189

أن يكون ملاقاة أكثر الاجزاء أو القدر المعتد به منها لها مدخل في الطهارة وبالجملة التطهير إنما هو أمر شرعي لا مدخل للعقل فيه وقد ثبت بالاجماع أن الالقاء دفعة مطهر فالتعدي إلى غيره مما لا نص فيه ليس بجايز وإن لم يظهر لنا الفرق بينهما لما عرفت من عدم مدخلية العقل في هذه الأمور فكيف مع ظهور الفرق إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله فلما لم يكن الملاقاة بالأسر فلا أقل من ملاقاة الأكثر أو القدر المعتد به وعلى الثاني إن عموم طهورية الماء غير مسلم لعدم دليل إذا الدلايل الدالة على طهوريته إنما يدل على طهوريته في الجملة كما مر في بابه خصوصا مع ما قد عرفت من وجود الرواية الدالة بظاهرها على أن الماء لا يطهر بشئ سلمنا لكن نقول إن الماء يطهر ما يلاقيه وملاقة الكر ههنا إنما هو مع سطح الماء النجس فيلزم أن يطهر ذلك السطح وليس سطح آخر متصل بذلك السطح الامتناع تتالي السطوح حتى يطهر ذلك السطح أيضا هكذا إلى الاخر بل هذا السطح إنما هو انتهاء الماء النجس ولا دليل على طهارة الجسم كله بطهارة سطحه وهو ظاهر ويمكن إجراء هذا التقريب بوجه آخر سيجئ إن شاء الله تعالى في بحث ماء المطهر وعلى الثالث أن الأصل لا معنى له بل الأصل مع خلافة إذ قد تحقق النجاسة والأصل بقائها حتى يثبت المزيد هذا ويمكن أن يأتي أنك قد عرفت فيما سبق أن الروايات الدالة على نجاسة القليل بالملاقاة مما لا يكاد يسلم عن المناقشة والعمدة في التمسك بنجاسة الشهرة بين الأصحاب ولا يخفى أن الشهرة ليست بعد الاتصال فيبنى على أصل الطهارة وانعقاد الاجماع على أن بعد ثبوت النجاسة يستمر حكمها حتى يحصل اليقين بمزيلها مم والاستصحاب في مثل هذا الموضع قد عرفت ماله إلا أن يأتي الشهرة بين الأصحاب قرينة على أن المراد بالروايات الدالة على النجاسة ظاهرها ومعارضاتها إنما تكون أولة وبعض الروايات كما عرفت دالة على النهى عن الوضوء بذلك الماء والشرب منه وإراقته والنهى يدل على التكرار والدوام ظاهرا فيستصحب حكمه يثبت المزيد وللتأمل فيه مجال واسع ولا يبعد أيضا أن يقول هب أن الشهرة دلت على ما ذكر لكن غاية ما فيه أن تكون الروايات ظاهرة في نفسها على دوام النهى لكن بعد وجود الخلاف في أن منتهاه ماذا هل هو الامتزاج أو الاتصال وعدم شهرة أحدهما بين الأصحاب يحصل الشك في التكليف وقد عرفت مرارا حال الشك ولا يذهب عليك أن إجراء هذا النحو من الكلام في القليل متغيرا شكل إذ ظهور دلالة الروايات الواردة فيه ليس اعتبار والشهرة فقط لعدم معارض لها بعضها ظاهر في استمرار النجاسة كما لا يخفى فيستصحب حتى يثبت المزيل والأولى رعاية الامتزاح وعدم الاكتفاء بالاتصال احتياط سيما في المتغير الثاني إن ألقاه الكر هل يجب أن يكون دفعة بمعنى وقوع جميع أجزائه في زمان قصير بحث يصدق عليه في العرف اسم الدفعة إذ الدفعة الحقيقية محال أو لا يجب بل يكفي وقوعه تدريجا لكن بشرط عدم الانقطاع ففي بعض كلماتهم يوعد التقييد بالدفعة وفى بعض آخر كعبارة المبسوط والخلاف والمعتبر لا تقييد والمصنف في الذكرى لم يقيد بالدفعة وقيده بالاتصال واعترضه المحقق الشيخ على (ره) بأن وصول أول جزء إلى النجس يقتضى نقصانه عن الكر فلا يطرح بورود النص بالدفعة وتصريح الأصحاب بها وأجيب عنه بأنه يكفي الطهارة بلوغ المطهر الكر حال الاتصال إذا لم تغير بعضه بالنجاسة وإن نقص بعد ذلك مع أن مجرد الاتصال لا يقتضى النقصان كما هو واضح وما ادعاء من ورود النص بالدفعة منظور فيه إذ لم يوقف عليه في كتب الحديث ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال وتصريح الأصحاب ليس حجة مع أن العلامة في التحرير والمنتهى اكتفى في تطهير الغدير القليل النجس بالغدير البالغ كرا ومقتضى ذلك الأكفاء في طهارة القليل باتصال الكر وإن لم يلقى كله فضلا عن كونه دفعة ويمكن أن يقول أن ما ذكره من أنه يكفي في الطهارة بلوغ المطهر الكر حال الاتصال مم لما عرفت من عدم تمامية أدلته إلا أن يكون إلزاما على المعترض حيث اكتفى بالاتصال وقد يقول أنه وإن اكتفى بالاتصال لكن يعتبر مساواة السطوح والاجتماع في الكر فعلى تقدير الالقاء تدريجا لما لم يبق المساواة و الاجتماع بحالهما فعند ملاقاته بالنجس يصير نجسا فينقص عن الكر فلا يفيد التطهير وعلى هذا يندفع قوله مع أن مجرد الاتصال الخ أيضا كما لا يخفى و فيه أنه صرح في بعض تحقيقاته كما نسب إليه الشهيد الثاني تقوى الأسفل بالأعلى فهذا التوجيه لا يتمشى من قبله لكن لا يخفى أنا لم نقف في كلامه على هذا المعنى وإن ما يوهم ذلك من كلامه المراد منه شئ آخر وسنشير إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى إلا أن يستنبط من كلامه في موضع آخر هذا وقد فصل بعض المحققين ههنا وذكروا أنه لا يخلو إما أن يعتبر في عدم انفعال الماء الكثير بالملاقاة استواء أسطحه أم لا وعلى التقديرين إما أن يعتبر الممازجة أو لا فإن لم يعتبر استواء السطح ولم يعتبر الممازجة فحينئذ لا يشترط الذريعة بل يكفي الاتصال كما ذكره الشهيد بل لا يلزم حينئذ إلقاء جميع الكر بل يكفي وصول أوله إليه نعم لو كان النجس متغيرا فلا بد من أن يدخل ماء الكر فيه بقدر ما يزيل تغيره ويشترط إذن أن لا يتغير بعض أجزاء الملقى ويزيد على الكر بقدر الاجزاء المتغيرة والحاصل أنه يشترط بقاء كر غير متغير متصل بالنجس وإن اعتبر استواء السطح فلا بد من الالقاء دفعة سواء اشترط الممازجة أو لا وسواء كان النجس متغيرا أو لا إذ مع انتفاء الدفعة يخرج الكر عن استواء السطوح فينجس جزئه الأول بالنجس وهكذا فلا يفيد التطهير فلا بد من الدفعة لئلا يخرج عن استواء السطح ولم ينفعل عن النجاسة وإن لم يعتبر استواء السطح واعتبر الممازجة فحينئذ أيضا لا يلزم الدفعة بل لابد من شيوع أجزائه فيه وإن لم يدخل جميع الكر

صفحہ 192