مشارق أنوار العقول
مشارق أنوار العقول
اصناف
( واختلفت) الأمة في تأويله فذهب أصحابنا وجمهور المعتزلة إلى أنه عبارة عن ثبوت السعادة لقوم والشقاوة لآخرين على سبيل الاستعارة التمثيلية، حيث شبه ثبوت العمل الصالح بثقل الموازين والعمل السيئ بخفتها على وجه لا يظلم أحد فيه شيئا، وهو معنى قول الناظم عدل وإنصاف، فإن من ثبت له العمل الصالح لا ينقص منه شيئا ومن ثبت له العمل السيئ لا يزداد عليه شيئا وذلك هو العدل والإنصاف، وهو معنى قوله تعالى ((والوزن يومئذ الحق))([4]) ففسر الوزن بأنه الحق ونضع الموازين القسط فالقسط بدل من الموازين لا صفة لها ويعضده قوله تعالى ((فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا))([5]) فإنه دل على أن الكافر لا يقام له وزن يوم القيامة، فيلزم القائل بثبوت الوزن الحقيقي أن يقول: أنه خاص بما عدا الكافر وهم لا يقولون بذلك.
(وذهبت) الأشاعرة إلى أن الميزان هو قصبة عمود وكتفان كل واحدة منهما أوسع من طباق السماوات والأرض وجبريل آخذ بعموده ناظر إلى لسانه وميكائيل أمين عليه ومحله عندهم بعد الحساب (ثم) اضطربت أقوالهم في الموزون فقال بعضهم: هي الكتب بناء على أن الحسنات مميزة بكتاب والسيئات كذلك ويرد بأنكم تزعمون أن الموزون أعمالهم والكتب محل بيان الأعمال لا عينها، ولا محلها.
(وذهب) آخرون إلى أن الموزون أجسام حسنة وقبيحة وذلك أن الأعمال الحسنة تنقلب أجساما حسنة والأعمال القبيحة تنقلب أجساما قبيحة، ورد بأن هذا من باب قلب الحقائق وهو ممتنع عقلا فمن المحال قلب الأعراض أجساما وأجيب بأن المحال في ذلك متوقف على القسمة العقلية، فلا ينقلب الواجب مستحيلا ولا العكس، وأما في ما عدا ذلك فلا استحالة والجواب أنه لم يصح أنه ستقلب الأعراض أعيانا، والقول في ذلك بلا دليل تحكم.
(وذهب) آخرون إلى أن الموزون هي أنوار وظلمات ورد بأن النور والظلمة ليسا بعمل العامل وهم يزعمون أن الموزون أعمالهم.
صفحہ 116