مشارق أنوار العقول
مشارق أنوار العقول
اصناف
( قلنا) نعم إن وعده حق وإن التوبة النصوح مقبولة عنده لا بوجوب عليه بل بتفضيل منه فإن نفس الوعد بها تفضل وقطعنا باستحال كذبه لكن للتوبة المقبولة شروط فمن شاء أن يغفر له وقفه على تلك الشروط فوفى بها فهذه فائدة التعليق بالمشيئة لا ما زعمتموه، وأما فائدة الإطلاق في نفي غفران الشرك في الآية مع أنه مغفور بالتوبة في آيات أخر فهي لتعظين كبيرة الشرك على كبائر الفسق، وتهويل شأنه حتى ينفر عنه السامع فلا يحوم حول حماه.
(ومنها) قوله تعالى في أهل النار ((وأما الذي شقوا ففي النار خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك))([31]) قالوا: فالاستثناء في الآية دليل على أن الخلود غير أبدي وإلا فما معناه..؟ (أجيب) بأنه لا دلالة في الاستثناء على الخروج منها فإنه يصح أن تكون المدة المستثناة هي ما بين خروج أرواحهم إلى وقت دخولهم فيها، كما نقول نقعد غدا كلها مع زيد إلا مدة نصنع فيها كذا، فيصح أن تكون تلك المدة المستثناة قبل القعود مع زيد وذلك أن الله أوعد الأشقياء بالخلود في النار في الدار الآخرة، وأن من مات فقد حضرت آخرته وقامت قيامته بناء على القول بأنه ليس بين الدنيا والآخرة مدة، فصح استثناء وقت ما قبل الدخول ويحتمل أن يكون الاستثناء لوقت أراده الله فيه تعذيبهم بغير النار كالزمهرير وهو زاد في النار إذا أدخل فيه الشقي استغاث منه إلى النار، وفائدة إدخالهم فيه تنويع عذابهم فهم خالدون فيها بالنظر إلى أنه وارد فيها وجزء منها ومخرجون منها بالنظر إلى أن نوع عذابه يخالف نوع عذابها، أيضا فلو قيل أن الاستثناء دال على خروجهم منها للزم عدم تخليد الفاسق والمشرك فإن اسم الشقي شامل لهم والاستثناء وارد على خلودهم جميعا، وأيضا فهذا الاستثناء بعينه حاء في تخليد السعداء فيلزمكم أيضا عدم تخليدهم في الجنة.
صفحہ 135