مشاہیر اعلام مسلمین
مشاهير أعلام المسلمين
اصناف
الشاعر الكبير أبو تمام الطائي
في قرية (جاسم) بالقرب من دمشق، وفي أواخر القرن الثاني الهجري سنة 188ه ولد (أبو تمام حبيب بن أوس الطائي).. ذهب إلى كتاب القرية ليتعلم القراءة والكتابة، ويحفظ القرآن الكريم، ولأنه كان فقيرا لا يملك قوت يومه فقد ترك الكتاب ليعمل بمهنة الخياطة، ليساعد أباه العطار على مواجهة أعباء الحياة، لكن أبا تمام في ظل انشغاله بالعمل لم ينس أبدا حبه للعلم والتعلم، فكان يتردد عقب انتهائه من العمل على حلقات الدرس في مساجد مدينة دمشق بعد أن استقرت بها الأسرة بحثا عن سعة العيش وينهل من علوم الدين واللغة والشعر، وكان أبو تمام يهوى الشعر والترحال والسفر، يقول في ذلك:
وطول مقام المرء بالحي مخلق لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
ويقصد أبو تمام أن يقول: اغترب بالترحال والسفر لكي يشتاق إليك أحباؤك، فإن الشمس محبوبة لأنها ليست دائمة الظهور.
ثم رحل أبو تمام إلى مصر، فأقام في مسجد عمرو بن العاص، وقضى بها خمس سنوات، كان يعمل خلالها في سقاية الماء، كما كان يتعلم من خلال استماعه للدروس التي تعقد في المسجد، فألم بالفقه والتاريخ والشعر والحديث والفلسفة، ولكنه كان يميل إلى الأدب والشعر؛ فحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة وكثيرا من القصائد، وحفظ سبعة عشر ديوانا من الشعر.
وتفتحت موهبة أبي تمام في نظم الشعر، فأخذ يتكسب به، لكنه مع ذلك لم يحقق ما كان يرجوه من تحسين أحوال معيشته، فاتجه إلى الشام، ثم إلى العراق بعد أن ضاق عليه الرزق، ويقول في ذلك:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل ويكدى الفتى في دهره وهو عالم
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى هلكن إذا من جهلن البهائم
ولم تجتمع شرق وغرب لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهم
وانصرف أبو تمام إلى الرحلات، وأخذ ينشد الشعر في شتى البلاد، فذاع شعره وانتشر، حتى سمع به الخليفة المعتصم، فاستدعاه وقربه منه، فكان ذلك فاتحة خير عليه وتحسنت حالته، ولم يكن أبو تمام شاعرا فحسب بل كان ذواقا للشعر، وقد تجلت هذه الموهبة في عدد من الكتب التي اختار فيها ما أعجبه من أشعار القدماء والمحدثين وأشهرها (ديوان الحماسة) الذي ألفه وجمعه في خراسان، بعد أن نزل الثلج فأغلق الطريق، وحال بينه وبين الرحيل، فنزل ضيفا في دار بها مكتبة ضمت الكثير من الدواوين الشعرية.
وكان أبو تمام رقيق المشاعر، فدائما ما كان يحن إلى قريته (جاسم) يقول فيها:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
وبعد أن طاف أبو تمام وتنقل في بلاد الله؛ استقر به المقام في الموصل؛ حيث استدعاه (الحسن بن وهب) والي الموصل والكاتب المشهور ليتولى بريد الموصل، فظل بها عاما، حتى توفي بها في عام 231ه، وقد تميز شعر (أبي تمام) بجودة اللفظ وحسن المعاني، لكنه كان يكثر من استخدام التشبيهات والجناس والألفاظ المتشابهة والغموض في التعبير، وكان إمام الشعراء في عصره، حتى قيل فيه: (ما كان أحد من الشعراء يقدر أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمام، فلما مات تقاسم الشعراء ما كان يأخذه).
صفحہ 54