على الصانع القدير، فسبحان من فطر الخلائق على عظائم المختلفات، وأنطقهم بغرائب اللغات، وقدر لهم الأعمار والأرزاق والأقوات، فهو الخالق العليم، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، ولا يغيب عن حفظه مكيال قطرة، فكيف يغيب عنه ما هو أبداه، ويخفى عليه ما هو أنشأه، لأن الخالق عالم بخلقه، محيط بصنعه، ومؤلف بين عناصره، شاهد بحقائقه وسرائره، مدرك بباطنه وظاهره، فهو العالم بخفيات الغيوب، الشاهد لسرائر القلوب، فالأعضاء شهوده، والجوارح جنوده، والضمائر غيوبه، والسرائر عيانه، فلا يخفى عليه شيء من خلقه، ولا يعزب عنه شيء من صنعه، وكيف يغيب عنه ما هو أبداه، ويخفى عليه ما هو أنشأه، فسبحانه من قادر عليم؛ لم يزل على الأسرار رقيبا، ومن الأرواح قريبا، وعلى الأعمال حسيبا، فهو الرقيب القريب، الشاهد الذي لا يغيب، فسبحان القيوم القدير، المتكلم الخبير، السميع البصير، سمعه منزه عن الأصمخة والآذان، وبصره منزه عن الحدقة والأجفان، وكلامه جل عن الآلات واللسان، فطر العقول فلا ضد حضره حين فطرها، وبرأ النفوس فلا ند خبره حين اختبرها، وحده لا شريك له، الروح قطرة من قطرات بحار ملكوته، والنفس شعلة من شعلات جلال جبروته، والسماوات السبع والأرض ومن فيهن ذرة من ذرات قدرته، وسبعون ألف عالم أثر من آثار حكمته، والعالم بأسره سر من أسرار صنعته، والكل شاهد بأنه هو الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له في جلال كبريائه وعظمته، أهل السماوات يظنونه من الأرض، وأهل الأرض يظنونه في السماء، وهو الصمد الديان، المنزه عن الأين والمين، الموجود في كل مكان، المتعالي عن الإدراك بالبصر والعين، العالي عن الحدوث والحدثان ، الواحد الفاضل عن الاثنين، المعبود في كل زمان.
خلق الإنسان فقدره، وأحسن خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، خلقه من ماء مهين نطفة، وأنشأه من الحق شرعة ومنهاجا، وفطره على التوحيد، وأوقد له من العقل سراجا، وحل له رباط الضريح (1) بأنامل الفرج والاعتبار، وأخرجه من مشيمة الرحم بيد المشية والرحمة والاقتدار، ودفع له دم الطمث في الصدر لبنا، وغذاه برزقه، وأخرجه إليه سهلا لينا ورباه بلطفه، وأنبته نباتا حسنا، وجعل له سمعا يسمع آياته، وعقلا يفهم كلماته، ويدرك
صفحہ 18