
اصناف
( قوله لو كان خالقا سواه لزما) الخ هذا هو الدليل العقلي المبطل لتعدد الخالقين، وصورة البرهان أنه لو كان غيره تعالى خالقا للزم أن يكون ذلك الخالق إلها لما خلق، فتتعدد الآلهة، وبيان الملازمة أنه تعالى أشار إلى أن الخلق صفة يختص بها الإله في قوله ((إذا لذهب كل إله بما خلق))([30]) وإذا كانت صفة الخلق وهي الإيجاد والاختراع مختصة بالإله لزم من تعددها تعدد الإله إذ لا يتصف بها إلا من كان لها والعقل قاض بذلك أما قوله تعالى ((وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير))([31]) وقوله ((وتخلقون أفكا))([32]) فالخلق فيها مجاز وكذلك ما أشبههما والمراد تصور من الطين وتجعلون الأفك حديثا لكم (قوله تعدد الإله) أي كونه أكثر من واحد (قوله قطعا حتما) أي قطع به والمراد تعدد الإله وقطعا مصدر انتصب بفعل يفسره ما بعده (قوله ولو تعدد الإله لظهر) هذا برهان للبرهان الأول فهو تدقيق (وصورته) أنه لو تعدد الإله لظهر فساد هذا العالم الذي بهر الخلق صنعه ونحن نشاهد أنه لم يفسد ونعلم ذلك ضرورة فلا تعدد وإلى هذا أشار قوله تعالى ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا))([33]) وقد تقدم بسط هذا المقام في محله (قوله فساد هذا العالم) المراد بالفساد ها هنا تلاشيه وذهابه وخروجه عن سلك الحكمة والعالم بالفتح الخلق سمي بذلك لأنه يستدل به على وجود الصانع، وعرفه بعضهم بأنه عبارة عن أجسام في ظروف مكان وزمان والأول أعم لدخول الأعراض تحته فإنها مما يستدل بها أيضا على وجود الصانع المختار، وأشار إليه بذا المختصة بالقريب مع ها التنبيه أشار إلى أن بديع صنعه تعالى موجود جدا لا يخلو منه مكان فلو استغرق الإنسان فكره في صنع نفسه التي هي أقرب الأشياء إليه ما استقصى غرائب ما فيها وعجائب صنعها وفي ها التنبيه على غفلة غالب الخلق عن التفكير في هذا الصنع العجيب.
صفحہ 170