مشارق أنوار العقول
مشارق أنوار العقول
اصناف
( قوله ولم يجز إغراقنا فيه النظر) أي ولم يجوز لنا الشرع أن نمعن الفكر ونستقصيه في القدر لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا))([6]) وفي الحديث الرباني: ((القدر سري ولا ينبغي لأحد أن يطلع على سري)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية))([7]) وقوله صلى الله عليه وسلم ((المرجئة يهود هذه الأمة والقدرية مجوسها))([8]) وقوله صلى الله عليه وسلم ((لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا قبلي))([9]) والمراد بالقدرية الخائضون في القدر والمتكلمون فيه بما لا يحل، وهم (صنفان): صنف منهم أنكروا أن تكون أفعالهم خلقا لله تعالى ونسبوا خلقها لأنفسهم وهو مذهب المعتزلة بجميع فرقهم.
(وصنف) نفوا الكسب عنهم وأضافوا جميع أفعالهم إلى الله عز وجل على سبيل الجبر منه لهم على فعلها ورفع الاختيار عنهم فيها، وجعلوا أنفسهم كالميت في يد المغسل وكالخيط في الهواء تقلبه الرياح لا يستطيع امتناعا. وسيأتي بيان شبه الصنفين ورد قولهم عليهم.
(وذهب) أهل الاستقامة والأشعرية إلى التوسط بين الحالين فقالوا: إن أفعالنا خلق لله عز وجل وهي لنا اكتساب فنثاب ونعاقب على اكتسابنا لا على خلق الله أفعالنا بدليل قوله تعالى ((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت))([10]) فالآية صريحة في إثبات الكسب والاكتساب لها وهي مبطلة لمذهب الجبرية ولقوله تعالى ((وأنه هو أضحك وأبكى))([11]) فالآية صريحة على أن الله تعالى هو خالق الضحك والبكاء فيهم وهو فعل لهم وهذا مبطل لمذهب المعتزلة.
صفحہ 159